وتيرة انكماش الاستهلاك في روسيا منذ الحرب أسرع من وقت الوباء

الأسر تتجنب السلع غالية الثمن وتبحث عن بدائل أرخص

أحد متاجر يونيكلو  المغلقة بمركز تسوق في موسكو
أحد متاجر يونيكلو المغلقة بمركز تسوق في موسكو المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ترى لاريسا رودينكو أن تكيف المستهلكين مع وضع الاقتصاد في زمن الحرب أمر مكلف ويستغرق وقتاً طويلاً.

تقول ربة المنزل (45 عاماً) من فارونيش وسط روسيا إن مجرد شراء ملابس لابنتها المراهقة أصبح أمراً شبه مستحيل، بسبب اختفاء العلامات التجارية الغربية الرخيصة، وارتفاع أسعار الملابس الروسية القديمة والمقلدة. كما تضيق الخيارات وتُصبح أكثر صعوبة عندما يتعلق الأمر بشراء الطعام أو السلع المعمرة بسبب تقلص ميزانية الأسرة.

أضافت رودينكو: "ببساطة أصبحت لا أدري أين يمكنني أن أذهب، وربما مع مرور الوقت، سوف تفتح مزيد من المتاجر وتحمل لنا بعض البدائل".

تراجع مستوى المعيشة

رغم تصريحات الرئيس، فلاديمير بوتين المتفائلة بشأن توقع "نمو طفيف" في كافة المجالات هذا العام، يستمر انكماش مبيعات التجزئة لوقت أطول من الذي شهدته أثناء الوباء.

تصف بلومبرغ إيكونوميكس الانكماش الاقتصادي على أنه "تراجع مستمر" في مستويات المعيشة، يشبه الفقر وتقلص مبيعات التجزئة لفترات طويلة خلال السنوات التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم في 2014، في الوقت الذي يستحوذ قطاع السلع الاستهلاكية على نحو نصف حجم الاقتصاد.

هناك تناقض صارخ بين انكماش قطاع التجزئة ومرونة الاقتصاد الذي تحمّل عاماً من العقوبات تسببت في ركود أقل حدة من التوقعات في بداية الأزمة.

توقعات باستمرار الانكماش

خلال الأسابيع التي أعقبت الغزو قبل عام، كانت هناك طفرة في التسوق نتيجة حالة الذعر التي دعمت الاستهلاك وقتها. لكن منذ ذلك الحين، تباطأ معدل نمو الاستهلاك بشكل قوي وانخفض إلى أقل من الصفر حتى مطلع العام الجاري، مع تقديرات بتراجع إنفاق الأسر بكافة فصول العام خلال 2023، وفقاً لتوقعات جمعتها بلومبرغ.

الاقتصاد الروسي ينكمش بأقل من المتوقع متراجعاً 2.1% العام الماضي

تقول أولغا بيلينكايا، الخبيرة الاقتصادية في "فينام" (FINAM): "قطاع التجزئة كان أكثر قطاعات الاقتصاد تضرراً العام الماضي".

عقب ظهور مؤشرات على تعافي الاستهلاك خلال يناير، يكشف عدد كبير من التقديرات عن تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي الاسمي، ثم انخفاضه في الأسابيع الأخيرة.

تشير تقديرات بيلينكايا إلى أن القيمة الحقيقية لتجارة التجزئة انخفضت 6.7% العام الماضي، وسجلت أكبر انكماش لها منذ 2015.

الاستهلاك أفضل مؤشر

مع استمرار الحرب، تمثل سلامة قطاع الاستهلاك مؤشراً مهماً على المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الروسي.

كان تضرر قطاع البيع بالتجزئة أكبر من باقي قطاعات الاقتصاد، التي تمكنت من إعادة بناء سلاسل توريد وجلبت المنتجات من أسواق بديلة، إذ هددت الأزمة بإغلاق العديد من مراكز التسوق، حيث قالت إحدى الروابط التجارية لصحيفة "إزفيستيا" (Izvestia) إن كافة مراكز التسوق الصغيرة مهددة بالإفلاس.

تعبئة بوتين للجيش تضرب الاقتصاد الروسي المتدهور في مقتل

رأي بلومبرغ إيكونوميكس

"لم تتحسن مستويات معيشة المستهلكين الروس منذ بلغت ذروتها في 2014، حيث تسببت العقوبات العام الماضي في انخفاض حجم تجارة التجزئة 10.5% إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد. ونحافظ على نظرتنا المستقبلية لقطاع الاستهلاك الشخصي مع عودة الحكومة تدريجياً إلى تقييد الواردات من أجل دعم الصناعة المحلية".

ألكسندر إيزاكوف، خبير اقتصادي روسي.

التقشف والخصومات

يستمر تراجع إنفاق الأسر رغم الحوافز الحكومية الكبيرة لدعم الاقتصاد وتراجع البطالة لمستوى قياسي. والعام الماضي، ارتفعت القيمة الإسمية لقروض الأفراد بشكل طفيف في ظل اختيار الروس سداد الديون القائمة بدلاً من الاقتراض مجدداً.

التركيز على التقشف ساعد على انتعاش أعمال بعض الشركات، حيث قالت "إكس 5 ريتيل غروب" (X5 Retail Group NV)، إحدى أكبر شركات تجارة التجزئة في روسيا، إن مبيعات منفذ التوزيع بأسعار منخفضة التابع لها "تشيزيك" (Chizhik) ارتفعت العام الماضي 12 ضعفاً على أساس سنوي تزامناً مع زيادة عدد المتاجر 7 مرات، إضافة إلى تخطيطها افتتاح مزيد من الفروع في 2023.

تعكس أسواق البيع الأصغر حجماً توافر قائمة أقل من السلع بعد خروج العديد من العلامات التجارية الغربية عقب الغزو.

هرب مئات الآلاف من روسيا تجنباً للالتحاق بالجيش، فيما قالت "إكس 5 ريتيل غروب" الشهر الماضي إن التدفقات الخارجة كانت أحد أسباب انخفاض الطلب على الأغذية.

ألمانيا: العقوبات ستحطّم الاقتصاد الروسي

توفير الطعام

كذلك تشير التغييرات التي شهدتها قائمة تفضيلات المستهلك إلى المصاعب التي يتعرض لها الكثير من الأشخاص، حيث كشف أحد استطلاعات الرأي الحكومية نهاية 2022 بدء أكثر من ثلث الروس توفير الطعام.

تقدم رودينكو نموذجاً لذلك التغير، حيث قررت عائلتها التراجع عن شراء سيارة ثانية وشراء مكنسة كهربائية صينية الصنع بتكلفة تضاهي الأنواع الأوروبية التي كانت متاحة قبل الحرب، كما ثبت إنفاقها على المواد الغذائية الأساسية مثل البيض والحليب والخبز، بينما تحاول الاقتصاد في الإنفاق على السلع الغالية مثل القهوة. إذ تقول رودينكو: "لذلك إما أن نتفادى الاعتماد على منتجات غالية أو نبحث عن بدائل أرخص".