هل الأسهم فعلاً أداة للتحوط ضد التضخم؟

عوائد الأسهم الحقيقية تسجل أدنى مستوياتها في ظل مستويات التضخم القياسية المرتفعة

لقطة تظهر فيها كاتدرائية سانت بول في العاصمة البريطانية، لندن.
لقطة تظهر فيها كاتدرائية سانت بول في العاصمة البريطانية، لندن. المصدر: بلومبرغ
Merryn Somerset Webb
Merryn Somerset Webb

Merryn Somerset Webb is a senior columnist for Bloomberg Opinion covering personal finance and investment. Previously, she was editor-in-chief of MoneyWeek and a contributing editor at the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أرسلت "فيرجن ميديا" (Virgin Media) إلى عملائها تُخبرهم أن أسعار الخدمة سترتفع؛ وهي ترتفع بالفعل. خلال العام الجاري، سوف ترفع الشركة أسعارها 12%. وبدايةً من أبريل 2024، سترفعها بما يوازي معدل تضخم أسعار التجزئة (الذي عادةً ما يكون أعلى بنسبة 1% عن معدل التضخم الرسمي المتمثل في مؤشر أسعار المستهلكين)، ,هذا بالإضافة إلى الزيادة السنوية البالغة 3.9% المقررة كل عام.

إنه قرار جريء من "فيرجن ميديا"، ومزعج بالنسبة إلى المستهلكين الذين يتعرضون لضغوط أسعار متزايدة. لكنه في الوقت ذاته، يوضح إلى أي مدى أصبح التضخم راسخاً ومستمراً. فإذا رفع الجميع في كل عام الأسعار بنسبة 5% أعلى من متوسط معدل التضخم السنوي للعام السابق، فكيف يُمكن للتضخم أن يتراجع؟

الحقيقة، بحسب ما جاء في أحدث كتاب سنوي لعوائد الاستثمار العالمي صادر عن "كريدي سويس" (يتعين على سكان المدن قراءته)، هي أنه عندما يصل التضخم إلى 8%، فإنه يسيطر على أذهان الجميع، سواء أولئك الذين يرفعون الأسعار أو أولئك الذين يتفاوضون بشأن زيادة الأجور، وهو ما يتطلب معه سنوات عديدة للعودة إلى مستويات التضخم المستهدفة. أما التفكير في أي سيناريو آخر، فيُعتبر "إفراطاً في التفاؤل".

تضخم قياسي

اليوم، ومع ارتفاع معدل التضخم إلى نحو 8%، أو أكثر في العديد من الاقتصادات المتقدمة، ماذا يمكن للمستثمر أن يفعل؟

اقرأ أيضاً: التضخم الأساسي في منطقة اليورو يتسارع ويباغت "المركزي الأوروبي"

تُمثل الأسهم أداة مناسبة للتحوط ضد التضخم، حيث يكشف تقرير "كريدي سويس" (وهو من تأليف إلروي ديمسون، وبول مارش، ومايك ستونتون) الذي يتتبع البيانات التاريخية، أن الأسهم أداة مناسبة بالفعل، في ظل ما أظهرته البيانات التاريخية في 21 دولة تحتفظ بسجلات لأداء الأسهم خلال الفترة بين عامي 1900–2022، حيث تجاوزت عوائد الأسهم معدلات التضخم في تلك الدول، وبلغ متوسط العائد السنوي الحقيقي لسوق الأسهم الأميركية 6.4%، وباقي دول العالم 4.3%.

أعتقد أننا جميعاً سنكون في غاية السعادة إذا استطعنا تحقيق تلك العوائد.

محو مكاسب الأسهم

دعونا ننتقل إلى الأخبار السيئة. هناك قاعدة معروفة بين المتداولين من أصحاب الخبرة ومتعارف عليها فيما بينهم منذ فترة طويلة، وهي أن الأسهم تنتعش عندما يكون التضخم عند 4% أو أقل، ما يعكس تضرّر المستثمرين من ارتفاع التضخم بشكل عام. وقد اتضح فيما بعد أن ذلك الرأي الذي يستند إلى خبرات المتداولين، أصبح حقيقة تؤكدها البيانات.

