مصرف سيليكون فالي المفضل هو موضع إخفاقه

كيف أصبح بنك إقليمي يركز على صناعة معينة حالة لدراسة كل ما قد يخفق فجأة في النظام المالي

صورة تعبيرية عن انهيار "سيليكون فالي بنك"
صورة تعبيرية عن انهيار "سيليكون فالي بنك" المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

التحم مصرف "سيليكون فالي بنك" (Silicon Valley Bank) مع مجتمع رأس المال الجريء على مدى 40 عاماً لدرجة أنه كان يعامل عملاءه كما لو كان مصرف البلدة الذي يحبه أهلها.

شبّه مايكل موريتز، الشريك في "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital)، البنك "بسوق محلية مفضلة" إذ كان عاملو منصات الخدمة يعرفون كل عميل باسمه ويعرفون طلباته المعتادة فيقدمون له ما يرغب مع ابتسامة.

كتب في مقالة في 12 مارس لصحيفة "فاينانشال تايمز" أنه كان يمكن الاعتماد على "سيليكون فالي بنك" وموظفيه في "رعاية الحدائق المجتمعية أو تزويد بنوك الطعام أو توفير الرعاية للمسنين". قال إنه قبيل اندلاع التطورات الأخيرة، كانت "سيكويا" دائماً ما توصي بأن تفتح الشركات الناشئة الجديدة حساباً لدى "سيليكون فالي بنك".

استخدم المصرف دفتر شيكاته في مدن مثل لندن وبوسطن ونيويورك وبالو ألتو في كاليفورنيا لرعاية مؤتمرات التقنية وحفلات العشاء بل وساعات تخفيض أسعار المشروبات في الحانة، حيث كان المؤسسون المرهقون يتشاركون ليالي السمر مع أقرانهم ومع مستثمرين.

قال رئيس شركة ناشئة إنه كان دائماً ما يحث أصدقاءه الباحثين عن عمل على تناول الغداء مع أحد ممثلي "سيليكون فالي بنك" المحليين، إذ كانت لهم صِلات بجميع جهات القطاع التي لديها شواغر.

كان "سيليكون فالي بنك" مصرفاً إقليمياً يدعم صناعة معينة تصادف أنها شكّلت أحد أقوى محركات الاقتصاد في العالم، ما جعله يحتل المركز السادس عشر بين أكبر بنوك الولايات المتحدة بأصول تبلغ حوالي 200 مليار دولار، ما جعل انهياره في 10 مارس بمثابة أكبر فشل لبنك أميركي منذ 2008.

عملاء يقفون خارج مقر "سيليكون فالي بنك" في سانتا كلارا، بكاليفورنيا، أميركا
عملاء يقفون خارج مقر "سيليكون فالي بنك" في سانتا كلارا، بكاليفورنيا، أميركا المصدر: بلومبرغ

ذعر المؤسسين

في 9 مارس، أدت أخبار تفيد بخسارة البنك لأموال في بعض استثماراته إلى تهاوي سهم الشركة الأم "إس في بي فايننشال غروب" (SVB Financial Group). حاول المودعون سحب 42 مليار دولار في يوم واحد، فيما يعد تخارجاً مصرفياً سريعاً إلى حد الإذهال. ارتبط كثير من الناس في عالم الشركات الناشئة بأعمال تجارية مع "إس في بي"، وبدا الانهيار لهم كما لو أن جحيماً سُعّر في غرفة معيشتهم.

ساء الأمر أكثر بعدما فرضت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية حراسة قضائية على البنك. بالتأكيد، ستغطي المؤسسة الودائع بما يصل إلى 250 ألف دولار مقابل الخسائر، لكن العديد من الشركات التي أودعت في "سيليكون فالي بنك" لديها ما يفوق ذلك بكثير في حساباتها.

