هل يحتاج سوق السيارات الكهربائية لبطارية من نوع جديد؟

محطة الشحن السريع لشركة "تسلا" (Tesla) في كريجستيتن، سويسرا
محطة الشحن السريع لشركة "تسلا" (Tesla) في كريجستيتن، سويسرا المصور: "ستيفان فيرموث" (Stefan Wermuth)/بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كيّ تتمكن شركات تصنيع السيارات من توفير مركبة كهربائية جيدة من حيث السعر والأمان وقادرة على قطع 800 كيلومتر دون إعادة شحن، فإنها تحتاج إلى تحقيق نقلة نوعية في تكنولوجيا البطاريات، ولكن الكلام أسهل من الفعل.

يبذل العلماء في اليابان والصين والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان، جهودًا مضنية لزيادة كمية الطاقة التي يمكن تخزينها في خلايا البطاريات بشكل كبير، بهدف معادلة المسافة التي يمكن للسيارة الكهربائية قطعها مع تلك التي تقطعها سيارات الوقود الأحفوري.

المواد الصلبة بدلا من السوائل

وركزت على هذا الأمر، ما يُعرف بـ"تكنولوجيا الجوامد"، والتي تعيد بناء الهيكل الداخلي للبطارية بشكل كامل باستخدام المواد الصلبة بدلًا من المواد السائلة القابلة للاشتعال لشحن البطارية وتفريغها. وتعمل هذه التكنولوجيا على إجراء تحسينات كبيرة على حزم بطاريات "الليثيوم أيون" الموجودة أصلًا، والتي قاربت الوصول إلى الحد الأقصى من سعتها التخزينية، وقد لا يكتب لها يومًا أن توفر الطاقة الكافية لقطع مسافات طويلة، بحسب ما يقوله صناع السيارات.

ويعني تحقيق ذلك، أن تكنولوجيا الجوامد يمكنها أن تساعد في تسريع اختفاء السيارات، ذات محرك الاحتراق، وتقلّل من الزمن اللازم لشحن السيارات الكهربائية إلى حوالي 10 دقائق فقط بدلًا من عدة ساعات.

أما في الوقت الحالي، فتقدم شبكة محطات الشحن الخارق، التي أنشأتها شركة "تسلا إنك"، خدمة الشحن بأسرع وقت ممكن، حيث تحتاج السيارة إلى 30 دقيقة تقريبًا لشحن 80% من البطارية الفارغة تمامًا.

قال"تيد ميلر" كبير مدراء قسم استراتيجية تخزين الطاقة والبحوث في ديترويت التابع لشركة "فورد موتور كو": "إنّ تكنولوجيا الجوامد هي الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك، أما ما لا يمكنني التنبؤ به فهو الجهة التي ستتمكن من تطبيقها على نحو تجاري".

إنّ أفضل نموذج أوليّ يحتوي على بطاريات بتكنولوجيا الجوامد في الوقت الحالي لا يقوى سوى على تحريك مركبة لشخص واحد في موقف سيارات شركة "تويوتا موتور كورب" بالقرب من جبل فوجي في اليابان.

ويجدر الإشارة إلى أن العديد من شركات السيارات، مثل "دايملر أيه جي" و"فيسكر إنك" تعمل على هذا الأمر، إلى جانب شركة صينية عملاقة متخصصة في الليثيوم وشركة "توتال إس أيه" الفرنسية وشركة تابعة لـ "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" و"جامعة ستانفورد"، في وقت يرجح فيه لشركة "فيسكر" إجراء اختباراتها على السيارات في وقت مبكر من عام 2019، في حين أرجأت شركتا "تويوتا" و"دايملر" الأمر حتى العقد المقبل.


مخاطر استبدال السوائل بالجوامد في البطاريات

تكمن في تلك العملية مخاطر كثيرة، فمن المتوقع حاليًا أن يؤدي استخدام السيارات الكهربائية إلى زيادة هائلة في بطاريات الليثيوم أيون، وهو البديل السائد لمحركات الاحتراق الداخلي، علمًا بأن أحدث تقرير صدر عن "مؤسسة أبحاث بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة" كان قد كشف استهلاك الحافلات وسيارات الركاب الكهربائية 44 غيغاوات في الساعة من بطاريات الليثيوم أيون عام 2017، متوقعًا ارتفاع ذلك إلى أكثر من 1,500 غيغاوات في السنة بحلول عام 2030.

ووفقًا لمجموعة "يو بي إس غروب أيه جي"، يمكن لأي شخص يملك بطارية تعمل بتكنولوجيا الجوامد -وصالحة للعمل وتستطيع التفوق على تكنولوجيا الليثيوم أيون- أن يسيطر على سوق بطاريات السيارات الكهربائية، التي ستبلغ قيمتها ما يقارب 84 مليار دولار بحلول عام 2025، مقارنة بنحو 23 مليار دولار عام 2019.

