لماذا تعيد تكاليف التحوط من أسعار الصرف الأموال إلى السوق اليابانية؟

زيادات "الاحتياطي الفيدرالي" دفعت إلى رفع تكلفة التحوط من مخاطر الديون بأسرع من العائدات

رزم ورقية من العملة اليابانية فئة 1000 ين داخل طبق في أحد فروع بنك "ريزونا" (.Resona Bank Ltd) في طوكيو، اليابان
رزم ورقية من العملة اليابانية فئة 1000 ين داخل طبق في أحد فروع بنك "ريزونا" (.Resona Bank Ltd) في طوكيو، اليابان المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في الأحوال الاعتيادية، عندما يرتفع العائد على الديون يصبح أكثر جاذبية. لكن بعد أن باشر مجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة الأميركية في مارس 2022، باع المستثمرون في اليابان كميات قياسية من سندات الخزانة والديون الخارجية الأخرى. فما السبب؟

تكمن الإجابة في أن مشتريات السندات عبر الحدود تصحبها مخاطر مرتبطة بأسعار الصرف، فيما أدّت إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع تكلفة التحوّط من مثل هذه المخاطر بشكل أسرع من العائدات. وهناك أيضاً إشارات على أن المستثمرين الأوروبيين قد ينظرون بعين الاعتبار مجدّداً إلى ديونهم المحلية ويحوّلون الأموال إلى بلدانهم، بعد أن تحوّل سعر الفائدة الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي إلى إيجابي للمرة الأولى منذ عقد من الزمان في يوليو الماضي.

كورودا: بنك اليابان لن يحيد عن سياسته النقدية المتساهلة

1. لماذا يُعَدّ التحوط من أسعار الصرف أمراً مهمّاً؟

يعود ذلك إلى سبب واحد، وهو وفرة الأموال. فالمستثمرون اليابانيون هم أكبر مجموعة فردية بوصفهم مشترين لسندات الخزانة في الخارج. حدّد بنك اليابان سعر الفائدة الرئيسي إلى ما دون الصفر خلال السنوات السبع الماضية. هذه الخطوة بالإضافة إلى القبضة الحازمة من جانب البنك على العائدات التي تأتي عبر البرامج المُغرية لشراء السندات، دفعت المستثمرين اليابانيين إلى السعي الحثيث لاقتناص عوائد أعلى في الخارج، مع تقلّص عائدات أسواقهم المحلية.

لكن مع الاستثمار في الخارج تأتي مخاطر العملة، إذ اضطُرَّت الصناديق اليابانية أولاً، على سبيل المثال، إلى تحويل الين إلى دولارات لشراء سندات الخزانة ثم استبدال الين بأموالها مرة أخرى عند استرداد الأرباح إلى اليابان. وهذا يعني أن تقلبات العملة لديها القدرة على تعزيز العوائد أو التهامها.

2. كيف يعمل التحوط في أسعار الصرف؟

للتخلص من مخاطر التقلبات في أسعار صرف العملات الأجنبية، يمكن للمستثمرين الذين يشترون أحد الأصول في الخارج اقتراض عملة أخرى بسعر ثابت. على سبيل المثال، يمكن للمستثمر الياباني الذي يشتري سندات الخزانة الاقتراض بالدولار بسعر ثابت مقابل الين.

هذا يعني أنهم لن يستفيدوا من ارتفاع قيمة الدولار، لكنهم سوف يتحوّطون من انخفاض قيمة الدولار الذي يحدّ من عائداتهم عندما يستردّون أرباحهم إلى الوطن. يجري تحديد السعر الثابت في مثل هذه الصفقات إلى حد كبير من خلال تكاليف الاقتراض قصير الأجل للعملتين المتضمنتين.

ويمكن أن تشمل التكلفة الإجمالية للتحوط أيضاً علاوة اقتراض عملة مطلوبة بشدة، وهي العملية المعروفة باسم أساس سعر الصرف. عادةً ما يكون لدى المستثمرين ما يسمى بتجديد تغطية التحوّط، مما يعني أن التحوط ينتهي بعد بضعة أشهُر ويجب تجديده، ويُحتمل أن يكون بسعر جديد.