اقرأ أيضاً: "ستاندرد آند بورز 500" يختتم شهراً مضطرباً قرب أدنى مستوياته اليومية

قسم ديمسون ومارش وستونتون البيانات بحوزتهم حسب السنوات، وضمت الفئة الأولى بيانات السنوات التي شهدت معدلات تضخم أعلى من 5%، ثم 15% كحد أعلى، (تراوح متوسط أسعار الفائدة حول 7.4%)، ثم 15% كحد أدنى (تراوح متوسط أسعار الفائدة بين 4.1%-7.4%)، ثم 15% كحد أدنى ظل معها متوسط أسعار الفائدة فوق 2.7%. وبالنظر إلى تلك البيانات، ظهرت نتائج مختلفة.

في الفئة الأولى، حيث السنوات التي شهدت معدلات تضخم أعلى 5% ، انخفض متوسط العوائد الحقيقية للأسهم 9.6% (انخفضت السندات في الفترة ذاتها 24.5%)، أما في السنوات التي شهدت معدلات تضخم 15% كحد أعلى، ارتفعت عوائد الأسهم 0.7% فقط.

أظهرت البيانات أيضاً أن فترات الركود التضخمي، أي حينما يرتفع التضخم وينخفض معدل النمو (وهي الفترة التي تستحق أن يخشاها المستثمرون بالفعل) كانت سيئة أيضاً، حيث انخفضت فيها عوائد الأسهم الحقيقية -4.7%.

رفع الفائدة يعصف بالعوائد

قد تتعلق تلك الأمور السيئة بالتضخم نفسه (مع ما يتسبب به من حالة فقدان الثقة وعدم اليقين)، ولكن علينا النظر إلى علاج التضخم (رفع أسعار الفائدة) ودوره الواضح في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، بلغت العوائد الحقيقية للأسهم البريطانية تاريخياً 0.7% خلال فترات رفع أسعار الفائدة، بينما قفزت إلى 8.5% عند انخفاضها. وفي الولايات المتحدة، بلغت تلك العوائد 2.6% عند رفع الفائدة و9.4% وقت انخفاضها.

اقرأ أيضاً: مسؤول بارز: "المركزي الأوروبي" يتجه إلى مزيد من رفع الفائدة

يمكننا أن نتوصل هنا إلى حقيقة، أنه بغض النظر عن باقي العوامل، فإن رفع أسعار الفائدة يعني تدهور أسواق الأسهم (يمكننا رؤية ذلك بوضوح في أداء الأسواق كافة خلال عام 2022).

الأسهم الرخيصة أنسب للتحوط

رغم ذلك، هناك دليل على أن الأسهم الأرخص تتفوق على غيرها، وتسجل أداء أفضل في فترات التضخم المرتفع. تلك هي الفكرة التي سيطرت على أذهان كافة مستثمري سوق الأسهم البريطانية.

قال إيان لانس من مؤسسة "ريدويل" (Redwheel) الاستثمارية، إن المستثمرين، منذ 20 عاماً، كان الأمر بديهياً بالنسبة إليهم أن تتركز أصولهم في الأسهم داخل المملكة المتحدة (55% تقريباً تتركز في الأسهم البريطانية)، لكن تلك النسبة أصبحت اليوم أقل من ذلك بكثير.

اقرأ أيضاً: جاذبية لندن للاستثمار تتراجع سريعاً عقب "بريكست"

معظم صناديق الاستثمار البريطانية التي تدّعي أنها صناديق متوازنة (صناديق التقاعد أو محافظ الاستثمار المتنوعة التي يديرها مديرو الثروات، على سبيل المثال) تُركز نحو 10%-15% فقط من أصولها في سوق الأسهم البريطانية.

يُقدم ذلك التراجع في الانكشاف على الأسهم البريطانية، وما يعكسه من عمليات البيع المتواصلة على الأرجح "تفسيراً لانخفاض عوائد الأسهم منذ 2000".

القواعد لن تتغير

حتى مع تسجيل مؤشر "فوتسي 100" (FTSE 100) مستوى قياسياً جديداً وارتفاعه إلى 8000 نقطة الأسبوع الماضي، يكون بذلك قد ارتفع 15% فقط مقارنةً بمستوى المؤشر في نهاية التسعينيات (المؤشرات الأميركية ارتفعت 180% خلال في الفترة ذاتها).

