خطر سياسات حماية مصانع الألواح الشمسية يهدد هدف "صفر انبعاثات"

موجة جديدة من الحمائية تجتاح قطاع الطاقة المتجددة تحت ستار تشجيع المزيد من التصنيع المحلي

الألواح الكهروضوئية في مشروع الظفرة للطاقة الشمسية شيّدته شركة كهرباء فرنسا وشركة "جينكو باور تكنولوجي"، في أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة.
الألواح الكهروضوئية في مشروع الظفرة للطاقة الشمسية شيّدته شركة كهرباء فرنسا وشركة "جينكو باور تكنولوجي"، في أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة. المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كيف تحظر التكنولوجيا دون تجريمها؟ يمكن ذلك من خلال وضع لوائح غامضة تجعل استمرار عمل شركات التطوير أمراً مستحيلاً. هذا ما حدث في المملكة المتحدة خلال 2015، عندما وضع تعديل بسيط على قوانين التخطيط حداً لنهضة قطاع طاقة الرياح البرية عن طريق تسهيل قيام المعارضين المحليين بوقف أعمال التطوير.

يحدث أمر مماثل من خلال قانون التجارة، حيث تضع مجموعة متنامية من الصلاحيات والحوافز -المقدمة بنية تبدو رائعة لتشييد قطاعات طاقة نظيفة محلية- العراقيل بطريق سلاسل التوريد الضرورية لبناء أنظمة طاقة مناسبة للقرن الـ21.

المحتوي المحلي

يمكن العثور على ما يُطلق عليه متطلبات المحتوى المحلي في كافة الأمور بداية من محطات الطاقة الشمسية الإندونيسية وصولاً لمزارع الرياح والسيارات الكهربائية بالولايات المتحدة الأميركية. على ما يبدو فإن الأمر ينتشر بكثافة، إذ تضاعف عدد الدول التي بدأ سريان هذه المتطلبات فيها ليسجل 24 بلداً على مدى العقد المنتهي في 2021، بحسب ميغان هوغان، محللة معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

تتعارض مثل هذه القواعد بطريقة صارخة مع قوانين التجارة، لكن مع الاهتمام المتصاعد بالطاقة بوصفها قضية أمن القومي، وتدهور دور منظمة التجارة العالمية منذ أن قوّضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أعلى هيئة لها في 2019، فلا توجد علامات بارزة تدل على أن المد المتنامي يوشك أن يقلب اتجاهاه.

يُعد هذا أمراً مثيراً للقلق. فالقوانين المزمعة بالمملكة المتحدة، يمكن أن تبدو معتدلة، بل ومواتية. لكنها عملياً، قد تكون فعالة بالكاد مثلها مثل الحظر التشريعي.

الصين تحقق رقماً قياسياً جديداً في إنتاج الطاقة الشمسية

عليك تدبر حالة جنوب أفريقيا. استمرت منظومة الكهرباء بالبلاد في الانهيار منذ ما يفوق العقد، ما جعل البلاد تعاني من عمليات قطع للتيار الكهربائي بالتناوب عقب إهدار ونهب مليارات الدولارات من شركة توليد الكهرباء الحكومية "إيسكوم هودلينغز إس أو سي" ( Eskom Holding SOC).

قد تظهر الألواح الشمسية باعتبارها حلاً جيدًا لهذه المشكلة، إذ ستمكن الأسر والشركات من توليد الكهرباء التي تحتاجها عندما انقطاع التيار الكهربي إثر انهيار شبكة الإمدادات، على نفس منوال عمل مولدات الديزل الاحتياطية بالمناطق الأقل ثراء في أفريقيا.

رغم ذلك، فإنها نادرة للغاية، حيث تم تركيب 1.04 غيغاواط فقط من الألواح الشمسية التجارية والسكنية بكافة أنحاء البلاد خلال 2021، بحسب "بلومبرغ إن إي أف"، بالمقارنة مع 17 غيغاواط في أستراليا، وهو بلد يحظى بأشعة شمس وفيرة بالمثل. وعلى مدى العقد المنتهي خلال 2021، ارتفعت حصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من توفير 3.5% من الكهرباء في أستراليا إلى 20%. في جنوب أفريقيا، زاد من صفر لـ6.4%.

قيود التصنيع

يرجع ذلك جزئياً إلى أن أستراليا تفرض قيوداً محدودة على مكان تصنيع معداتها للطاقة المتجددة، بينما استمرت جنوب أفريقيا حتى يناير الماضي في تفعيل قواعد تتطلب إنتاج 100% من مواد تصنيع الألواح الشمسية محلياً. (تم التعامل مع الوقود الأحفوري بطريقة أكثر تيسيراً، حيث يجب أن تكون نسبة المحتوى المطلوبة 60% فقط بالنسبة لمحطات الطاقة الواسعة والقائمة على الفحم في ميدوبي وكوسيلة غير المكتملة حتى الآن).

