التحفيز الحكومي الخفي يُعقّد مهمة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

حكومات الولايات والمحليات أنشأت صناديق للطوارئ لمواجهة ضعف الاقتصاد.. والكونغرس يوفر 369 ملياراً لتمويل حلول المناخ

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المصدر: غيتي إيمجز
Karl W. Smith
Karl W. Smith

Karl W. Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was formerly vice president for federal policy at the Tax Foundation and assistant professor of economics at the University of North Carolina. He is also co-founder of the economics blog Modeled Behavior.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تاه الوضع القوي والاستثنائي لميزانيات حكومات الولايات والحكومات المحلية الأميركية، وسط النقاش حول ما إذا كان الاقتصاد الأميركي مقبلاً على ركود أم لا. فمع وفرة المال، تقدم البلديات نوعاً من التحفيز الحكومي الخفي، والذي يعِد بإبعاد الاقتصاد عن الدخول في حالة انكماش، إلا أنه يزيد من صعوبة معركة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لكبح جماح التضخم.

المستثمرون يدرسون تداعيات احتمالات ذروة الفائدة الأميركية عند 6%

من الناحية التاريخية، عندما يتباطأ النمو الاقتصادي وتقل التحصيلات الضريبية عن مستوياتها المقررة، تُجبَر حكومات الولايات والحكومات المحلية على خفض الإنفاق. مع ذلك، يزيد هذا الخفض من ضعف الاقتصاد ككل. لكن حكومات الولايات أنشأت صناديق للطوارئ على مدى سنوات، لتخفيف هذا الأثر. كانت الفكرة أن تدّخر الولايات المال عندما يكون الوضع الاقتصادي جيداً، ثم تُستخدم تلك المدخرات لتعويض انخفاض الإيرادات في الأوقات العصيبة. فاستعداداً لحالتي الركود في 2001 و2008، كان لدى الولاية الواحدة متوسطة الدخل ما يوازي 17 يوماً من النفقات التشغيلية في صناديق الطوارئ.

ارتفاع حصيلة صناديق الطوارئ

لكن، بفضل خطط الحكومة الفيدرالية للتحفيز، والمصمَمة لدعم الاقتصاد خلال جائحة كورونا، قُدّر بأن لدى الولاية متوسطة الدخل ما يعادل 42 يوماً من الإنفاق في صناديق الطوارئ بنهاية 2022، أو 135.5 مليار دولار أميركي إجمالاً، حسب "مشروع السلامة المالية للولاية" (State Fiscal Health Project) التابع لجمعية "بيو تشاريتابل تراست" (Pew Charitable Trust) الخيرية. تشير الأرقام إلى أن ولاية عادية قد تتحمل انخفاضاً بنسبة 12% في الإيرادات على مدى عام دون خفض الإنفاق، مقارنة بنسبة 5% فقط في 2001 و2008. علاوة على ذلك، ما زال لدى حكومات الولايات والمحليات ما بين 150 و200 مليار دولار في صناديق إعانات الجائحة، خُصصت في الأغلب للتعليم، لكنها لم تُنفق بعد.

هل يحقق "الفيدرالي" هبوطاً سلساً أم حاداً؟ أو ما بين الاثنين؟

يُرجّح أن تستمر في المستقبل القريب، تلك التوجهات التي تحدد السلامة المالية لحكومات الولايات والحكومات المحلية. على سبيل المثال، العامل الأهم في زيادة المال في صناديق الطوارئ، هو الارتفاع غير المتوقع في الإيرادات، حيث تشكل ضريبة المبيعات نحو 24% من إيرادات هذه الحكومات، وتُفرَض تلك الضريبة على مشتريات المستهلكين من السلع الملموسة. عندما جاءت جائحة كورونا وأغرقت الحكومة الفيدرالية الاقتصاد بالمال، كانت السلع الملموسة هي كل ما يمكن الإنفاق عليه. في مارس 2021، أي بعد بدء الجائحة بعام، عادت النفقات إلى الارتفاع، وكانت أعلى بنسبة 20% عن مثيلتها في فبراير 2020، حتى بعد احتساب تأثير التضخم. يعني هذا أن حكومات الولايات شهدت طفرة في إيرادات ضريبة المبيعات، أكبر من مجرد زيادة بسيطة في الأسعار، كان عليها أن تدفعها أيضاً.

فلنتذكّر أن الكونغرس الأميركي قدم مئات المليارات لحكومات الولايات والحكومات المحلية على شكل إعانات خلال الجائحة، كان أغلبها مخصصاً لأغراض محددة. لكن تقديم خطة الإنقاذ الأميركية (American Rescue Plan) لمبلغ 350 مليار دولار، سمح لمتلقيها بإنفاق المال على أي شيء تقريباً، من الاستثمار في الإنترنت، إلى فئة غير محددة من الدعم للمجتمعات التي تأثرت بالجائحة. حتى الإعانة المستهدفة على نطاق أضيق، مثل التمويل بقيمة 180 مليار دولار الذي قدّمه الكونغرس للمدارس منخفضة الدخل، ستستخدم على الأرجح لتعويض الإنفاق الذي كان يجب على حكومات الولايات والمحليات إجراؤه بنفسها.

مستويات التوظيف

الأمر الآخر الذي يستحق النظر فيه، هو أن مستويات التوظيف في حكومات الولايات والحكومات المحلية لم يرتفع ثانية بنفس معدل الارتفاع في القطاع الخاص. زاد التوظيف في القطاع الخاص منذ أغسطس 2021 بنسبة 6%، بينما كانت الزيادة في حكومات الولايات والمحليات 2.3% فقط، ما يعني أن هذه الأخيرة -بشكل عام- ستضطر إلى استعادة كل الوظائف الملغاة خلال الجائحة، ناهيك عن جلب مزيد من العاملين للتوسع في الخدمات. قد يكون سبب ذلك هو مواجهة موظفي البلديات لظروف قاسية في ذروة الجائحة، لأنهم أول المستجيبين، كما قد يكون السبب هو تقديم سوق العمل في القطاع الخاص رواتب أفضل ومرونة أكبر للعاملين، لجهة اختيار أوقات العمل وإمكانية العمل من المنزل. وبغض النظر عن هذا، فإن عدم القدرة على توظيف العاملين يوفر لحكومات الولايات والحكومات المحلية ما كانت ستدفعه في شكل رواتب.

تراجع الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة وسط طلب قوي على العمالة

الزيادة في الإيرادات بسبب نمو الإنفاق على السلع الملموسة، وتباطؤ التعيين في حكومات الولايات والحكومات المحلية، لن ينتهيا قريباً، ويسري الأمر على ضخ الحكومة الفيدرالية للأموال. قدّم الكونغرس 369 مليار دولار تمويلاً مناخياً، والذي يوفره قانون مكافحة التضخم لحكومات الولايات والحكومات المحلية من خلال السماح لها بتلقي المنح مقابل أي نشاط يؤهل أي مستثمر خاص للحصول على إعفاءات ضريبية.

إنه تضافر رائع للعلاقات، قد يسمح للاقتصاد بتحقيق ما يسمي بـ"الهبوط السلس"، ويتجنّب بذلك الركود، كما يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى زيادة أسعار الفائدة إلى حد أعلى مما يتوقعه كثيرون، والإبقاء على تلك المعدلات المرتفعة لمدة أطول. رغم ذلك، علينا الآن أن نقدّر الأوضاع المالية القوية لحكومات الولايات والحكومات المحلية.