أصابت المؤسسين حالة ذعر من أن أموالهم قد تبخرت. أمضى أحد الرؤساء التنفيذيين، كان في حساب شركته لدى البنك أكثر من 40 مليون دولار، عطلة نهاية الأسبوع يتخبط ليجمع مجموعة قروض يغطي بها 1.2 مليون دولار مطلوبة في غضون أيام لدفع رواتب 250 موظفاً.

تطلب شركة ناشئة متعسّرة في المعتاد قرضاً قصير الأجل من مستثمريها، لكن عدداً من شركات رأس المال الجريء تربطها أيضاً معاملات مع المصرف، وقد جُمدت أموالها أيضاً.

غلاف مجلة "بلومبرغ بزنسويك" حول انهيار "سيليكون فالي بنك"
غلاف مجلة "بلومبرغ بزنسويك" حول انهيار "سيليكون فالي بنك" المصدر: بلومبرغ

لماذا احتفظ كل عملاء "سيليكون فالي بنك"، على ما يبدو، بالملايين في هذا المصرف نفسه؟ أحد أسباب ذلك هو أن المصرف يلبي احتياجات العملاء التي لم تتفهمها بنوك أخرى كما يجب. تحتاج الشركات الناشئة الواعدة بالنمو- لكنها تفتقر إلى الدخل- قروضاً وبطاقات ائتمان مؤسسية، كما يحتاج رواد الأعمال ممن يملكون أسهماً قيّمة لكن رواتبهم منخفضة، قروضاً لشراء عقارات. هؤلاء من تجاهلتهم البنوك التقليدية، لكن "سيليكون فالي بنك" احتضنهم.

غردت ليز جورجي، مؤسِّسة إحدى الشركات الناشئة، قائلة إن 27 مصرفاً رفض منحها خط ائتمان قبل أن يفتح لها "سيليكون فالي بنك" ذراعيه.

عندما أطلقت شركة المدفوعات "سترايب" (Stripe) في 2016 برنامجاً لمساعدة مؤسسي الشركات الناشئة في الخارج على التأسيس في الولايات المتحدة، أعدت حساباً في "سيليكون فالي بنك" بالولايات المتحدة لكل تلك الشركات الناشئة، لأن المصرف كان على استعداد للعمل مع أشخاص يفتقرون لأرقام ضمان اجتماعي.

كثيراً ما أقرض المصرف أموالاً بغرض ابتداء شركات بشروط متساهلة، مع مطلب رئيسي هو أنه على الشركة الناشئة أن تودع جميع أموالها تقريباً لدى "سيليكون فالي بنك".

الشركة الأم لـ"سيليكون فالي بنك" تتقدم بطلب الحماية من الإفلاس

عقلية القطيع

لقد قوى المصرف المبتكرين والمبدعين، لكنه كان عرضة لعقلية القطيع أيضاً. عندما يلمع نجم مجال ما، كالذكاء الاصطناعي على سبيل المثال، يتدافع عليه المؤسسون ويسارع المستثمرون إلى تمويله. في حالة "سيليكون فالي بنك"، فقد أظهرت صناعة التقنية ذات النوع من التفكير الجماعي من حيث تركيز تعاملاتها المصرفية عليه.

ربما لم يكن لدى البعض خيار، فقد قالت جورجي: "بصراحة، رحبنا بدعم المصرف لأنه لم يكن هناك آخرون يقرعون أبوابنا". معظم أقرانها في مجموعة مسرّعي الشركات الناشئة تعاملوا مع "سيليكون فالي بنك". قالت: "البنك عمره 40 عاماً ويتمتع بسمعة موثوقة على امتداد صناعة الشركات الناشئة". لا يبدو ذلك خطيراً من ناحية فردية، لكن جماعياً وضع المصرف صناعة بأكملها عند نقطة واحدة من الفشل المحتمل.

