بعد مرور عام.. سياسة "الفيدرالي" لرفع الفائدة "مكلفة"

"المركزي الأميركي" قد يدفع ثمن بدايته المتأخرة في التشديد و"سيليكون فالي بنك" قد يُطلق شرارة الانهيارات

رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وهو يدلي بشهادته أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي، واشنطن. الولايات المتحدة في 7 مارس 2023
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وهو يدلي بشهادته أمام اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأميركي، واشنطن. الولايات المتحدة في 7 مارس 2023 المصدر: غيتي إيمجز
Jonathan Levin
Jonathan Levin

Jonathan Levin has worked as a Bloomberg journalist in Latin America and the U.S., covering finance, markets and M&A. Most recently, he has served as the company's Miami bureau chief. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد مرور عام على حملته لتشديد السياسة النقدية، يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي أصعب مجموعة من الخيارات حتى الآن: فإما أن يمضي قدماً في معركته لكبح التضخم أو يركز على معالجة مخاوف القطاع المصرفي المتزايدة. وراء الباب الأول يقترب شبح الركود أكثر من أي وقت مضى، وخلف الثاني يقبع تضخم قد يستمر لفترة طويلة. لسوء الحظ، يبدو الأمر وكأنه سيناريو الخسارة الحتمية الذي صنعه واضعو السياسات بأياديهم.

الخطأ الأول بالطبع كان إصرار رئيس الفيدرالي جيروم باول على وصف مؤشرات التضخم وعلاماته التي ظهرت في 2021 بأنها "مؤقتة وعابرة". بل إنه في خضم تحفيز مالي استثنائي وانتعاش اقتصادي قوي، امتنع عن التوقف عن حملة التيسير الكمي وترك أسعار الفائدة بالقرب من الصفر إلى أن اقترب التضخم المُقاس في مؤشر أسعار المستهلكين من 8%. تلقت سوق الإسكان النشطة بالفعل دعماً من معدلات رهن عقاري تقل عن 3%؛ وسُمح للمضاربة بالعملات المشفرة وأسهم التكنولوجيا بالانتشار الجامح. وبالطبع، ارتفعت أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى لها في 4 عقود.

باول لم يتسبب في التضخم- فقد وُلد من رحم نقص الإنتاج والتوزيع إبان جائحة كورونا ثم تفاقم بسبب الحرب في أوكرانيا- لكن تشخيصه المتأخر قضى فعلياً على أي فرصة كانت لدى الاحتياطي الفيدرالي لتقديم حل غير مؤلم نسبياً. وللحاق بركب التطورات المتسارعة، كان على الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة في العصر الحديث للبنك، وبدأت الأسابيع القليلة الماضية تشهد عواقب هذا التدافع.

الباب الأول: الركود

التهافت على سحب الودائع من مصرف "سيليكون فالي بنك" - وهو بنك متوسط الحجم يركز على الشركات الناشئة الممولة من رأس المال الجريء- أدى إلى شعور الأسواق المالية والمودعين بالقلق. كما فقد مؤشر "كيه بي دبليو بنك" (KBW Bank) ربع قيمته في جلسات التداول السبع الماضية. أما مؤشر "موف" (MOVE) الصادر عن "بورصة انتركونتيننتال" وبنك أوف أميركا"، وهو مقياس لتقلبات سوق الخزانة، فيقترب من المستويات التي شوهدت آخر مرة بعد انهيار مصرف "ليمان براذرز" (Lehman Brothers).

رغم أن وضع "سيليكون فالي بنك" نفسه يختلف عن "ليمان"، راح المتعاملون يسألون أنفسهم سؤالاً منطقياً وهو ما إذا كان ما يرونه من اضطرابات وقلاقل ليس سوى مقدمة لأزمة مالية كبيرة.

في الواقع، اجتاحت نوبة جديدة من الذعر في السوق المتداولين الأربعاء الماضي وهم يفكرون بحذر في مستقبل مجموعة "كريدي سويس".

بنك أوف أميركا: الأسهم ستظل محاصرة بين توجهات "الفيدرالي" وتأكيد الركود

يتصور أن تكبر "كرة الثلج"، وأن تكون تداعيات "كريدي سويس" أقل أهمية في الولايات المتحدة مما ستكون عليه بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي. لكن وراء كل هذه المخاوف حقيقة أنه من الناحية التاريخية، نادراً ما يرفع "الفيدرالي" أسعار الفائدة دون التسبب في ركود. هذه المرة، رفع أسعار الفائدة 450 نقطة أساس في أقل من عام، ويشير التاريخ إلى أن آثار ذلك ستبدأ في الظهور بشكل تقريبي الآن وستستمر في العام المقبل.

هناك أسئلة عديدة تلوح في الأفق، ومنها: كم عدد المؤسسات المالية الأخرى التي أخذها ارتفاع أسعار الفائدة على حين غرة؟ وأين تكمن الأزمة التالية؟ هل يمكن أن تكون مختبئة في سوق العقارات التجارية، مثلما أكد زميلي روبرت بورغيس في عمود هذا الأسبوع؟ أو ماذا عن سوق القروض الغامضة المثقلة بالديون، مثلما تساءلت في الآونة الأخيرة أميليا بولارد وجوليا موربورغو وريشمي باسو.

الباب الثاني: التضخم

للأسف، طفت هذه الأسئلة على السطح بينما لا يزال الاحتياطي الفيدرالي يفتقر لدليل كاف على أن مشكلة التضخم نفسها وجدت طريقها إلى الحل. ومثلما أظهر أحدث تقرير صدر الثلاثاء الماضي، فما يزال مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي مرتفعاً 5.5% مقارنة بالعام السابق، والذي- وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"- ربما يترجم إلى نحو 4.7% على مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، وهو المقياس المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

أيضاً ومع بلوغ النطاق المستهدف للفائدة على الأموال الفيدرالية حالياً 4.5 إلى 4.75%، لا يزال هناك مجال كبير للمجادلة بشأن ما إذا كان سعر الفائدة الحالي مقيِّداً للاقتصاد بدرجة كافية لكبح التضخم.

