انتعاش الصين مهم للغاية.. سواء كان متواضعاً أم لا

التعافي يجب أن يكون أمراً جيداً بعد التراجع الكبير في العام الماضي.. لكنه قد يكون قوياً على نحو يثير المخاوف في مناطق تبعد كثيراً عن بكين

عمال على رافعة بناء أمام مبنى الرايخستاغ، وهو مبنى البرلمان السابق، في برلين، ألمانيا
عمال على رافعة بناء أمام مبنى الرايخستاغ، وهو مبنى البرلمان السابق، في برلين، ألمانيا المصدر: بلومبرغ
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقلل البعض أحياناً من أهمية التواضع، وهذا ينطبق على الهدف المعلن لنمو الاقتصاد الصيني. صحيح أن هدف بكين للنمو خلال العام الجاري ليس طموحاً، لكن الرقم بحد ذاته لا يجب أن يكون الهدف منه إحداث فارق. فأي شيء يمكن أن يحسّن الأداء الذي حققه العملاق الآسيوي في الآونة الأخيرة، هو محل ترحيب، وفيه محافظة على النمو العالمي، حتى لو لم يكن للأرقام دور كبير في تسريع النشاط. ومع ذلك، فإن انتعاشاً معتدلاً قد يكون قوياً بما يكفي لإثارة قلق الصقور من صناع السياسة النقدية على بعد أميال كثيرة من بكين.

واجه هدف الصين لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2023، والبالغ نحو 5%، انتقادات واسعة النطاق لافتقاره إلى الدافع، لا سيما بالنظر إلى بداية العام القوية في أعقاب تخلي السلطات عن قيود جائحة كورونا. يقل هذا الرقم قليلاً عن 5.5% الذي كان مطمحاً في 2022.

اليوم، وبما أن سياسة "صفر كوفيد" لم تعد تعيق نمو التجارة، ألا ينبغي على رئيس الوزراء لي كه تشيانغ أن يستهدف معدل نمو أعلى؟ الجواب هو: ليس بالضرورة. فالنمو في العام الماضي لم يتجاوز 3%، وبالتالي، فإنّه إذا تمكنت الصين من بلوغ الهدف الجديد أو الاقتراب منه، فستكون تلك نتيجة معقولة.

تعافي الصين يقلق آخرين

صحيح أن مثل هذا الانتعاش قد لا يكون مثيراً بدرجة كبيرة، لكنه كافٍ لتوضيح الفرق بين التباطؤ والركود. تمثلت أكبر المعوقات التي اعترضت طريق الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي في جولة رفع أسعار الفائدة، والغزو الروسي لأوكرانيا، ومحاولات الصين شديدة الصرامة للسيطرة على كوفيد. هل نسينا نداءات وتمنيات من قبيل "ألا ليت الصين تنفتح"؟ حسناً، ها هي الآن قد فتحت أبوابها على مصراعيها. وإذا كان منتقدو أداء الصين يبحثون عن نتائج مماثلة لما حققته في بدايات القرن أو حتى في العقد الماضي، فهذا غير معقول، ومجاف للمنطق.

يخدم خفض لي للتوقعات غرضين: سيقلل التكهنات بأن الصين بحاجة إلى تشديد السياسة النقدية؛ وسيعزز مصداقية الحكومة إذا تجاوز النمو المعدل المستهدف. وهذه النقطة الأخيرة تعتبر رهاناً جيداً. فالعديد من الاقتصاديين يرجحون رقماً أقرب إلى 5.5%، فيما تتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" 5.8%. صحيح أن هذه التوقعات ستخيّب آمال البعض، لكن بالنسبة إلى آخرين، تبدو عودة الصين إلى سابق عهدها من النشاط الاقتصادي أمراً ينذر بالسوء. فمعاودة الفتح السريعة تثير بواعث قلق جديدة في أوروبا.

