لماذا يعد الوصول لذروة الانبعاثات بداية معركة المناخ؟

تلوث الوقود الأحفوري قد ينخفض بسرعة.. لكن معظم كربون العالم محتجز في أماكن غير متوقعة

منظر جوي لمزارع زيت النخيل في فاليمباغ خلال جولة بطائرة مروحية فوق غابة سومطرة، فاليمباغ، جنوب سومطرة إندونيسيا
منظر جوي لمزارع زيت النخيل في فاليمباغ خلال جولة بطائرة مروحية فوق غابة سومطرة، فاليمباغ، جنوب سومطرة إندونيسيا المصدر: غيتي إيمجز
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل انتصرنا للتو؟ يبدو الأمر كذلك بالتأكيد، إذ يُرجح أن تبلغ الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري -المحرك الرئيسي للاحترار العالمي منذ فجر العصر الصناعي- ذروتها في غضون عامين، وفقاً لشركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) الاستشارية في مجالي النفط والغاز.

قالت وكالة الطاقة الدولية في 8 فبراير الماضي، إنَّ التلوث الكربوني الناجم عن الكهرباء -وهو القطاع ذو البصمة الكربونية الأكبر- لن يصل أبداً إلى المستويات التي بلغها في العام الماضي.

هذا إنجاز رائع وغير متوقَّع إلى حد ما. ففي 2022، قال فاتسلاف سميل -مفكر الطاقة المفضل بالنسبة إلى بيل غيتس -إنَّ تنبؤات إزالة الكربون على نطاق واسع هي "المكافئ الأكاديمي للخيال العلمي".

لا تزال شركة "إكسون موبيل" تتوقَّع نمو الطلب على البترول في عام 2050، بينما يفترض أحد النماذج الرئيسية المستخدمة حتى وقت قريب لرسم مستقبل المناخ، أنَّ الانبعاثات لن تنخفض حتى عام 2090.

لا يزال كل شيء يعتمد ليس على اللحظة التي يبدأ فيها تلوث الكربون في الانخفاض فقط، بل على وتيرة تقلّصه كذلك. مع هذا، فإنَّ بلوغه لذروته قريباً يُحسّن بشكل حاد احتمالات إبقاء الاحترار دون المستويات الكارثية.

عامل تغيير الطبيعة

مع ذلك، قد تكون المشكلة الخفية التي تتربص بنا في الأفق هي الأصعب. وبرغم أنَّه من الشائع التفكير في تغير المناخ باعتباره مرادفاً لاستهلاك الوقود الأحفوري تقريباً، فإنَّ حرق الفحم، والنفط، والغاز لا يمثل الطريقة الوحيدة التي يسخّن بها النشاط البشري الغلاف الجوي، وإنما هناك ممارسة أقدم بكثير تمثل ما بين 6% و21% من الانبعاثات، وتلك الممارسة هي: تغيير الطبيعة عن طريق قطع الغابات، ورعي الماشية، وزراعة المحاصيل.

مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً

ارتفع حرق الكربون من الوقود الأحفوري -الذي نأمل أن ينخفض- بوتيرة متسارعة، تماثل معدل التنمية الصناعية التي يغذيها، بينما تُقاس انبعاثات الزراعة واستخدام الأراضي بوتيرة أبطأ، وقد يكون الحصول على بيانات قديمة عنها أصعب.

صعوبة حساب الانبعاثات الحيوية

يعد حساب انبعاثات الكربون الأحفوري الموجودة لدينا أمراً سهلاً نسبياً. يمكن لطالب في المدرسة الثانوية حساب عدد ذرات الكربون في برميل النفط أو في طن متري من الفحم، ثم تقدير كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة عند احتراقها. نظراً لتوافر أرقام التجارة والإنتاج للعامة. ويمكن للمرء إعداد تقدير جيد عن البصمة الكربونية الصناعية في العالم بمدة لا تتجاوز ظهر يوم واحد.

هل يمكن لتقنية احتجاز الكربون أن تحل مشكلة الانبعاثات؟

لكن على النقيض من ذلك، يمكن القول إنَّ الانبعاثات الحيوية مختلفة. فمعرفة ما إذا كانت زراعة غابة متنوعة بيولوجياً على أرض برية اسكتلندية جرداء تؤدي إلى منع الانبعاثات أو إطلاقها، تعبّر عن سؤال معقد على عكس المتوقَّع، لدرجة أنَّ الخبراء أنفسهم يجدون صعوبة في الإجابة عنه.

