ماذا يعني انهيار النيكل في بورصة لندن للأسواق؟

سعر المعدن قفز 250% في نحو 24 ساعة مما دفع البورصة إلى تعليق التداول العام الماضي

حفارات بمنجم للنيكل تديره "بي تي تكنيك ألوم سيرفس" في ريجنسي مورووالي بسولاوسي الوسطى، إندونيسيا.
حفارات بمنجم للنيكل تديره "بي تي تكنيك ألوم سيرفس" في ريجنسي مورووالي بسولاوسي الوسطى، إندونيسيا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في بعض الأحيان، تُوقِف بورصات الأوراق المالية التداول، ومن حين لآخر تلغي التداولات حين تتسبب أخطاء التكنولوجيا أو الهفوات التقنية بفعل شخص ما في حدوث أخطاء غير متكررة.

لكن من النادر إلغاء إحدى البورصات جلسات تداول بأكملها بعد حدوث أحد تلك الأخطاء، أو أن يستغرق الأمر أياماً للسماح باستئناف التداول بحرية. هذا بالفعل ما حدث مع إحدى أقدم المؤسسات المالية، وهي بورصة لندن للمعادن.

أطلق الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 شرارة حالة من الفوضى في سوق النيكل، إذ كشف نقاط الضعف في البورصة. أثارت هذه الحادثة حملة لتحقيق مزيد من الشفافية في أحد أكثر أركان الأسواق المالية إبهاماً.

1) ماذا وراء كل هذا التركيز على بورصة لندن للمعادن؟

تحدد البورصة الأسعار المرجعية العالمية للمعادن شديدة الأهمية مثل النحاس والألمنيوم، إذ تشهد تداول عقود مستقبلية بقيمة تصل إلى نحو 60 مليار دولار يومياً، أي أكثر من نصف قيمة إجمالي العقود المستقبلية المتداولة في العالم.

يرجع تاريخ البورصة إلى أوائل القرن الـ19، حين التف المتداولون حول دائرة مرسومة بـ"نشارة الخشب" على أرضية مقهى "جيروساليم كوفي هاوس" (Jerusalem Coffee House) في حي المال بلندن.

اليوم، وبجانب كونها سوقاً إلكترونية، تُعد بورصة لندن المعادن إحدى آخر البورصات التي تسمح بالنداء العلني في قاعة التداول، المعروفة باسم "الحلقة"، حيث يمكن للسماسرة الصياح بالأوامر لبعضهم البعض.

وتجمع البورصة شركات التعدين، التي تستخدم بورصة لندن للمعادن لدرء مخاطر الأسعار، بالإضافة إلى صناديق التحوط التي تستخدم البورصة للمضاربة.

سعر النيكل يتضاعف خلال 48 ساعة ويُربك أكبر بورصة معادن في العالم

تكون العقود مدعومة بوجود بضاعة حاضرة من المعدن تُحفظ في شبكة من مخازن البورصة حول العالم، التي تحافظ على رابط مباشر مع القطاع على أرض الواقع. وفي 2012، اشترت شركة "هونغ كونغ إكستشينجيز آند كليرينغ" (Hong Kong Exchanges and Clearing) بورصة لندن للمعادن.

2) أين الخطأ فيما حدث؟

قفز سعر النيكل 250% خلال ما يربو بقليل على 24 ساعة، مما دفع البورصة إلى تعليق التداول في 8 مارس 2022. وكان وراء زرع بذور هذه الأزمة، قطب الأعمال الصيني شيانغ غوانغدا، وشركته محدودة المُلاك "تسينغشان هولدينغز" (Tsingshan Holding Group)، وهي قوة مهيمنة في إنتاج النيكل والفولاذ المقاوم للصدأ على مستوى العالم.

رجل أعمال صيني يخسر مليارات لرهانه على تراجع أسعار النيكل

كانت "تسينغشان" تبيع النيكل على المكشوف –عبر الرهان على هبوط الأسعار– وذلك بسبب توقُّع "شيانغ" زيادة سريعة في الإنتاج من المصانع الجديدة في إندونيسيا. ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا، التي تصدِّر قرابة 5% من النيكل الموجود في العالم.

أثارت قفزة في الأسعار "ارتفاعاً كبيراً وقصير الأجل في الأسعار"، في إشارة إلى ما قد يحدث للمتداولين الذين راهنوا على انخفاض الأسعار، في حين أنها ارتفعت بدلاً من ذلك. ولإيقاف الخسارة، يعيد البائعون على المكشوف سريعاً شراء الأوراق المالية التي استخدموها في رهاناتهم، ما يُسرِّع ارتفاع الأسعار.