مقومات نجاح صناعة بطاريات المواد الصلبة

تستخدم تكنولوجيا الليثيوم أيون المعتمَدة منذ عقود في صناعة الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الشخصية الإلكتروليت السائل لنقل الأيونات بين القطب الموجب والقطب السالب في شحن البطارية أو تفريغها، بينما تستبدل بطارية الجوامد هذا السائل بمادة صلبة، مثل السيراميك أو الزجاج أو البوليمر، بحسب ما يوحي به اسمها.

من المفترض أن يقلل ذلك من مخاطر اشتعال البطاريات ويسمح بخلايا أرفع وحزم أصغر من الممكن وضعها تحت مقعد السيارة، كما يرغب الباحثون في جمع الإلكتروليت الصلب أو دمجه مع قطب موجب معدني من الليثيوم لتحسين كثافة الطاقة والسماح للسيارات الكهربائية بقطع مسافات أطول من دون توقف، الأمر الذي يمكن له أن يساعد في زيادة المبيعات عن طريق تبديد مخاوف المستهلكين من نفاذ الشحن في منتصف الطريق.

ويتوقف تحقيق كل ذلك على حل مجموعة من المعضلات، فعمر البطارية في النماذج الأولية قصير جدًا بالنسبة لسيارة، وتعاني البطارية من رداءة توصيل الكهرباء وارتفاع التكاليف وانتفاخ المواد وانكماشها أحيانًا عند الشحن أو التفريغ.

وحول ذلك، قال "ياسو إيشيغورو" المدير العام لتحالف من الشركات اليابانية تحت اسم "مركز تكنولوجيا وتقييم بطاريات الليثيوم أيون" أو "إل آي بي تي إي سي" اختصارًا، إنه كلما تمكن العلماء من حل مشكلة ما وقعوا في مشكلة أخرى، وهذه المجموعة التي تضم أكثر من 25 شركة من ضمنها شركة "تويوتا" و"باناسونيك كورب"و"نيسان موتور كو" ، تحظى بتمويل حكومي يبلغ 90 مليون دولار لتسريع هذه العملية.

تجارب الشركات العالمية

يقول "هنريك فيسكر"، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة التي تحمل اسمه وتصنع السيارات الكهربائية في لوس أنجلوس: "يبدو أن جميع الشركات تمكنت من حل مشكلة واحدة أو اثنتين أو ثلاث مشاكل من أصل خمس مشاكل رئيسية، دون أن يستطيع أحد حلّها جميعًا حتى الآن".

ويخطط "المعهد الصيني لبحوث الطاقة الجديدة" في تشينغداو لاختبار السيارات على مدى عامين لدراسة إصدار منتج تجاري بحلول عام 2025. كما قامت شركة "كونتيمبوراري آمبيريكس تكنولوجي إل تي دي" كبرى الشركات المصنعة للخلايا في الصين بإضافة الجوامد إلى بحوثها المتعلقة بالبطاريات المتطورة.

أما شركة "سامسونغ إس دي آي كو" وشركة "إس كيه إنوفيشين كو" و"هيونداي موتور كو" في كوريا الجنوبية، فقالت إنها لا تزال تبحث في هذه التكنولوجيا، في وقت تحاول فيه شركة "دايسون إل تي دي") المصنعة للأجهزة الكهربائية المنزلية في المملكة المتحدة الدخول إلى عالم السيارات الكهربائية.

وقال "آندرياس هينتناش" رئيس قسم بحوث البطاريات في شركة "دايملر"في شتوتغارت، ألمانيا: "فيما يتعلق بسيارات الركاب، من المتوقع إصدار النماذج الأولية أوائل العقد القادم"، علمًا بأن هذه الشركة التي تتولى علامات تجارية، مثل "مرسيدس-بنز" وافقت في ديسمبر 2018 على طلبات لشراء خلايا بطاريات الليثيوم أيون الحالية، بقيمة 23 مليار دولار حتى عام 2030.

من جانبها، تخطط شركة "فولكس فاغن أيه جي" لبدء الإنتاج التجريبي مع شريكتها "كوانتوم سكيب كورب" بحلول عام 2022.

قد تكون هذه الجداول الزمنية مدعاة للتفاؤل، وهنا يقول "سام جافي" المدير العام في شركة "كايرن إينيرجي ريسيرتش أدفايزورز" للاستشارات الصناعية في بولدر بولاية كولورادو الأمريكية: "يشبه النجاح في تصنيع هذه البطاريات الدخول إلى ساحة معركة شرسة دون أن يكون أحد قريبًا من تحقيق النصر".

من جانبه، قال "جيمس فريث" المحلل لدى "مؤسسة أبحاث بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة" والمقيم في لندن إن بطاريات الجوامد لن تتوافر مع جميع المزايا المتوقعة منها بحلول نهاية العقد القادم، على أن تبقى أسعارها مرتفعة جدًا بعد ذلك.