قد تفترض الدول التي تفتقر لقطاع معدات الطاقة المتجددة أن متطلبات المحتوى المحلي يمكن أن تنهض به. بصراحة، فإن هذا يعبر عن مشكلة في عملية تحديد الأولويات. ولن يُقدم المصنعون على الاستثمار ما لم يكونوا على ثقة بأنه ستوجد سوق نهائية لمنتجاتهم- لكن شركات التطوير لن توقع عقوداً لبيع الكهرباء وتطلب لوحات طاقة شمسية وتوربينات رياح ما لم تكن مطمئنة أن المصانع تستطيع التسليم في الوقت المتفق عليه وفي حدود الميزانية.

يشكل ذلك طلباً صعباً بالنسبة لدول على غرار جنوب أفريقيا، إذ يعاني قطاع التصنيع بالكامل، لأسباب منها عدم استقرار شبكة الكهرباء على الأقل، والتي قد يُصلح من شأنها توفير استثمارات أكثر في قطاع الطاقة.

اضطرابات في سوق الطاقة الشمسية الأميركية بضغط تقييد الاستيراد

ربما تكون قواعد من هذا النوع أشد صرامة في دول مثل غانا والمغرب والمملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا، والتي تعاني من عدم وجود قطاعات تصنيع متطورة بمقدورها تسليم المعدات التي تُوكل إليها. رغم ذلك، قد تكون أشد ضرراً في دول أكبر إذ سيتم تشييد سلاسل التوريد، ولكن بتكلفة أعلى وفي نطاق أصغر مما يتطلبه التخلي عن الوقود الأحفوري.

تكلفة أعلى

أظهرت مجموعة متنامية من البحوث أن متطلبات المحتوى المحلي للطاقة المتجددة مؤثرة للغاية في جعل التكنولوجيا صفرية الانبعاثات الكربونية أعلى كلفة، ولكنها تتقلص عندما يرتبط الأمر بتقوية الخبرة الصناعية.

أثبتت إحدى الدراسات التي تعود لسنة 2020 أن القواعد زادت من تكلفة الطاقة الشمسية في الهند 6% تقريباً، لكنها أخفقت حتى الآن في منع خسارة الإنتاج المحلي لحصته بالسوق لصالح واردات أرخص.

من قبيل المفارقة هنا أن الأهمية التي تحظى بها عملية تحول الطاقة هي التي تجعل متطلبات التصنيع المحلي تزدهر. ولا تكترث الحكومات كثيراً بما إذا كانت أكوابها البلاستيكية أو أربطة الأحذية المستعملة لمرة واحدة صنعت في الصين، ولكن يُنظر إلى توليد الكهرباء على أنه عملية استراتيجية بقدر أكبر، ومن ثم، فإنها أجدر بتوفير الحماية لها.

هذا الأمر يضع عقبات أمام الاستفادة من المزايا الاقتصادية الأساسية للطاقة الخالية من الانبعاثات الكربونية. ولا ينبغي على شركات توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري بأغلب الدول دفع ولو سنت واحد في مقابل التكاليف الصحية والمناخية الناجمة عن تلويثها للبيئة.

في هذه الأثناء، من المفترض أن يستوعب المتنافسون بمجال الطاقة المتجددة تكلفة تركيب شبكات توصيل الكهرباء، وتحمل نفقات عقود الفحم المرهقة التي تم الاتفاق عليها منذ سنوات. بصورة متنامية، يضطر هؤلاء لدعم قطاعات التصنيع المحلية غير المجدية اقتصادياً أيضاً.

على مدى أجيال عقب الحرب العالمية الثانية، انتهجت بلدان أميركا اللاتينية سياسة تصنيع تقوم على استبدال الواردات، ما فاقم الحواجز الجمركية العالية لتشييد شركات تصنيع محلية. في نهاية المطاف أصبحوا مثقلين بالديون، بجانب قطاعات تصنيع ظلت "محلك سر"، حيث تخلفت للغاية عن ركب اقتصادات النمور الآسيوية التي فتحت أسواقها أمام التجارة. يوجد لدى العالم 30 سنة فقط أو أكثر بقليل لتحويل أنظمتها للطاقة لتصبح قائمة على أسس أكثر استدامة. وليس بإمكاننا تحمل ضياع عقود تنقضي في ظل موجة حديثة من السياسيات الحمائية.