شي يتوافق مع بوتين ضد أميركا لكنه يتردد في صفقة الغاز الكبيرة

زيارة الرئيس الصيني لموسكو كانت فرصة لتعزيز صورة الزعيمين على الساحة الدولية، لكن دعم بكين لروسيا لم يعد غير محدود

الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، روسيا
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، روسيا المصدر: أ.ف.ب
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استغرق شي جين بينغ يومين من المحادثات في موسكو للوقوف بقوة مع روسيا ضد الولايات المتحدة. لكن الزعيم الصيني امتنع عن تقديم شيء كان يبحث عنه فلاديمير بوتين وهو الالتزام بشراء المزيد من الغاز.

شكّلت زيارة شي - وهي الأولى له إلى روسيا منذ غزو بوتين لأوكرانيا قبل أكثر من عام بقليل - انتصاراً سياسياً لكلا الزعيمين. إذ رأى فيها شي فرصة للوقوف أمام الولايات المتحدة، وتعزيز صورته كرجل دولة عالمي بعد أن ساعد في التوسط في اتفاق بين السعودية وإيران، بينما تمكن بوتين من إظهار أنه يحظى بدعم أحد أقوى قادة العالم رغم محاولة الولايات المتحدة وحلفائها عزله.

تحقيق التوازن

مع ذلك، فإن عدم إحراز أي تقدم في أي من صفقات الطاقة الكبرى - أو في التفاصيل حول مجالات أخرى من التعاون الاقتصادي - أظهر بعض التردد من جانب الصين في أن تظهر بمظهر مقرّب جداً من روسيا. يريد شي تجنُّب مواجهة عقوبات اقتصادية أكثر صرامة يمكن أن تلحق الضرر بالاقتصاد الصيني، في حين يحافظ على دعم روسيا كشريك يمكنه التصدي للولايات المتحدة وحلفائها - وتوفير غطاء للدول التي لا تريد الانحياز لأحد الجانبين.

بوتين: حصة الروبل واليوان زادت 65% في التعاملات بين روسيا والصين

شددت إحدى البيانات المشتركة التي صدرت بعد المحادثات على أن العلاقات الصينية الروسية "ليست من نوع التحالف العسكري والسياسي الذي كان قائماً خلال الحرب الباردة". رسم هذا البيان حدوداً أكثر وضوحاً مقارنةً بالبيان المشترك المطوّل الذي صدر في العام الماضي، الذي أشاد بـ"الصداقة اللامحدودة" بين البلدين عندما زار بوتين بكين قبل أسابيع فقط من الغزو.

يقول دونغشو ليو، الأستاذ المساعد المتخصص في السياسة الصينية بجامعة "مدينة هونغ كونغ": "خطة شي هي تحقيق توازن: تريد الصين بقاء روسيا، لكنها لا تريد أن يُنظر إليها على أنها تدعم روسيا بشكل كامل... المشكلة هي عندما تتطور الحرب، إذا أصبحت روسيا أكثر عوزاً واحتاجت إلى دعم اقتصادي وعسكري من الصين من أجل البقاء، ماذا ستفعل الصين؟.. سيتعين على الصين عندها اتخاذ خيار أكبر".

تباين متزايد

تضمنت البيانات المشتركة الصادرة بعد المحادثات العديد من المبادئ التي تتبناها الصين منذ فترة طويلة في التصدي للولايات المتحدة. إذ تعهد الزعيمان بمنع "الثورات الملونة"، ودعيا إلى إجراء تحقيق في انفجار خط أنابيب "نورد ستريم"، وأعربا عن مخاوفهما بشأن خطط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للتعاون مع أستراليا بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، ودعيا حلف "الناتو" إلى احترام "تنوع الحضارات".

روسيا تحتفظ بـ80 مليار دولار من مواردها في أصول خارجية خلال عام من العقوبات

لكن التباين المتزايد في العلاقات الاقتصادية كان جلياً في البيانات المتعلقة بالطاقة. إذ وعد بوتين بتسليم ما لا يقل عن 98 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى الصين بحلول عام 2030. على الرغم من أن هذا أكثر بستة أضعاف مما باعته روسيا للصين العام الماضي عبر خط الأنابيب، إلا أنه لا يزال أقل بكثير مما سلمته روسيا إلى أوروبا في فترة الذروة.

شهية صينية ضئيلة للغاز الروسي

لكن شي لم يمنح بوتين اتفاقاً واضحاً أو حتى إشارة للمضي قدماً ولو بشكل ضئيل في خط أنابيب الغاز الرائد "باور أوف سيبريا-2" (Power of Siberia 2)، الذي يعد رابطاً حاسماً في الوقت الذي تحاول فيه موسكو بيع المزيد من الغاز إلى الشرق بينما بُنيتها التحتية للتصدير موجّهة إلى حد كبير للغرب. قال بوتين بعد المحادثات إن خط الأنابيب الجديد، الذي سيمتد إلى الصين عبر منغوليا، تمت مناقشته وتم الاتفاق على "جميع" معايير الصفقة. لكن البيانات المشتركة كانت أقل وضوحاً بكثير.