كما صرّحت شركة "تسلا" التي تتواصل باستمرار مع المطورين وتراجع نماذج البطاريات، بأنها لم تجد حتى الآن تكنولوجيا أفضل من حزم الليثيوم أيون الموجودة حاليًا، والتي يمكن لسياراتها من طراز "إس" (S) قطع مسافة 539 كيلومتر دون الحاجة إلى إعادة الشحن. وحول هذا الأمر، قال "جيه بي ستروبيل" كبير مسؤولي التكنولوجيا في اجتماع سنوي عُقد في شهر يونيو 2018: "لقد بذلنا جهدًا كبيرًا في البحث"، مضيفًا بشأن بطاريات الجوامد: "كلنا آذان صاغية ونودّ فعلًا أن نجدها، ولكننا لم نجدها بعد".

أما شركة "باناسونيك" المزودة لشركة "تسلا" فقالت إنها لا تزال تبحث في تكنولوجيا الجوامد، وإن كان ما زال "هناك العديد من العقبات قبل إمكانية تطبيقها تجاريًا".

احتمالات نجاح شركة "تويوتا"

يقع الأمل الأكبر في تحقيق نقلة نوعية على شركة "تويوتا" حسب بيانات المنافسين والأكاديميين وبراءات الاختراع.

حصلت شركة "تويوتا"، كبرى شركات تصنيع السيارات في آسيا، على ما لا يقل عن 233 براءة اختراع أو طلب للحصول عليها فيما يتعلق بهذه التكنولوجيا، بما يعادل ثلاثة أضعاف العدد الذي حققه أقرب المنافسون وفقًا لتحليل أجراه "تومي شن" من "بلومبرغ لو"، حيث تستثمر الشركة 1.5 تريليون يِن (تعادل 13.9 مليار دولار) في البطاريات وتخطط لتسويق تكنولوجيا الجوامد أوائل عام العقد القادم، وفقًا لتقريرها السنوي الصادر في شهر أكتوبر عام 2018.

وعيّنت "تويوتا"، خلال العقد الماضي، ما يصل إلى 200 موظف في وقت واحد للعمل على تطوير هذه التكنولوجيا، ولا سيما في "مركز هيغاشي فوجي للبحوث" بالقرب من جبل فوجي.

وكانت الشركة قد أحرزت تقدمًا في استخدام بطاريات الجوامد لتشغيل ساعة رقمية وسكوتر بعجلَتين وحزام ناقل قبل اختبار التكنولوجيا في نسخة معدلة من سيارات "الكومز" المخصصة لراكب واحد وبسرعة منخفضة.

وفي هذا الصدد، قال "إيشيغورو" من شركة "إل آي بي تي إي سي" والمدير السابق في شركة "تويوتا"، إن هذه السيارة تُعدّ مصدر إلهام للباحثين أكثر من كونها وسيلة للنقل.

ومع تركيز العديد من شركات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية الحالية على زيادة الطاقة وخفض التكاليف، قد يتمثل منافسو "تويوتا" الرئيسيون في مجموعة من الشركات الناشئة في الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لـ "ميلر" من شركة "فورد" .

وبناءً على هذا الاحتمال، دفعت شركة "فولكس فاغن" عام 2018 مبلغ 100 مليون دولار لزيادة حصتها في شركة "كوانتوم سكيب"، التي أسسها باحثون سابقون في جامعة "ستانفورد" في سان خوسيه في كاليفورنيا.

تعتمد شركة "أيونيك ماتيريالز إنك" في ووبرن بماساتشوستس على دعم "بيل جوي" المؤسس المشارك لشركة "صن ميكروسيستمز"، فضلًا عن صندوق رأس المال الاستثماري الذي يضم شركات "رينو إس أيه" و"نيسان"و"ميتسوبيشي موتورز كورب".

من جانبه، قال "كيتشاو هو" الرئيس التنفيذي لشركة "سوليد إينيرجي سيستمز" التابعة "لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" في ووبرن خلال منتدى عُقد في أوساكا في اليابان في شهر أكتوبر 2018، إنه من المتوقع أن تبدأ الشركة بإجراء التجارب على السيارات الكهربائية بعد عام 2021.

أما شركة "سوليد باور" للبطاريات في لويزفيل بولاية كولورادو، فقامت بعقد شراكة مع "بي إم دبليو أيه جي" منذ ديسمبر 2017، في وقت عبر فيها رئيسها التنفيذي "دوغ كامبل" عن ثقته بأن تكون تكنولوجيا الجوامد قابلة للتطبيق التجاري في السيارات، وإن لم يكن قبل 5 إلى 10 سنوات، مضيفًا: "أنا لا أقول إن ذلك سيكون سهلًا، ولكنني على ثقة بعدم وجود تحديات مستحيلة لا يمكن لنا تجاوزها".