يُصبح الأمر غير ذات جدوى بمرور الوقت، والأهم من ذلك حسبما يقول لانس: "أحد قوانين الاستثمار الثابتة، هو العلاقة العكسية التي تربط بين أسعار الأسهم والعوائد المستقبلية المتوقعة".

لذلك إذا تركزت استثماراتك اليوم في الولايات المتحدة وليس المملكة المتحدة، فأنت تراهن على أن الأمر سيختلف هذا المرة، وهو ما لم يحدث أبداً.

عوائد التوزيعات

توفر المملكة المتحدة للمستثمرين، إحدى أدوات التحوط القليلة ضد التضخم (غير الذهب)، والمتمثلة في توزيعات الأرباح، فلا تقتصر الأسهم البريطانية على كونها إحدى أرخص أسواق الأسهم حول العالم فقط، بل تُعد إحدى أفضل الأسواق من حيث العائد على التوزيعات، التي تصل إلى 3.5% على مؤشر "فوتسي 100".

اقرأ أيضاً: "بي بي" توظف سيولة النفط الضخمة في زيادة التوزيعات وإعادة شراء الأسهم

وعندما تتعمق أكثر في الأسهم المدرجة بالمؤشر، تجد نماذج لأسهم شركات تُقدم عوائد أعلى، مثل "غلينكور" (Glencore Plc) بعائد يقترب من 8%، و"إتش إس بي سي" بعائد 4.3%، و"ريو تينتو" (Rio Tinto Plc) بعائد 6%، و"فودافون" بعائد يصل إلى نحو 8%.

كذلك، فإن العديد من صناديق الاستثمار "هي الأعلى من حيث عائد التوزيعات" في المملكة المتحدة، وهذا معروف عنها ذلك بفضل ما تُقدمه من توزيعات أرباح سنوية على مدى 20 عاماً على الأقل، وهناك ما يؤكد قدرتها على مواصلة ذلك. ويُقدم العديد من تلك الصناديق عوائد أكثر من 4%.

نقطة انطلاق

بالتأكيد تلك العوائد ليست مضمونة، لكنها تبقى نقطة جيدة يمكن لأي شخص أن ينطلق منها نحو المحافظة على القوة الشرائية لديه.

قد لا تكون الأسهم الوسيلة المثالية للتحوط ضد التضخم، لكن يُمكن أن تكون كذلك في حالة شراء السهم بسعر رخيص والتركيز على توزيعات الأرباح، مع ضرورة توافر بعض أدوات التحوط.

ربما ذلك هو السبب في تفوق أداء مؤشر "فوتسي 100" منذ بداية العام حتى الآن على مؤشر "ستاندرد أند بورز 500".

اهتم بالفائدة أيضاً

في الختام، هناك ملاحظة بشأن مدخراتك، قبل أن تتجه إلى تعديل محفظة أسهمك. هناك ما هو أسهل من ذلك وقد يساعدك مستقبلاً، حيث يتعين عليك مراجعة سعر الفائدة على حساب التوفير الخاص بك، الأمر الذي لم نهتم به لسنوات.

نعلم بالطبع أن البنسات تتحول إلى جنيهات في النهاية، لكن يصعب أن يكون هناك دافع لتحريك أموالك إذا كان الفرق بين العروض الاستثمارية 0.01% أو أقل. لكن الأمر يختلف ويزداد الدافع لذلك الآن مع وصول الفارق إلى 2-3%.

يمكنك اليوم أن تشتري سنداً لأجل عام بعائد 4% من وكالة المدخرات والاستثمارات الوطنية البريطانية (NS&I)، أو يمكنك زيادة العائد بالذهاب إلى "أتوم بنك" (atom bank) والحصول على عائد 4.3%.

لن تغطي تلك العوائد معدلات التضخم في 2023، لكنها ستحد من تأثيره بشكل كبير مقابل مجهود بسيط يمكنك القيام به، لذلك عليك أن تبدأ الآن، وقتها قد يمكنك الاحتفاظ باشتراك "فيرجن ميديا" إذا كنت ترغب في ذلك.