هل يتخلى بنك اليابان عن التيسير النقدي تحت قيادته الجديدة؟

3. ماذا حدث لتكاليف التحوط؟

حدثت عدة أشياء، فقد أدت زيادات "الاحتياطي الفيدرالي" إلى رفع أسعار الفائدة الأميركية. وهذا يجعل اقتراض الدولارات بغرض التحوط من الأصول المقوّمة بالدولار أكثر تكلفة، مما يقلّص العوائد للمستثمرين بالخارج.

وتحوّلت الأسواق إلى حالة تُسمى انعكاس منحنى العائد، مما يعني أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل، التي عادة ما تكون أقل من الأسعار طويلة الأجل، أصبحت الآن أعلى في بعض أجزاء المنحنى. يرجع ذلك إلى أن المتداولين يتوقعون انخفاض أسعار الفائدة في المستقبل بمجرد كبح التضخم وتراجع "الاحتياطي الفيدرالي" عن زيادات أسعار الفائدة.

وبالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، يمكن أن يجعل ذلك الاستثمار في سندات الخزانة غير جذاب بشكل خاص على أساس التحوط من أسعار الصرف، لأنهم يستثمرون في السندات الحكومية طويلة الأجل، ولكنهم يتحوطون عن طريق الاقتراض بأسعار فائدة قصيرة الأجل.

لنُلقِ نظرة:

تُعَدّ عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أقل من نظيراتها اليابانية بالنسبة إلى المستثمرين اليابانيين المحليين، وذلك على أساس التحوط من أسعار الصرف. وتستند الحسابات إلى تكلفة التحوط من العملة لأجل ثلاثة أشهر للمستثمرين اليابانيين على أساس سنوي.

4. كيف يؤثر ذلك في تخصيص الأصول؟

في عام 2022 أقدم المستثمرون اليابانيون، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين على الحياة والبنوك، على تصفية مبالغ قياسية من السندات الحكومية الأجنبية، إذ يرجّح الاستراتيجيون أن هذه المؤسسات قد تفضّل الدخل الثابت المحلي دون غيره.

اشترى المستثمرون اليابانيون سندات حكومية محلية في العام الماضي بقيمة 30.3 تريليون ين، وهو أكبر رقم منذ عام 2012، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ" نقلاً عن اتحاد تجار الأوراق المالية في اليابان. قد تكون إعادة هذه المبالغ إلى الوطن مدفوعة أيضاً بتوقع مزيد من التحولات في ما يسمى بسياسة التحكم في منحنى العائد لبنك اليابان، التي يمكن أن تمهّد الطريق لعائدات أعلى في سندات الحكومة اليابانية.

وفي أوروبا، تشير بيانات ميزان المدفوعات إلى أن هناك تدفقات استرداد إلى الوطن، وفقاً للاستراتيجيين في "نومورا إنترناشيونال" (Nomura International Plc)، نقلاً عن أرقام البنك المركزي الأوروبي.

بنك اليابان يفاجئ الأسواق بإبقائه على سياسة التحكم بمنحنى العائد

5. ماذا يعني هذا بالنسبة إلى سوق سندات الخزانة؟

أثار انسحاب مشترين بحجم المستثمرين اليابانيين قلقاً بشأن ما قد تؤول إليه العواقب على أسواق السندات الحكومية الأجنبية، خصوصاً أن هذا الانسحاب يحدث بالتزامن مع تخلي البنوك المركزية الكبرى عن حيازاتها من السندات المتراكمة بموجب نهج التيسير الكمّي.

قد يؤدي تسارع مبيعات السندات الأجنبية بسبب التغيرات المحتملة في السياسة النقدية لبنك اليابان إلى تقلبات في سوق سندات الخزانة، وفقاً لوكالة التصنيف الائتماني "فيتش". أما خارج الولايات المتحدة فقد تكون السندات الحكومية الفرنسية والأسترالية من بين الأكثر تضرراً، وفقاً للمحللين، نظراً إلى أنها أسواق أصغر حجماً عادةً ما يفضلها المستثمرون اليابانيون.

من ناحية أخرى، يمكن لعملات الأسواق المحلية مثل الين أو اليورو أن تستفيد أيضاً من تدفقات الاسترداد إلى بلدانها، وفقاً للاستراتيجيين في "سوسيتيه جنرال" (Societe Generale).