"المركزي الأوروبي" يواصل التشديد النقدي بضغط التضخم المستمر

توقعات بتطبيق سادس زيادة متتالية في أسعار الفائدة على الودائع في مارس الجاري لتصل إلى 3%

لافتة البنك المركزي الأوروبي على مقره الرئيسي في فرانكفورت، ألمانيا
لافتة البنك المركزي الأوروبي على مقره الرئيسي في فرانكفورت، ألمانيا المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا تعاد صياغة السيناريو الذي يفترض أنَّ التضخم مؤقت فحسب؛ بل جرى استبعاده تماماً ودون رجعة.

وعلى الرغم من أنَّ معدل التضخم في منطقة اليورو انخفض من ذروته البالغة 10.6% في أكتوبر إلى 8.5% في فبراير الماضيين، لكن لم يعُد أحد يهتم بالتضخم الكلي بعد الآن. وإنما ينصب التركيز على التضخم الأساسي الذي يستبعد تكاليف الغذاء والطاقة، وشهد هذا المقياس ارتفاعاً آخر، ووصل إلى معدل قياسي يبلغ 5.6%.

بعد انضمام البنك المركزي الأوروبي المتأخر إلى مسيرة التشديد النقدي العالمية، سيقف عاجزاً أمام رفع أسعار الفائدة لمعدلات أكبر لمواجهة تبعات الموجة الثانية من الصعود الكبير في أسعار الطاقة.

حذّر تقرير صدر الخميس الماضي من ارتفاع أسعار المستهلكين في إسبانيا وفرنسا بمعدلات أعلى من المتوقَّع، التي اقتربت في باريس من أعلى مستوياتها في 40 عاماً. وكانت فرنسا وإسبانيا قد استفادتا خلال 2022 من إجراءات تثبيت أسعار الطاقة، لكن يبدو أنَّ نتائج هذا التثبيت بدأت في التلاشي، وأصبحت الأولوية لنفقات الغذاء والخدمات. جاء معدل التضخم في ألمانيا أعلى من المتوقَّع أيضاً هذا الأسبوع، إذ انكشفت حقيقة المعدلات السنوية الوردية.

"مورغان ستانلي": اقتصاد منطقة اليورو قادر على تحمّل المزيد من رفع الفائدة

توقَّعت السندات الحكومية الأوروبية عودة هذا الارتفاع في أسعار التجزئة بمنتهى الوضوح. وكان أكبر مصدر للقلق -كما هو معتاد- في إيطاليا التي شهدت تراجعاً يزيد عن 4.6% في عائدات سنداتها لأجل 10 سنوات، وهو ما يدق ناقوس الخطر حول قدرتها على سداد الديون.

على الجانب الآخر، بلغت عائدات السندات الألمانية والفرنسية أعلى معدلاتها في 12 سنة، لكنَّ السندات الأقصر أجلاً هي أسرع مما يعاد تقديرها. ارتفعت عائدات السندات الألمانية لأجل سنتين إلى مستوياتها عند الأزمة المالية العالمية. هبط منحنى عائدات السندات لأجل سنتين إلى 10 سنوات نحو 50 نقطة أساس، وهي علامة إنذار واضحة على الركود ظهرت في 90% من منحنيات العائدات العالمية.

فبراير الأسوأ للسندات

شهد يناير الماضي أفضل بداية عام في تاريخ السندات، لكن على النقيض من ذلك كان فبراير هو الأسوأ، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" العالمي للعائد الإجمالي للسندات الحكومية المُنشَأ عام 1990، حيث ظهرت مشكلات 2022 على السطح مجدداً فيه وبقوة.

يقود رئيس البنك الاتحادي الألماني، يواكيم ناغيل، مهمة رفع أسعار الفائدة، وقال الأربعاء الماضي: "هناك شيء وحيد واضح، وهو أنَّ إعلان سعر الفائدة الجديد في مارس لن يكون الأخير، كما أنَّ اتخاذ خطوات مهمة أخرى في أسعار الفائدة بعده قد يكون ضرورياً".

التضخم الأساسي في منطقة اليورو يتسارع ويباغت "المركزي الأوروبي"

هناك حاجة ماسة لتحسين النظرة المستقبلية للتضخم قبل أن يتوقف مؤيدو التشديد النقدي في "المركزي الأوروبي" -المسؤول عن تنظيم أسعار الفائدة الأوروبية- عن مطالبتهم بتطبيق المزيد من التشديد، فالتوقُّعات لا تشير فقط لمزيد من الارتفاعات الرسمية في أسعار الفائدة، بل إلى زيادة تكاليف الاقتراض لمدة أطول أيضاً.

عدّل محللو "دويتشه بنك" مؤخراً تقديرهم لذروة معدل الإيداع في "المركزي الأوروبي" من 3.25% إلى 3.75%، في حين أنَّ أسواق المال تقدّر وصولها إلى 4% بنهاية العام الجاري.