فمجرد تقييم حجم الكربون المحبوس في النظم البيئية للعالم، يمثل تحديات هائلة. وحساب مقدار ما يتم تخزينه في أغصان وأوراق الغابات يعتمد على سلسلة من البيانات المستخلصة من تقديرات مختصة بارتفاع الغطاء النباتي، وتركيبة الأنواع البيئية، وتكون مدعومة بقياسات عينة من محيط الجذع، ومأخوذة بحسب طول أي حارس غابة يقوم بالقياس في ذلك اليوم.

فجوة كبيرة

لدينا مزيد من الأفكار التقريبية عن مقدار الكتلة الحيوية المخزنة في جذور النباتات. ووجدت دراسة أجريت عام 2017 عن حقول الذرة أنَّ التقنيات التقليدية بالغت في تقدير حجم الجذور الحية بنحو 67%، وهي فجوة كبيرة عندما نأخذ بعين الاعتبار أنَّها تعادل نحو 130 مليار طن من المواد النباتية على مستوى العالم.

عادةً ما يتم تقدير الكربون غير النباتي في التربة عن طريق أخذ عينات أساسية وحرقها لقياس كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة. ونؤكد مجدداً على أنَّ هذه التقنية، تخضع لأخطاء كبيرة في أخذ العينات، ما يعني أنه من الصعب أن نكون دقيقين بشأن فئة قد تحبس 2.5 مليار طن متري من الكربون، أي ما يعادل 60 عاماً من انبعاثات العالم.

انخفاض انبعاثات إزالة الغابات

الخبر السار هنا هو أننا ربما نحرز بالفعل تقدّماً في تسجيل كربون العالم الطبيعي. فوفقاً لمشروع الكربون العالمي -وهو تحالف من علماء المناخ- تجري موازنة حوالي نصف انبعاثات العالم من إزالة الغابات بزراعة أشجار جديدة.

يبدو أنَّ انبعاثات استخدام الأراضي قد انخفضت من حوالي 7 مليارات طن في عام 1960 إلى أقل من 4 مليارات الآن، على الرغم من أنَّنا أضفنا حوالي خمسة مليارات إنسان إلى سكان العالم.

الطبيعة الأم تمتلك أفضل التقنيات لحل أزمة المناخ

قطع الأشجار بصورة أقل، والزيادات في الزراعة، قد ينتج عنها تحول هذا الرقم إلى الخانة السلبية، ما يعني أنَّ النظم البيئية لدينا ستحتجز كمية من الكربون أكثر من تلك المنبعثة. في الواقع، نحن نعوّل فقط على حدوث هذا التغيير، إذ إنَّ جميع التعهدات تقريباً للوصول إلى الصافي الصفري تعتمد على البيئة التي تمتص الجزء الإجمالي من الانبعاثات التي لا نعرف كيفية كبحها.

تأصل الزراعة يُصعّب عكس مسارها

نتيجة لذلك، يمكن القول إنَّ كل حالة من عدم اليقين مقلقة للغاية. فحتى الآن، انتهى المطاف بحوالي ثلث انبعاثاتنا الصناعية محبوسة في النظم البيئية البرية، مع ذهاب ثلث آخر إلى المحيطات. ينتج تغير المناخ بالكامل عن الثلث المتبقي البالغ 14 مليار طن سنوياً أو نحو ذلك، والذي يدخل إلى الغلاف الجوي.

إذا وصلت أحواض الكربون الموجودة في الأرض والمحيطات إلى درجة التشبع، وتوقفت عن امتصاص الكربون من السماء -وهو أمر قد يحدث على الأرض في غضون عقود- فربما يكون حتى خفض انبعاثاتنا غير كافٍ لمنع تركيز الكربون في الغلاف الجوي من الارتفاع وتسخين الكوكب.

يذكر أنَّ تغيير البيئة الطبيعية كان أول طريقة استخدمتها التكنولوجيا البشرية لتعديل هذا العالم ليناسب احتياجاتنا، ويعود تاريخه إلى فجر أسلوب "القطع والحرق" الزراعي منذ 80 ألف عام أو نحو ذلك، بالمقارنة مع قرنين تقريباً من التصنيع. لذا، يمكن أن يكون التراجع عن هذه الممارسة القديمة، أصعب بكثير.