لماذا تبنت بريطانيا نهجاً مختلفاً عن أميركا في أزمة "سيليكون فالي"؟

المسؤولون البريطانيون يسعون بقوة لتفادي المخاطر الأخلاقية وتأثير الأسواق على نهج "المركزي"

المملكة المتحدة تسهل صفقة بيع الفرع البريطاني لمصرف "سيليكون فالي بنك" لمصرف "إتش إس بي سي"
المملكة المتحدة تسهل صفقة بيع الفرع البريطاني لمصرف "سيليكون فالي بنك" لمصرف "إتش إس بي سي" المصدر: بلومبرغ
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يكن أمام مسؤولي المملكة المتحدة من خيار سوى اقتفاء أثر أقرانهم في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق التكفل بتعويض كل أولئك الذين لديهم ودائع لدى الذراع البريطانية لمصرف "سيليكون فالي بنك". الطريقة التي قاموا بها بذلك، والتي تركزت على ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد الحل بأسلوب القطاع الخاص، لا تبرز فقط الظروف التشغيلية الأقل تعقيداً لصُناع السياسة النقدية في المملكة المتحدة، ولكن أيضاً، وهو الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، تجنبهم بطريقة أقوى للمخاطر المزدوجة المتمثلة في المخاطر الأخلاقية وانحياز السياسية النقدية للأسواق المالية.

عند الساعة 7 صباحاً يوم الإثنين، أعلنت وزارة الخزانة البريطانية وبنك إنجلترا المركزي أنهما يسّرا إتمام صفقة مصرف "سيليكون مالي بنك" في المملكة المتحدة لمصرف "إتش إس بي سي"، وهو مصرف أكبر بكثير، بطريقة تحمي كافة المودعين وتمنحهم وصولاً بصورة فورية كاملة لأموالهم. جاء هذا بمثابة عملية إنقاذ كبيرة لا سيما لشركات التكنولوجيا الناشئة الصغيرة، التي كانت على غرار نظرائها في الولايات المتحدة، تعتمد في جزء كبير من أنشطتها المصرفية على مصرف يُنظر إليه بطريقة هائلة على أنه داعم بصفة خاصة لعملياتها التشغيلية.

نهج بريطاني مختلف عن أميركا

يختلف نهج المملكة المتحدة عن أسلوب الولايات المتحدة. تحديداً، اختار المسؤولون هناك أن يضمنوا بلا سقف أموال مودعي "سيليكون فالي بنك"، ووضعوا جانباً آلية رسمية تؤمن على ودائع تبلغ 250 ألف دولار.

بموازاة ذلك، وفر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لكافة المصارف إمكانية الحصول على سيولة نقدية لمدة سنة بشروط ميسرة بضمان بعض الأصول مرتفعة الجودة.

أحد تفسيرات هذا التباين، هو الحجم الأصغر كثيراً لفرع "سيليكون فالي بنك" بالمملكة المتحدة. في نهاية الأمر، من الطبيعي أن يكون ايجاد مشتر لمؤسسة صغيرة أسهل. يعني ذلك أيضاً أن المصرف الكبير فعلاً، على غرار "إتش إس بي سي"، لن يصبح أكبر حجماً بشكل ملموس.

مقابل جنيه إسترليني واحد.. HSBC يستحوذ على ذراع "سيليكون فالي" البريطانية

مع ذلك، توجد عوامل مؤثرة أخرى. ظهر مسؤولو المملكة المتحدة، وبنك إنجلترا المركزي تحديداً، كثيراً في الماضي القريب أشد تردداً من أقرانهم في الولايات المتحدة عندما يرتبط الأمر بمنح ضمانات على نطاق واسع، وتوفير فرص الحصول على تمويل لمدة سنة وجعل السياسة النقدية رهينة لمحركات الاستقرار المالي. ربما يكون هذا هو الوضع حالياً مرة ثانية.

هل تتذكرون ما جرى في المملكة المتحدة قبل بضعة شهور وسط الاضطرابات المالية التي تسببت فيها الميزانية المصغرة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز ترَس ؟ نعم، وجد بنك إنجلترا المركزي نفسه مضطراً للتدخل لتوفير المساعدة لكيانات متعثرة تستثمر بهدف تأمين التزامات مستقبلية، لكنه قام بذلك عبر جدول زمني وحدود معلنة بطريقة واضحة. عندما برزت أدلة على أن المؤسسات المتعثرة لم تكن تعمل بجد بما فيه الكفاية لتعديل أوضاعها، ألقى محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ببيان مفاجئ ليلة الثلاثاء للتنبيه عليهم بأن دعم المركزي سيتوقف فعلاً الجمعة التالية حسبما أُعلن عنه في البداية.

اختطاف السياسية النقدية

ساور القلق بنك إنجلترا من أن توفير دعم مفتوح أكثر، لا سيما إذا مُنح بطريقة معممة على نطاق واسع، قد يشجع على الدخول في مخاطرة زائدة. كما حرص على تقليص مخاطر اختطاف السياسة النقدية عبر الاعتبارات المرتبطة بتحقيق الاستقرار المالي، وهو النهج الذي قد يثني عليه غالبية خبراء الاقتصاد، لا سيما عندما تمثل معدلات التضخم مشكلة.

على الجانب الآخر من الأطلسي، على ما يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ساوره القلق بقدر أقل من تأثير الأسواق المالية على اختيار سياسته النقدية في حين كان يسعى إلى الحد من التقلبات. كان هذا جلياً بطرق عديدة وإن كانت قليلة خلال الأعوام القليلة المنصرمة، بما فيها الفترة بين عامي 2018 و2019 ومرة ثانية بين عامي 2020 و2021. تتضح الأمور من خلال الأسواق بطريقة كبيرة مع تراجع احتمال زيادة سعر الفائدة 50 نقطة أساس من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبوع المقبل من الثلثين إلى صفر.

في الحقيقة، لا تحبذ الأسواق حتى إقرار زيادة أقل بمقدار 25 نقطة أساس. وعوضاً عن ذلك، فإن تسعير عدم إقرار رفع لأسعار الفائدة يقترن مع أن تكون ذروة الفائدة أقل مما قُدر سابقاً خلال الدورة الحالية من التشديد النقدي.

يفاقم ذلك المعضلة الثلاثية العويصة التي تواجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. عقب وقوعه في خطأ وصف التضخم بأنه مؤقت لمدة طويلة للغاية ثم إظهار استجابة أولية ضعيفة، شوهد نهج السياسة النقدية يركز أهدافه على بلوغ تضخم منخفض، والحد من الإضرار بالوظائف والنمو الاقتصادي، والمحافظة على حالة الاستقرار المالي.

كما أشرت عبر عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لم يكن هناك تصدٍّ مثالي لأزمة "سيليكون فالي بنك". ويتوجب تبني خيارات صعبة في إطار مُهل زمنية ضيقة تماماً. يبدو أن بنك إنجلترا المركزي قد تبنى خيارات أفضل على المدى البعيد في ظل التعرض لبيئة تشغيل أقل تعقيداً إلا أنها تجسد أيضاً تحيزات مختلفة مرتبطة بالسياسة النقدية.