توقعات الاجتماع المقبل

يعقد "المركزي الأوروبي" اجتماع السياسة النقدية المقبل في 16 مارس الجاري، وسيوضح الاجتماع التقييم الاقتصادي ربع السنوي مع توقُّعات محدثة للنمو والتضخم، وتتوقَّع التقديرات بشكل شبه مؤكّد تطبيق سادس زيادة متتالية في أسعار الفائدة على الودائع، لتصل إلى 3%، وهو ثالث ارتفاع بمعدل نصف نقطة مئوية، كما يرتقب تطبيق زيادتين متتاليتين أيضاً بمعدل 50 نقطة أساس في مايو ويونيو المقبلين. يشير هذا إلى تشديد بمعدل 450 نقطة أساس في أقل من عام، ليواكب وتيرة زيادات "الاحتياطي الفيدرالي الأميركي" برغم أنَّ اقتصاد منطقة اليورو أضعف بكثير من نظيره الأميركي.

لاغارد: "المركزي الأوروبي" قد يواصل رفع الفائدة بعد اجتماع الشهر الحالي

تزداد الضغوط مع توقف "المركزي الأوروبي" عن إعادة الاستثمار في بعض حيازات السندات التي تراكمت أثناء فترة التيسير الكمي، وتقارب قيمة هذه السندات 15 مليار يورو (16 مليار دولار) شهرياً من التشديد السلبي بدءاً من الأسبوع الجاري، والأرجح أن تتسارع تلك الوتيرة في اجتماع يونيو، وهو ما يدعو إليه ناغيل بالفعل.

فضلاً عن الإيقاف التدريجي لبرنامج "المركزي الأوروبي" لإقراض 1.35 تريليون يورو المعروف باسم "عمليات إعادة التمويل المستهدفة طويلة الأجل" (TLTRO)، قد يكون لانهيار ميزانية "المركزي الأوروبي" بهذه السرعة تأثير غير متوقَّع على السيولة في النظام النقدي.

تراجع معدل نمو المعروض النقدي "إم 1" (M1) - الذي يقيس حجم العملة المتداولة والودائع المصرفية- في منطقة اليورو منذ الصيف، وتحوّل إلى السالب للمرة الأولى في يناير الماضي.

تشديد نقدي أكبر

مع ذلك؛ توجد أدلة غير مؤكّدة في الاقتصاد الحقيقي تشير إلى احتمال الحاجة لمزيد من التشديد النقدي للقضاء على التضخم. تتزايد الضغوط على الشركات الأوروبية لرفع الأجور، خاصة التي تعتمد على العمال منخفضي الأجور. توصلت سلسلة الأزياء الإسبانية "إنديتكس" (Inditex) مالكة متاجر "زارا" للملابس لاتفاق مع النقابات العمالية المضربة لزيادة الأجور في إسبانيا بمتوسط 20% التي ستصل في بعض المقاطعات إلى 40%، وستتعهد بمواكبة الارتفاعات في أسعار المستهلكين في العامين المقبلين. وعلى ما يبدو فهذه هي تأثيرات التضخم المستمر.

علاوة على ذلك، هناك دلائل تشير لقدرة شركات منطقة اليورو على تحمل نفقات تحسين خطط تعويض العاملين للحفاظ عليهم وجذب الموظفين الجدد، إذ إنَّ أسعار المستهلكين المرتفعة تنتج أرباحاً أكبر.

على سبيل المثال، كشفت سلسلة "كارفور" (Carrefour) الفرنسية للأسواق التجارية وثامن أكبر تاجر تجزئة عالمياً من حيث الإيرادات عن مجموعة من المكاسب القياسية لأعمالها، إذ صعدت المبيعات والأرباح 10% و35% على التوالي أعلى من تقديرات المحللين.

لا يعد تحديد أسعار الفائدة لأكبر منطقة اقتصادية في العالم أمراً سهلاً، لكن له تعقيده الخاص مع تداعيات الإفراط في التحفيز خلال جائحة كورونا، فعلى سبيل المثال؛ تضخ ألمانيا وحدها نحو 200 مليار يورو في اقتصادها. ووصلت بعض القطاعات إلى منطقة الخطر في التضخم المتفشي، وبعضها الآخر عالق في الركود.

كما لا يملك "المركزي الأوروبي" خياراً إلا الاستمرار في رفع الفائدة حتى ظهور علامات واضحة على أنَّ انخفاض تكاليف الطاقة وصل لبقية أركان الاقتصاد، وبالأخص الأجور وسوق العمل، لكنَّ المؤيدين للتشديد النقدي هم من يتصدّرون المشهد في الفترة الحالية على الأقل.