مع ذلك، يراهن العديد من المستثمرين على أن أيام تشديد السياسة النقدية قد ولت، وأن صانعي السياسة سيشرعون في خفض أسعار الفائدة بحلول الصيف.

التضخم الأساسي في أميركا يفوق التوقعات ويضع الفيدرالي أمام خيارات صعبة

هناك العديد من الأسباب التي تثبت على الأرجح خطأ هذا التقييم، باستثناء الأدلة الناشئة عن أزمة مصرفية مكتملة الأركان لها آثار على النظام المالي بأكمله. أولاً ، قد يؤدي القيام بذلك إلى إجراء مقارنات مع آرثر بيرنز ، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في السبعينيات، والذي اشتهر بالتخلي عن حربه على التضخم مبكراً للغاية، مما سمح له بالتفاقم. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعيد تصوير كل حديث باول المتشدد عن ضرورة رفع الفائدة في الأشهر القليلة الماضية على أنه مجرد "تمثيل" وحديث مصطنع ويخاطر بتقويض مصداقية الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم لسنوات مقبلة.

تغيير اتجاه "الفيدرالي"

ثانياً، يُظهر التاريخ أن الاحتياطي الفيدرالي نادراً ما يغير اتجاهه بهذه السرعة. فإذا توقف البنك المركزي مؤقتاً الآن عن رفع الفائدة وبدأ في خفضها في يوليو- مثلما تشير العقود المستقبلية للأموال الفيدرالية حالياً- فسوف يتطابق مع أسرع تغيير في حقبة السياسة النقدية الحديثة (التي أحسبها منذ 1994، عندما بدأ البنك المركزي في الإعلان عن قراراته المتعلقة بالسياسة على الملأ). تميل البنوك المركزية في الأسواق المتقدمة إلى الانتقال إلى سعر نهائي معين والاستقرار عليه لفترة من الوقت للتأكد من تحقيقه التأثير المقصود منه. أما تغيير المسار على الفور فهو اعتراف فعلي بأن السياسة كانت خاطئة طوال الوقت، وقد يثير ذعر السوق.

في 2019، ارتفع معدل الفائدة قبل أن يستقر ويحلق في ذروته لسبعة أشهر؛ وفي 2006 ظل على حاله 15 شهراً؛ وفي عام 1999 راوح مكانه ثمانية أشهر. في السنوات الثلاثين الماضية، جاء أسرع تغيير لمسار الفائدة في 1995، عندما ظلت عند ذروتها لخمسة أشهر فقط. ولكن حتى ذلك الحين، كانت التخفيضات دقيقة- 75 نقطة أساس فقط على مدى سبعة أشهر- بدلاً من العودة إلى المستويات المتدنية.

سيعتمد الكثير على ما سيحدث للبنوك والأسواق في الأسبوع المقبل قبل قرار الاحتياطي الفيدرالي التالي والمنتظر صدوره الأربعاء المقبل. لكن في الوقت الحالي، لا يزال من السابق لأوانه استنتاج أن البنك المركزي على وشك تعليق حملته لزيادة أسعار الفائدة، ناهيك عن خفضها بعد بضعة أشهر فقط من بدء رفعها.

أفضل سيناريو للأزمة الحالية

هناك فرصة جيدة، بالطبع، بأن ننظر إلى مارس 2023 على أنه "زوبعة في فنجان" وليس بداية أزمة مصرفية حقيقية. في الواقع، تشير تقلبات السوق إلى أن صانعي السياسة الفيدراليين ربما ينظرون إلى مجموعة مختلفة تماماً من الظروف عندما يجتمعون: وقد يكون أفضل بكثير، وربما أسوأ.

في كلتا الحالتين، تأتي التقلبات في وقت لا يزال فيه الاقتصاد الأميركي ينعم بالمرونة. فلا تزال الميزانيات العمومية للأسر تبدو قوية. ولم يتحدث أحد عن وقف رفع الفائدة أو خفضها هذا الأسبوع، لكن فرضية الهبوط السلس لم تنته بعد، لكنها أصبحت أقل احتمالاً وحسب.

بصراحة، لطالما كان ذلك السيناريو غير مرجح. وعلى المستثمرين النظر لهذا على أنه تدريب على ما سيأتي على الأرجح في العام المقبل. فبعد مرور 6 إلى 12 شهراً من الآن، سيجد الاقتصاد الاستهلاكي نفسه في وضع أكثر ضعفاً بكثير مع تضاؤل النقد المتوفر، وزيادة السحب من بطاقات الائتمان، وبالتالي تراكم الأموال المستحقة السداد لمصدرها.

يوحي تاريخ السياسة النقدية الطويل والمتغير ، في التأخر بتغيير المسار بأن المزيد من الأحداث المزعزعة للاستقرار ربما تتشكل للأسر والمستثمرين الذين يواجهون عجزاً متزايداً في ميزانياتهم. إذا تلاشى التضخم بين الحين والآخر، فقد يكون الاحتياطي الفيدرالي قادراً على إنقاذ الوضع وحفظ ماء الوجه. لكن لسوء الحظ، هذا بعيد كل البعد عن السيناريو الأكثر احتمالاً.

حالياً، كل ما يتعين على الفيدرالي فعله هو اختيار أي "باب" منهما وتوقع الأفضل، لأن اتخاذ القرار السيئ في 2021 سلب البنك الخيارات الجيدة.