انخفاض أسعار النفط طويلة الأجل يثير القلق

سعر برنت لخمس سنوات آجلة متداول بخصم 20% مقارنة بالسوق الفورية رغم نقص الاستثمارات

دارين وودز، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "إكسون موبيل"يتحدث خلال مؤتمر "سيرا ويك" لعام 2023 الذي نظمته "ستاندرد أند بورز غلوبال في هيوستون، تكساس، الولايات المتحدة في 7 مارس.
دارين وودز، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "إكسون موبيل"يتحدث خلال مؤتمر "سيرا ويك" لعام 2023 الذي نظمته "ستاندرد أند بورز غلوبال في هيوستون، تكساس، الولايات المتحدة في 7 مارس. المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هناك عدم تطابق محير بين واقع صناعة النفط وأسعاره طويلة الأجل. فالصناعة تعتقد أنها تقلل من الاستثمارات في طاقة الإنتاج المستقبلية، ما ينذر بخطر حدوث نقص في المستقبل وارتفاع الأسعار. مع ذلك، تواصل أسعار النفط على المدى الطويل الانخفاض، إذ تستقر حالياً عند نحو 65 دولاراً للبرميل، الأمر الذي يشير إلى أن السوق تتوقع أن يكون الإنفاق أكثر من كافٍ لتجنب حدوث فجوة. بالتالي يمكن القول إن هناك أحد الطرفين مخطئ في هذا الصدد، إما الصناعة أو السوق.

رهاني هو أن كليهما مخطئ إلى حد ما. لا أحاول التملص من إبداء رأي في المسألة، لكن الصناعة تبالغ على ما يبدو في تخوفها إزاء الاستثمارات. لكن إذا اضطررت للرهان على أحد الجانبين، فسأراهن ضد السوق.

في الوقت الحالي، تبدو أسعار النفط طويلة الأجل منخفضة للغاية، وهي أكثر عرضة للخطر بكثير من الاستثمارات النفطية البالغ قوامها مليارات الدولارات في المشروعات الجديدة، أو الرهانات في سوق العقود المستقبلية. وإذا كانت الصناعة على حق، فهذا يعني ارتفاع الأسعار في النصف الثاني من هذا العقد، ما يمكن أن يُطلق شرارة موجة تضخم جديدة في الاقتصاد العالمي.

تناقض بين صناعة الطاقة والسوق

ظهر التناقض جلياً بين الصناعة والسوق في مؤتمر "سيرا ويك" (CERAWeek) السنوي، وهو أكبر مؤتمر للطاقة في العالم، والذي جذب في أحدث اجتماعاته أكثر من 7000 مندوب إلى هيوستون.

حذّر جميع الحاضرين في المؤتمر من نقص الاستثمارات، بداية من دارين وودز، رئيس شركة "إكسون موبيل"، وحتى وائل صوان، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "شل".

قال وودز في المؤتمر "هذا استنزاف.. الاستثمار أقل من المطلوب". وفي العام الماضي، أنفقت صناعة النفط والغاز 499 مليار دولار على الإنتاج، وفقاً لمنتدى الطاقة الدولي، وهو هيئة تعزز الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة. يقدّر المنتدى أن الإنفاق يجب أن يرتفع إلى 640 مليار دولار بحلول 2030 إذا كانت الصناعة تطمح إلى أن تلبي الطلب المستقبلي على النفط. لكن التوجيهات من الشركات تشير إلى أن مثل هذه الزيادة ليست مطروحة.

النفط الأميركي يوازن الأسواق في 2023 مع زيادة الطلب المتوقع من الصين

جاءت الرسالة التي تحذّر من أن الاستثمارات منخفضة بدرجة يصعُب معها الوفاء بالطلب المستقبلي، مصحوبة بتحذيرات من ارتفاع أسعار النفط في المستقبل. لكن في هيوستون كان المستثمرون غير مقتنعين إلى حد بعيد. فمن مديري الأسهم إلى العاملين في قطاع السلع الأساسية، كان هناك عدم اكتراث جماعي من عواقب ذلك. كما حذّرني مستثمر مخضرم حضر اجتماعات "سيرا ويك" على مدى عقود قائلاً: "لا تشكك في توقعات السوق".

أولاً، هناك تحذير بشأن أسعار النفط الآجلة. فمنحنى العقود المستقبلية لا يقدم توقعاً للاتجاه الذي تسير فيه أسعار السلعة الرئيسية، ولكنه بالأحرى لمحة لما يرغب السوق في دفعه اليوم للتسليم في المستقبل. واليوم، فإن السوق على استعداد لدفع 65 دولاراً فقط للبرميل مقابل تسليم برميل من خام برنت خلال خمس سنوات- وهو ما يقل عن متوسط 10 سنوات لأسعار الخام الذي يُعتبر المعيار القياسي للسوق العالمية. فإذا أراد المرء شراء برميل للتسليم في ديسمبر 2024، فإن السعر يرتفع إلى 74 دولاراً للبرميل. فيما يبلغ سعر البرميل نفسه، إذا جرى شراؤه من السوق الفورية، نحو 82 دولاراً.

توازن العرض والطلب

السؤال الآن هو: إذا لم ترتفع الاستثمارات في المستقبل، فلماذا لا تكون الأسعار طويلة الأمد أعلى؟

يبدو أن مستثمري النفط مقتنعون بأن التوازن المستقبلي بين العرض والطلب لن يكون صعباً مثلما تحذّر الصناعة، وهناك عدة أسباب لذلك الاعتقاد، وهي:

أولاً: تعافت الاستثمارات إلى حد بعيد في 2022. بل من المنتظر أن ترفع شركات النفط، المتخمة بالسيولة، الإنفاق أكثر في 2023 وما بعده.

ثانياً: لم ينهر إنتاج النفط الروسي مثلما يُخشى بسبب العقوبات الغربية. وهذا بدوره يعني أن العالم لن يضطر إلى استبدال الإنتاج الروسي منخفض التكلفة بإنتاج عالي التكلفة من أماكن أخرى.

ثالثاً: يعتقد العديد من المستثمرين أن الطلب على النفط سيتباطأ خلال العامين إلى الثلاثة المقبلة، من متوسط تاريخي يبلغ نحو 0.8 إلى 1.2 مليون برميل يومياً إلى أقل من 0.3 إلى 0.5 مليون يومياً.

أسواق النفط متقلبة لكنها غير معطلة

مع ذلك، فإن هذه العوامل وحدها لا تبرر تماماً على ما يبدو تداول خام برنت لخمس سنوات آجلة بخصم 20% على أسعار السوق الفورية. والسبب الأول في ذلك، هو أن زيادة الإنفاق الرئيسي تعكس ارتفاع تكاليف الآلات وقطع الغيار. ومن حيث القيمة الاسمية، زاد الإنفاق على نحو أقل كثيراً. وحتى بالمعدلات الحالية، ستعين زيادة الإنفاق 30% أخرى لضمان وجود إمدادات كافية بحلول 2030.

في الوقت الحالي، تظل الآمال في حدوث تباطؤ كبير في نمو الطلب مجرد آمال. فاستهلاك النفط في 2023 ينمو بضعف المعدل السنوي المعتاد، وتشير التوقعات المبكرة لعام 2024 أيضاً إلى تسارع آخر في الطلب.

خبايا سوق النفط

تقدم خبايا سوق النفط تفسيراً أكثر إقناعاً للانخفاض الأخير في أسعار النفط طويلة الأجل. ففي الأسابيع القليلة الماضية، انخفضت تكلفة التحوط، مما سمح لشركات النفط الصخري بتثبيت الأسعار عن طريق البيع الآجل. ودفعت الموجة المكثفة من عمليات التحوط الأسعار إلى انخفاض، خاصة لعامي 2024 و2025، ما أدى إلى مزيد من الهبوط في الأسعار طويلة الأمد. هذا عامل استثنائي من المحتمل أن يتبدد قريباً، ما يزيد من تعقيد النظرة المستقبلية للتضخم ويصعب الأمور على واضعي السياسات في البنك المركزي الأميركي.

ختاماً، ففي حين ستستمر أسعار النفط الفورية بالتقلب في الأشهر القليلة المقبلة جراء المخاوف المتعلقة بالهبوط الحاد أو السلس للاقتصاد الأميركي، إلى جانب الآمال المعقودة على معاودة فتح الصين بقوة، نجد أن أسعار النفط الآجلة مهيأة للارتفاع.

نفط