واردات الصين من الطاقة الروسية تضخمت إلى 88 مليار دولار منذ دق ناقوس الحرب

وفقاً لبات أودجيرل، كبير محللي الأبحاث في مؤسسة "إنرجي بوليسي ريسيرش فاونديشن"، فإنه في حين أن خط الأنابيب هذا يمكن أن يمد الصين ببديل أرخص للغاز الطبيعي المسال، فإن حكومة شي لا تزال تركز على تأمين تنوع الإمدادات - في الأساس كي لا تُكرر الخطأ الأوروبي المتمثل في الاعتماد المفرط على روسيا. وهناك الكثير من الدول التي تسعى لبيع الغاز في الوقت الحالي، بما في ذلك الولايات المتحدة، وقطر، وأستراليا، وتركمانستان.

يقول أودجيرل: "بالنسبة للصين السوق ينحاز للمشتري... ما لم تقدم روسيا عرضاً مغرياً جداً، يمكن للصين أن تنتظر قدر ما تشاء... ليس هناك حاجة إلى غاز إضافي من روسيا، خاصة بعد الانكماش الاقتصادي الناجم عن الإغلاق بسبب الوباء".

رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين يجتمع بالرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو، روسيا
رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين يجتمع بالرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو، روسيا المصدر: أ.ف.ب

وساطة بكين

سيتضح مدى استمرار الصين في اتباع هذا التوازن مع روسيا في الأسابيع المقبلة. إذ من المتوقع أن يجري شي قريباً محادثته الأولى منذ الغزو مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل تعزيز اقتراحه الغامض لوقف إطلاق النار، الذي رفضته الولايات المتحدة وحلفاؤها بالفعل.

من جانبه، قال بوتين يوم الثلاثاء في أكثر تعليقاته تفصيلاً حتى الآن بشأن الخطة، متحدثاً في الكرملين إلى جانب شي: "العديد من بنود خطة السلام التي اقترحتها الصين تتماشى مع النهج الروسي ويمكن استخدامها كأساس للحل عندما تكون كييف والغرب مستعدين لذلك".

إنفوغراف: البضائع الصينية تغزو روسيا بعد الحرب الأوكرانية

انتقد جون كيربي، المتحدث باسم "مجلس الأمن القومي الأميركي"، يوم الثلاثاء شي جين بينغ لأنه سافر "كل الطريق إلى موسكو" دون التحدث أولاً مع زيلينسكي.

اقتراح وقف إطلاق النار

أضاف كيربي: "الآن، انظر، إذا كان (شي) على استعداد للتحدث مع الرئيس زيلينسكي وعلى استعداد أيضاً لسماع وجهة نظر الجانب الآخر، وإذا كان بإمكان أي مفاوضات محتملة في المستقبل أن تتضمن وجهات نظر وآراء الأوكرانيين، فهذا شيء يمكن اعتباره محايداً".

اتفاق بين أوكرانيا وصندوق النقد الدولي على تسهيلات بقيمة 15.6 مليار دولار

لا تحتوي ورقة وقف إطلاق النار الصينية على الكثير من التفاصيل، وتتألف إلى حد كبير من مواقف السياسة الخارجية الأوسع التي تتبناها بكين منذ فترة طويلة. في حين أن تبنيها لمبدأ وحدة الأراضي قد حظي بالثناء من قبل كييف، التي تسعى إلى إعادة القوات الروسية إلى حدودها، فإن دعوة وقف إطلاق النار التي من شأنها تجميد القوات في المواقع الحالية ليست مقبولة بالنسبة لها.

دعم موسكو عسكرياً

كما تتم مراقبة اجتماع شي وبوتين عن كثب بحثاً عن أي مؤشرات على أن الصين ستقدم لروسيا دعماً عسكرياً علنياً. وفقاً لوكالة أنباء "تاس" الروسية، قال يوري أوشاكوف، المسؤول في الكرملين، إن الزعيمين ناقشا التعاون العسكري، دون تقديم تفاصيل.

روسيا تتفوق على السعودية كأكبر مورد نفط إلى الصين في فبراير

بدوره قال الأمين العام لحلف "الناتو، ينس ستولتنبرغ، يوم الثلاثاء، إن الحلف رأى "بعض الإشارات" الدالة على أن روسيا طلبت مساعدات عسكرية فتاكة من الصين للحرب في أوكرانيا، لكن "لم نرَ أي دليل على أن الصين تقدم أسلحة فتاكة إلى روسيا".

يقول ألكسندر كوروليف، المحاضر البارز في جامعة "نيو ساوث ويلز" في سيدني، الذي ألّف كتاب "التوافق الاستراتيجي بين الصين وروسيا في السياسة الدولية": "لم يكن هذا الاجتماع حول صفقة غاز محددة أو حتى حول الحرب الأوكرانية... الأمر يتعلق بتعزيز الاصطفاف الصيني الروسي في سياق تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين".