النقد وحده لن يدفع عجلة الاقتصاد الأميركي

المعروض النقدي ليس الدافع الرئيسي لقرارات "الفيدرالي".. والبنوك الأميركية لا تسعى لجذب مزيد من السيولة

طباعة الأوراق النقدية في مكتب النقش والطباعة التابع لوزارة الخزانة الأميركية.
طباعة الأوراق النقدية في مكتب النقش والطباعة التابع لوزارة الخزانة الأميركية. المصدر: غيتي إيمجز
Bill Dudley
Bill Dudley

Bill Dudley is a senior research scholar at Princeton University’s Center for Economic Policy Studies. He served as president of the Federal Reserve Bank of New York from 2009 to 2018, and as vice chairman of the Federal Open Market Committee. He was previously chief U.S. economist at Goldman Sachs.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتفق الصور الرقمية الساخرة مع آراء الخبراء على رأي واحد في أحيان كثيرة، فغالباً ما يجتمع كلاهما على طريقة واحدة لفهم منظومة عمل الاقتصاد الأميركي، ويقولون إن السيولة النقدية الهائلة هي الدافع الأساسي وراء تحديد الإنتاج والأسعار.

وفقاً لمنطقهم، فإن توسع بنك الاحتياطي الفيدرالي في المعروض النقدي المرتبط بالجائحة هو ما أدى إلى التضخم الحالي، وتراجعه حالياً سيقضي على التضخم ويؤدي إلى حالة ركود...لكن ياليت مهمة البنك كانت بهذه البساطة. فهذا تفكير خاطئ في نقطتين على الأقل، وهما:

أولاً: المعروض النقدي هو مجرد واحد من عوامل كثيرة تؤثر على الاقتصاد الأميركي، وربطه بالنتائج الفعلية يكون في غاية الهشاشة. فرغبة الناس في الاقتراض وسعي المؤسسات المالية إلى الإقراض، عاملان مهمان أيضاَ.

تعتمد سرعة دورة النقود على تصرفات مجموعة كبيرة من الوسطاء الماليين وعملائهم، ولا تمثل البنوك إلا جزءاً صغيراً منها. كل هذا يمكن توضيحه بالمعادلة الشهيرة التي تقول إن: حاصل ضرب كمية النقد في سرعة دورانه، يساوي سعر الإنتاج الاقتصادي مضروباً في كميته. لكن معرفة كمية النقد لا تفيد في توقع سعر الإنتاج أو حجمه، لأن سرعة دوران النقد تكون متغيرة بشكل كبير.

"غولدمان ساكس" يتوقع رفع "الفيدرالي" الفائدة 75 نقطة إضافية

لم يستهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المعروض النقدي إلا مرة واحدة خلال معركة بول فولكر مع التضخم من 1979 إلى 1982، وحينذاك، كان الدافع الرئيسي سياسياً، وهو: ضرورة إبطاء نمو المعروض النقدي، وهذا منح فولكر ذريعة لرفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة. لكن بعد انتصاره على التضخم، سرعان ما حوّل البنك أنظاره عن هدف المعروض النقدي.

ثانياً: تغيرت سياسة "الفيدرالي" النقدية جذرياً في 2008، عندما منحه الكونغرس صلاحية دفع الفائدة على الاحتياطيات التي تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي.

قطعت هذه الخطوة الصلة بين حجم احتياطيات البنوك التي تشكل المُدخل الرئيسي للمعروض النقدي من جهة، وسعر الائتمان من جهة أخرى. فإذا افترضنا أن البنك حدد سعر الفائدة على الاحتياطيات عند 5%، لن تجد البنوك سبباً للإقراض مقابل سعر أقل، مهما كان حجم الاحتياطيات لديها.

ذروة الاحتياطيات والنقد

لهذا السبب لم يرتفع التضخم في ظل برامج التيسير الكمي من 2009 إلى 2014 ومن 2020 إلى 2021، حتى مع وصول احتياطيات البنوك ومعدل نمو المعروض النقدي إلى أعلى مستوياتهما ليتجاوزا 4 تريليونات دولار بالنسبة للسيولة النقدية، و26.9% للنمو على التوالي.

لكن أغلب النقد ظل في مكانه. فرغم تكدس الودائع لتصل إلى نحو 18 تريليون دولار، انخفض إجمالي قروض والتمويلات التأجيرية لدى البنوك من ذروة 10.9 تريليون دولار في مايو 2020 إلى 10.4 تريليون بعدها بعام.

في الوقت الحالي، فإن حقيقة أن البنوك غارقة في احتياطياتها وسيولتها، ستخفف أيضاً من آثار التشديد النقدي من "الاحتياطي الفيدرالي". وأحد أسباب بطء البنوك في رفع أسعار الفائدة على ودائع العملاء، هو عدم حاجتها لجذب مزيد من النقد لتمويل عمليات الإقراض.

محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي يكشف ميله لزيادة الفائدة للسيطرة على التضخم

إذاً، ما هو سبب التضخم؟ حدث تسارع مفرط في النمو الاقتصادي لأسباب عدة: التغيرات في تركيب الطلب على السلع في المراحل الأولى من الجائحة أدت إلى تشابك سلاسل التوريد، وزيادة الحافز الضريبي للقوة الشرائية، وإبقاء الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة أقل مما يجب لفترة أطول من اللازم.

أما إذا رُفعت أسعار الفائدة بدرجة كبيرة في وقت سابق لذلك، فكان الاقتصاد لينمو بوتيرة أبطأ، وسوق العمل ستكون أوسع، وتضخم الأجور والأسعار سيكون أقل.

التيسير أم التشديد النقدي؟

السؤال الآن هو: ماذا عن التيسير الكمي؟ وهل له أي تأثير على الإطلاق؟ الإجابة هي، بالطبع كان له أثره في زيادة تحفيز السياسة النقدية بخفض عائدات السندات وأسعار الفائدة على القروض العقارية، لكن هناك مبالغة في إسهامه في التضخم، حيث إن أغلب الاحتياطيات والودائع الناتجة عنه ظلت أرقاماً في ميزانية النظام المصرفي، ولم تتحوّل إلى قروض قط.

بالمثل، فإن تأثير التشديد الكمي سيكون أقل مما قد يشير إليه تناقص احتياطيات البنوك والمعروض النقدي، لأن الأمر المهم هو مستوى أسعار الفائدة قصيرة الأجل (الذي يعني معدل ارتفاعها ومدة هذا الارتفاع)، إضافة إلى مدى تأثيره على الأوضاع المالية، وأثر ذلك على رغبة الناس في الاقتراض والإنفاق.