كيف يؤثر التاريخ في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية؟

الخلافات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان خلال حكم اليابان الاستعماري تستمر في عرقلة التعاون بينهما

مستندات عن اتفاقية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية واليابان في 1965
مستندات عن اتفاقية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين كوريا الجنوبية واليابان في 1965 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتهى حكم اليابان الاستعماري على شبه الجزيرة الكورية منذ ما يقرب من 80 عاماً، لكن إرث ذلك العهد لا يزال يعكّر صفو السياسة التقليدية.

كانت كوريا الجنوبية واليابان، الشريكتان التجاريتان الرئيسيتان، على خلاف بشأن ماهية التعويض والتعبير عن الندم بشكل ملائم للكوريين، الذين جرى تجنيدهم للعمل بالسخرة في المصانع والمناجم، التي أمدّت آلة الحرب الإمبراطورية اليابانية بما تحتاج إليه، والنساء اللاتي أُجبِرن على العمل في بيوت الدعارة العسكرية، وأُطلِق عليهن وصف "نساء المتعة".

أثّر الموقف المتفاقم منذ فترة طويلة في قدرة الدولتين على التعاون في مجال الأمن وغيره من القضايا.

كما لاقت خطة جديدة طرحها رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، استحساناً من الولايات المتحدة، التي تودّ الحصول على مساعدة حليفتيها لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في آسيا.

لكن مثل غيرها من المعاهدات السابقة، قد تصبح محاولة التوصل إلى حل فريسة للسياسة المحلية.

1) ما جذور النزاع الناجم عن العمالة القسرية؟

جرى تجنيد مئات الآلاف من الكوريين في فترة الاستعمار بين 1910 و1945 للعمل بالسخرة في عشرات الشركات اليابانية، في ظل أوضاع قاسية.

عند توقيع معاهدة في 1965 أنشأت علاقات دبلوماسية بين البلدين، دفعت اليابان ما يوازي 300 مليون دولار –أي ما يساوي 2.5 مليار دولار اليوم– ومدّت آجال قروض بأسعار فائدة منخفضة قيمتها 200 مليون دولار على أساس أن كل المطالبات جرت تسويتها بالكامل وبشكل نهائي.

استثمرت كوريا الجنوبية، التي كانت تواجه صعوبات في تلك الفترة، الأموال في قطاعات ساعدتها في نهاية المطاف على التحوّل إلى مركز قوة اقتصادية. تدَّعي اليابان أن كل المطالبات جرت تسويتها بموجب اتفاقية عام 1965، وصندوق أُنشئ في 2015.

رغم ذلك، ووفقاً لحكم إحدى المحاكم في كوريا الجنوبية في أواخر 2018، فإنه لم يجرِ تعويض بعض العمال المجندين بالشكل الملائم لما عانوه من ألم ومعاناة نفسية.

2) ما تداعيات ذلك على الشركات؟

أصدرت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية خلال 2018 أحكاماً على اثنتين من كبرى الشركات اليابانية، إذ أمرت "ميتسوبيشي هيفي إندستريز" بدفع ما يصل إلى 134 ألف دولار لكل من 10 من المدّعين، فيما أمرت "نيبون ستيل وسومي تومو ميتال" (Nippon Steel & Sumitomo Metal) بدفع 88 ألف دولار لكل من 4 من المدّعين.

كما حكمت محكمة في كوريا الجنوبية في أغسطس 2020 بالحجز على أسهم، بلغت قيمتها حينئذ نحو 356 ألف دولار، تملكها "نيبون ستيل" في مشروع مشترك مع شركة صناعة الصلب "بوسكو هولدينغز" (Posco Holdings) الكورية الجنوبية، وهي خطوة وصفتها اليابان بأنها غير قانونية.

ازدادت مخاوف احتمال تصفية هذه الأصول في أي وقت، ما قالت اليابان إنه سيشعل التوترات بين البلدين.

3) كيف امتد الخلاف إلى قطاعَي التجارة والأمن؟

في 2019، حذفت الحكومة اليابانية كوريا الجنوبية من قائمة تشمل جهات التصدير الموثوقة التي تستفيد من فحوص تجارية أقل صرامة. وأعقب ذلك خطوة لحظر صادرات من المواد الحيوية للشركات الكورية الجنوبية لتصنيع أشباه الموصلات وشاشات الكمبيوتر.

مؤشرات على استمرار تراجع صادرات كوريا الجنوبية في فبراير

وردّت كوريا الجنوبية بحذف اليابان من قائمتها بأكثر الشركاء التجاريين موثوقية. كما قالت أيضاً إنها ستنسحب من اتفاقية عسكرية لمشاركة المعلومات الاستخباراتية، لكنها تراجعت في مواجهة ضغوط أميركية قوية.