"يو بي إس" يرفع توقعاته للنمو الصيني إلى 5.4% في 2023

من الواضح أنه وإلى حد بعيد، لم تتم السيطرة بعد على جماح التضخم في أي مكان. ومع ذلك، فإن الخوف من دوامة الأسعار هو الأكبر في أوروبا، حيث الشعور بارتفاعها أكثر حدةً وقوةً. كان البنك المركزي الأوروبي الأكثر بطأً بين السلطات النقدية الكبرى في بدء رفع أسعار الفائدة، إذ لم يتخل عن اعتماده -الذي دام ثماني سنوات- على معدلات فائدة سلبية إلا في يوليو. وعليه، يمكن تفهّم قلق أوروبا إزاء معاودة فتح الصين، إذ غالباً ما صاحبت معاودة الفتح في الاقتصادات الكبرى الأخرى طفرات من التضخم. وعلى الرغم من أن معدل التضخم في الصين يدور في نطاق 2% حالياً، إلا أن قدرة الدولة على التأثير على التضخم والإنفاق خارج اقتصادها المحلي، وليس فقط في نهمها للموارد الطبيعية، هي التي تثير الحماسة أكثر، بل والخوف.

ألمانيا مستفيدة

ستشكّل استعادة الصين لنشاطها الاقتصادي القوي نعمة لشركات صناعة السيارات الألمانية، في ظل ميل المستهلكين الصينيين الأثرياء من الطبقة الوسطى لاقتناء السلع الأوروبية الفاخرة. يأتي ذلك في وقت واجه قطاع التصنيع الألماني في الآونة الأخيرة مصاعب وتحديات، ما حدا بشركة الكيماويات العملاقة "بي إيه إس إف" (BASF) إلى إغلاق العديد من مصانعها. وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير، وهو انخفاض مدفوع بهبوط الاستهلاك الخاص والاستثمار الرأسمالي، وكلاهما تأثر بشدة بارتفاع أسعار الطاقة في العام الماضي. أظهر مسح لمديري مشتريات قطاع الصناعات التحويلية في ألمانيا، انخفاضاً في الطلبيات الخارجية الجديدة. (الصين هي وجهة ألمانيا الأولى للتصدير).

"المركزي الألماني" يتكهن بانكماش اقتصادي طفيف في 2023

مع ذلك، ربما يكون الكثير من هذا قد ولّى وبات جزءاً من الماضي، إذ تعافى كل من المؤشرين "آي إف أو" و"زد دي دبليو" لآفاق الأعمال في ألمانيا في يناير. كما تتزايد التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي سيرفع أسعار الفائدة بشكل ملحوظ قبل أن يتوقف عن زيادتها ويبقيها عند مستوياتها المرتفعة لفترة أطول. وفي هذا السياق، رفع "دويتشه بنك" في الآونة الأخيرة تقديراته لذروة أسعار الفائدة التي يستهدف البنك المركزي الأوروبي الوصول إليها في نهاية المطاف، إلى 3.75% من 3.25%. ومن المتوقع على نطاق واسع رفع سعر الفائدة القياسي إلى 3% عندما يجتمع صانعو السياسة هذا الأسبوع.

قال يواكيم ناجل، رئيس البنك المركزي الألماني، مؤخراً: "ستكون خطيئة كبرى أن نتوقف (عن رفع أسعار الفائدة) مبكراً".

ميلودراما 2022

لنتخيل كيف سيكون رد الفعل إذا بدأ الاقتصاد الصيني بالفعل في الانتعاش مرة أخرى، معززاً آلة التصدير الألمانية مثلما فعل إلى حد بعيد في فترة ما قبل الجائحة. سيظهر ذلك جلياً، وبشكل خاص، إذا كانت الآثار الأساسية لارتفاع أسعار الغاز في العام الماضي قد انتهت وانعكست تراجعاً في أرقام التضخم في منطقة اليورو. ارتفع معدل التضخم الأساسي في المنطقة إلى مستوى قياسي بلغ 5.6% في فبراير، حتى مع انخفاض المعدل الرئيسي إلى 8.5% من ذروة 10.6% في أكتوبر.

من المفترض أن تكون توقعات الاستثمار لعام 2023 أفضل من العام الماضي الذي عانى فيه كثيراً: فالتضخم يتراجع، وموجة التشديد النقدي الأكثر حدة منذ أكثر من 30 عاماً آخذة في الاعتدال. غير أن أداء الصين القوي ينذر بفتح فصل آخر من فصول "الميلودراما" التي ميزت الـ12 شهراً الماضية. ولذا، لن يتخلى صانعو السياسة النقدية من الصقور عن حذرهم بهذه السهولة.

وعلى الرغم من كون هدف لي للنمو متحفظاً، فإن تعافي الصين قد يثبت أنه مدمر.