"مانشستر يونايتد" في مأمن من الأزمة المصرفية

حرب المزايدة لشراء النادي الرياضي العريق بعيدة إلى حدّ كبير عن حسابات الواقع المالي

مجموعة من مشجعي "مانشستر يونايتد" بينهم بائع أوشحة النادي، في مدينة مانشستر، المملكة المتحدة
مجموعة من مشجعي "مانشستر يونايتد" بينهم بائع أوشحة النادي، في مدينة مانشستر، المملكة المتحدة المصدر: أ.ف.ب
Matthew Brooker
Matthew Brooker

Matthew Brooker is an editor with Bloomberg Opinion. He previously was a columnist, editor and bureau chief for Bloomberg News. Before joining Bloomberg, he worked for the South China Morning Post. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما قيمة لوحة نادرة أو مزهرية أثرية؟ أبسط إجابة هي: السعر الذي يرغب شخص ما في دفعه مقابل تلك القطعة. عندما يكون الجمال في عين الناظر فإن تقدير التقييمات يمكن أن يكون فناً غامضاً إلى حد كبير. يمكن في بعض الأحيان بيع المقتنيات بسعر أعلى بمرات عدة مما كان متوقعاً. وقد تكون قيمة نُدرة شيء فريد من نوعه هي أفضل عدسة للنظر في بيع نادي "مانشستر يونايتد"، إذ إنّ فهم العرض بناءً فقط على البيانات المالية الحالية للنادي لن يفي بالغرض.

تستهدف عائلة غليزر التي تملك النادي منذ 2005 تقييماً يصل إلى 6 مليارات جنيه إسترليني (7.4 مليار دولار). ووفقاً لـ"بلومبرغ نيوز"، نقلاً عن أشخاص على دراية بالأمر، كان التحالف القطري بقيادة الشيخ جاسم بن حمد بن جبر آل ثاني، والملياردير البريطاني جيم راتكليف، يستعدّ لتقديم عروض مُحسّنة قبل الساعة 9 من مساء الأربعاء بتوقيت لندن، باعتباره الموعد النهائي لتلقي العروض.

لاحقاً، جرى تمديد هذا الموعد النهائي، وفقاً لتقارير في وسائل الإعلام البريطانية.

العرض الأولي للتحالف القطري قدّر قيمة النادي بنحو 4.5 مليار جنيه إسترليني، وقد ذكر تقرير لـ"بلومبرغ" أنه من المحتمل أن يدخل منافسون آخرون على الساحة، فيما أعرب كل من صندوق التحوط الأميركي "إليوت إنفستمنت مانجمنت" (Elliott Investment Management)، وشركتا إدارة الأصول "آريس مانجمنت" (Ares Management)، و"أوكتري كابيتال غروب" (Oaktree Capital Group) عن الاستعداد لتوفير التمويل.

أغلى استحواذ في تاريخ "الدوري الإنجليزي الممتاز"

هذا المستوى من الاهتمام مثير للإعجاب، إذ إن عملية البيع تحدث في ظل أسوأ اضطراب مصرفي منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008. سيصنّف تقييم بقيمة 6 مليارات جنيه إسترليني على أنه أغلى استحواذ على نادي كرة القدم في "الدوري الإنجليزي الممتاز"، إذ يفوق إيرادات النادي بأضعاف، ويمثل أكثر من عشرة أضعاف مبيعات "مانشستر يونايتد" في السنة المنتهية في 30 يونيو 2022.

يذكر أن الملياردير الأميركي تود بولي، وشركة "كليرليك كابيتال" (Clearlake Capital)، دفعا ما يعادل نحو ستة أضعاف الإيرادات في مايو الماضي لشراء نادي "تشيلسي"، فيما غيّرت الأندية الأخرى مُلّاكها مقابل مبالغ أقل بكثير.

جاسم بن حمد.. اسم جديد في عالم الصفقات الرياضية من بوابة "مان يونايتد"

عزّز الاهتمام المستمر من قِبل مقدمي العروض -رغم تقييم عائلة غليزر الصعب- الثقة بأنه سيجري إبرام صفقة بشأن كل النادي، بدلاً من استثمار أقلية يترك السيطرة للمالكين الحاليين. ارتفع سهم "مانشستر يونايتد بي إل سي" المتداول في "بورصة نيويورك" 27.5% في جلسات التداول الثماني الماضية، ما منح الشركة قيمة سوقية تقدر بـ5.1 مليار دولار، وهو ما يقل قليلاً عن ذروة 5.3 مليار دولار التي وصلت إليها في 16 فبراير.