في يوليو 2020، وافقت منظمة التجارة العالمية على التوسط في الخلاف بشأن القيود التجارية التي فرضتها اليابان ووصفتها كوريا الجنوبية بأنها مدفوعة بقرارات سياسية.

4) ما خطة كوريا الجنوبية لتحسين العلاقات؟

في مارس 2023، كشفت حكومة الرئيس يون النقاب عن خطة تقوم فيها شركات من كوريا الجنوبية استفادت من مدفوعات اليابان بعد الحرب، مثل "بوسكو"، بتعويض الضحايا.

من المقرر أيضاً تأسيس مجموعات أعمال من البلدين صندوقاً لمشروعات الشباب. من جانبها، قالت اليابان إنها ستشرع في محادثات بنيّة إعادة الروابط التجارية إلى ما كانت عليه قبل فرضها لقيود. كما ذكرت كوريا الجنوبية أنها ستعلّق عملية الوساطة، التي وافقت منظمة التجارة العالمية على القيام بها، خلال المحادثات.

اليابان تخطط لإنهاء الخلاف التجاري مع كوريا الجنوبية

وردّت حكومة رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، قائلة إنها ستؤيد آراء الحكومات السابقة، التي تشمل اعتذاراً تقدَّم به في 1998 رئيس الوزراء حينذاك كيزو أوبوتشي، في بيان مشترك مع الرئيس كيم داي يونغ.

5) هل ستصمد الاتفاقية؟

لدى كوريا الجنوبية سجلّ من التراجعات عن الاتفاقات عند تغيير المناصب القيادية في البلاد. في 2015، أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية عن اتفاق نهائي ولا يمكن الرجوع عنه بشأن "نساء المتعة"، مصحوبة باعتذار شخصي من رئيس الوزراء حينذاك، شينزو آبي، إلى جانب نحو 9.6 مليون دولار مخصصة لصندوق تعويضات.

لكنّ عديداً من الكوريين الجنوبيين اعترضوا على الاتفاق، الذي جرى التوقيع عليه دون استشارة الضحايا، الذين رفض بعضهم الحصول على التعويض المالي احتجاجاً على الأمر. في عهد الرئيس مون جاي إن، الذي تولى المنصب في 2017، وقفت كوريا الجنوبية عمل الصندوق، ما أغضب طوكيو.

خطة الرئيس يون الجديدة لحل مشكلة العمالة القسرية أثارت ردة فعل قوية على الفور من الحزب الديمقراطي المُعارِض، الذي اتهم الرئيس بالخنوع لليابانيين. كما قدمت مجموعة تمثل المدّعين في قضية العمل القسري شكوى أن الحكومة تنتهك حقوقهم وكرامتهم.

حتى لو لم ينجح الاتفاق على المدى القصير، من الممكن أن يُبطله من يخلُف يون في الحكم، لا سيما في ضوء غياب التمويل أو الاعتذارات الإضافية من جانب الحكومة اليابانية.

6) هل اعتذرت اليابان عن أفعالها؟

نعم، اعتذرت الدولة عدة مرات، لكنّ كثيرين في كوريا الجنوبية يشكّكون في صدق هذه الاعتذارات. في 1990، أعرب الإمبراطور أكيهيتو عن أسفه الشديد للحكم الاستعماري. وبعدها في 1993، أصدرت اليابان بيان "كونو" (Kono)، الذي أعربت فيه عن أسفها الصادق وندمها لـ"نساء المتعة". وأصبح البيان جزءاً من سياسة الحكومة اليابانية منذ ذلك الحين.

غير أن هذه الاعتذارات قوّضها بعض التعليقات الصادرة عن ساسة بارزين في اليابان، التي اعتُبرت تجميلاً لماضي اليابان العسكري، إلى جانب زيارات لضريح "ياسوكوني" في طوكيو، إذ يحصل القادة العسكريون في زمن الحرب –بما فيهم مجرمو حرب من 'الفئة "أ''– وغيرهم على تكريم.

أثار غضب كوريا الجنوبية أيضاً ما ترى أنه فشل متكرر من اليابان في الاعتراف بانتهاك حقوق العمال الكوريين المجندين في هاشيما، وهو واحد من مجموعة مواقع أقرّت منظمة اليونسكو أنها تمثل ثورة اليابان الصناعية.

7) ماذا سيعني تحسن العلاقات للمنطقة؟

أشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بالتطورات الحاصلة العام الجاري، واصفاً إياها بأنها غير مسبوقة، وقال إنها ستمهد الطريق لمزيد من التعاون على منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة المفتوحة.

عاقت الحساسيات التاريخية بين اليابان وكوريا الجنوبية التعاون العسكري بينهما دوماً، وهي مشكلة أصبحت أكثر إلحاحاً بعدما زاد الغزو الروسي لأوكرانيا من مخاوف اتخاذ الصين خطوة مماثلة لضم جزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ديمقراطي.