3) ما الخطوات التي اتخذتها بورصة لندن للمعادن؟

قررت البورصة إلغاء معاملات بقيمة 3.9 مليار دولار، ما أدى إلى إعادة السوق فعلياً لسعر الإغلاق في 7 مارس، البالغ 48,078 دولار للطن المتري، أي بانخفاض من أكثر من 100 ألف دولار.

قال الرئيس التنفيذي لبورصة لندن للمعادن، ماثيو تشامبرلين، إن الأسعار "بدأت تصبح منفصلة" عن "الواقع الفعلي". وأنقذت تلك الخطوة السماسرة الذين كانوا على حافة السقوط بسبب طلبات تغطية الهامش، وفي الوقت نفسه كانت بمثابة عملية إنقاذ لـ"تسينغشان" وبنوكها.

تمزيق بورصة لندن للمعادن لعقود بمليارات يبعد صناديق التحوط

كما بددت هذه العملية أرباحاً طائلة للمستثمرين الذين راهنوا على صعود الأسعار. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها بورصة لندن للمعادن.

بدأ العمل بإجراءات وقائية في أعقاب "أزمة القصدير" في 1985، حين انهار تكتل من الشركات المنتجة للمعدن، وبعد فضيحة تداول النحاس في شركة "سومي تومو" (Sumitomo) التجارية اليابانية خلال 1996.

4) لماذا كانت التداعيات أوسع نطاقاً؟

توقف تداول النيكل لمدة أسبوع واحد لمنح المشاركين –بما فيهم شيانغ– برهة من الوقت لضبط أوضاعهم المالية. عند مواصلة التداول، كانت النتيجة أن جلسات الأيام الـ3 الأولى أصبحت قصيرة الأمد بسبب بعض المشكلات التقنية والقيام بفرض حد أقصى جديد من نوعه يبلغ 15% يومياً لتحركات الأسعار.

بورصة لندن للمعادن تُعيد تداول النيكل للفترة الآسيوية

أقسم المستثمرون الغاضبون بالانسحاب من البورصة، قائلين إنها قوّضت الثقة. وكانت التقلبات والأسعار الأعلى تعني أن السماسرة في حاجة لمزيد من رأس المال. وانخفضت أحجام تداول النيكل، ما أثار المخاوف بشأن مزيد من تأرجح الأسعار.

وطالب بول سينغر، مؤسس "إليوت إنفستمنت مانجمنت" (Elliot Investment Management)، بتعويضات قيمتها 456 مليون دولار، وانضمت لهذا المطلب صناديق تحوط أخرى تسعى للحصول على تعويضات من بورصة لندن للمعادن.

5) ما هي تداعيات الأزمة؟

دفعت الأزمة ببورصة لندن للمعادن إلى دائرة الضوء على المستوى العالمي، وكان من بين منتقديها صندوق النقد الدولي ومؤسس "سيتاديل سيكيوريتيز" (Citadel Securities)، كين غريفين.

يُعتبر النيكل المكوّن الرئيسي في الفولاذ المقاوم للصدأ الذي يدخل في صناعة الأجهزة الكهربائية المُستخدمة بشكل يومي، لكنه أيضاً عنصر مهم للتحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري، بما أنه يُستخدم في البطاريات التي تحتاجها شركات تصنيع السيارات لتحويل أسطول السيارات في العالم إلى مركبات تعمل بالكهرباء.

وتحوَّل الاهتمام بعد ذلك بفترة قصيرة إلى المخاطر المختبئة في الأركان المعتمة للتجارة في الموارد الطبيعية، بما فيها النظام البيئي الهائل لصفقات تداول المشتقات، التي تتم بسرية خارج المقصورة، وتلتف حول شركة المقاصة الخاصة ببورصة لندن للمعادن ومتطلبات الهامش.

كانت أغلب المضاربات الكبرى على النيكل تتم في تلك الصفقات، لذا لم تدرك البورصة حجم المركز واحتمال الخطر النظامي له. في مايو 2022، كشفت البورصة النقاب عن خطة لدفع الأعضاء إلى الإفصاح عن مراكز التداول خارج المقصورة.

وفي مارس 2023، فتحت هيئة السلوك المالي البريطانية تحقيقاً في الإجراءات التي اتخذتها بورصة لندن للمعادن وفي أنظمتها وضوابطها في الفترة التي سبقت تعليق التداول، ما أثار احتمال توقيع غرامات مالية عليها.