تأسس "سيليكون فالي بنك" في 1983، حين تأكد المؤسسون أن تلك لحظة مثالية لبدء مؤسسة مالية جديدة في قلب اقتصاد حديث. تلى ذلك 39 عاماً من أسعار فائدة وتضخم متراجعين، فسهل ذلك جمع الأموال فيما استمرت الكمبيوترات تزداد سرعةً وتنخفض سعراً وتتسع اتصالاً.

تدفق المال على شركات رأس المال الجريء والشركات الناشئة بالمنطقة، التي أقحمت بدورها الأموال في خزائن "سيليكون فالي بنك".

التُخمة لا الحاجة

تتردد في وادي السيليكون مقولة "إن الشركات الناشئة تنهار بسبب تُخمة المال، وليس بسبب شدة افتقارها له". يعني هذا أن كثرة المال قد تكون مدمِّرةً بنفس القدر الذي يحدثه نقص المال.

لم يتعلق الأمر بأن البنك أقرض المال لشركات لم تستطع سداده، بل اشترى "سيليكون فالي بنك" المتخم بالودائع سندات كانت آمنة من منظور الائتمان، ولم تخرقها جهات الإصدار، لكنها سندات ذات آجال استحقاق طويلة وعوائد منخفضة.

هذا المزيج ضار حين تبدأ أسعار الفائدة بالارتفاع، وهو ما حدث في العام الماضي، عندما بدأت فعلياً ترتفع بوتيرة كبيرة.

خطر عدوى "سيليكون فالي" يتعدى البنوك إلى الاقتصاد الأميركي

أخفق "سيليكون فالي بنك"، الذي ربما خدّره الاستمرار الطويل لمعدلات الفائدة المنخفضة، في استيعاب مسألة أن الظروف ستتغير جذرياً. كان ذلك خطئاً مشتركاً ارتكبه العديد من شركات الإنترنت، التي شهدت ارتفاع الإيرادات في العام الأول للجائحة ووظفت عدداً محدوداً من العاملين، فلم تكن قادرة على التنبؤ بضرورة تسريح أكثر من 100 ألف موظف بعد ذلك بعامين. أعلنت "ميتا بلاتفورمز" مالكة "فيسبوك" في 14 مارس عن خطط لإلغاء 15 ألف وظيفة، وهي ثاني جولة رئيسية لها من خفض الوظائف خلال الأشهر الستة الماضية.

عندما بدأ مستثمرو رأس المال الجريء يحذرون الشركات التي موّلوها من أن المصرف قد ينهار، حدث الاندفاع لسحب الودائع دفعة واحدة عبر المنصات الرقمية. لقد أنتجوا نسخة مظلمة مما يسميه مجتمع كليات إدارة الأعمال "سبق أول المبادرين".

قال كويد ووكر، المؤسس الذي تمكن من تحويل أمواله من البنك في 9 مارس قبل إغلاقه، إن العملاء الذين تحركوا بأسرع ما يمكن مع تجنب القلق هم من أمضوا وقتاً في متابعة "تويتر"، حيث غالباً ما تختلط المعلومات السليمة مع الارتياب الذي يضخم من الإتباع في وادي السيليكون.

هدأت النيران الأولى لإخفاق "سيليكون فالي بنك" حين تلقى المودعون تأكيداً بعد عطلة نهاية أسبوع مخيفة بأنهم سيستعيدون أموالهم. لكن كان الذعر تذكيراً مؤلماً بأنه يصعب على الناس تغيير افتراضاتهم بنفس الوتيرة السريعة التي يحدث بها التغير في العالم.

لم يقتصر الأمر على قطاع التقنية. فقد فات الأمر أيضاً محللي الأسهم الذاهلين في نيويورك. لكن في صناعة التكنولوجيا، فقد هنالك نمو فلكي على طول أمد وثقافته لم تر مشكلةً بأن يوضع جلّ هذا النمو في مؤسسة واحدة. لذلك حين كان لا بد أن ينكسر شيء كبير، حدث هذا هنا أولاً.