رقص المال في كرة القدم الإنجليزية ذو إيقاع عالي المخاطر

حتى هذا المبلغ، الذي لا يزال أقل بكثير من الحد الأدنى البالغ 6.2 مليار دولار، الذي يُقال إن المالكين يستهدفونه، من شأنه أن يتفوق بسهولة على مبلغ الـ4.65 مليار دولار الذي دُفع في العام الماضي مقابل نادي "دنفر برونكوز" الذي يلعب ضمن الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، باعتباره أكبر عملية استحواذ على نادٍ رياضي محترف في التاريخ.

حاجة "مانشستر يونايتد" إلى الاستثمار

وفقاً لجميع مقاييس التقييم التقليدية، يبدو من المستحيل تقريباً تبرير سعر 6 مليارات جنيه إسترليني، أو نحو 7.4 مليار دولار. سجل "مانشستر يونايتد" ثلاث خسائر متتالية قبل خصم الضرائب، من إيرادات بالكاد ارتفعت في السنوات الخمس الماضية، في حين تضاعف صافي الدَّين خلال الفترة ذاتها إلى ما يعادل نحو 763 مليون دولار.

"بنك أوف أميركا" مستشاراً للعرض القطري لشراء "مان يونايتد"

بعد هيمنته على "الدوري الإنجليزي الممتاز" خلال العقدين الأولين من تأسيس البطولة، غالباً ما افتقر النادي إلى النجاح على أرض الملعب في السنوات الأخيرة. من الواضح أن "مانشستر يونايتد" بحاجة إلى الاستثمار، إذ إنّ ملعب "أولد ترافورد" يحتاج إلى تطوير، أو إعادة تطوير لكي يضاهي المرافق الأحدث للأندية ذات الإنفاق الأكبر، مثل منافسه من المدينة ذاتها والمملوك لأبوظبي، "مانشستر سيتي". قد يكلف هذا المشروع ما يزيد على 1.2 مليار دولار.

القيمة غير المادية

رغم كل ذلك فإنّ فرصة امتلاك مؤسسة رياضية ذات قاعدة جماهيرية تمتد في جميع أنحاء العالم لا تسنح في كل الأوقات. حسب بيان صدر الشهر الماضي، فإنّ الشيخ جاسم بن حمد كان طوال حياته مشجعاً للنادي، وكذلك راتكليف، الذي وُلد في مدينة مانشستر. ورغم قول راتكليف، مؤسس شركة "إينيوس غروب" (Ineos Group) للكيماويات إن "ما لا تريد القيام به هو دفع أسعار غبية مقابل أشياء.. لأنك ستندم عليها لاحقاً"، كما نُقل عنه في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي، فإنّ ذلك قد يبدو كما لو أنه يستبعده من المزايدة كلياً، ناهيك بإمكانية تحسينه لعرضه. لكن من ذا الذي يستطيع أن يضع سعراً على الولاءات الصبيانية؟

ما الذي يجذب شركات الملكية الخاصة إلى كرة القدم رغم خسائرها؟

لكي نكون منصفين، حتى راتكليف نفسه قدّم في العام الماضي عرضاً لشراء نادي "تشيلسي" (افتقر إلى الحماسة نوعاً ما).

إذاً كم سيبلغ السعر في النهاية؟ لا تعكس أدوات التقييم التقليدية ندرة هذا الأصل، وتاريخه، ومساره المحتمل، كما يقول روب ويلسون، المتخصص في تمويل كرة القدم في جامعة "شيفيلد هالام"، الذي يعتقد أن النادي سيُباع بسعر بين 6 إلى 8 مليارات دولار، بما في ذلك تكلفة شطب الديون وإعادة تطوير الملعب.

لدى كل من التحالف القطري وراتكليف دوافع أكثر واقعية تدفعهم لمحاولة شراء النادي، إذ يمكن أن يساعد ربط علامة تجارية بأصل رياضي مشهور في صرف الانتباه عن جوانب أخرى أقل جاذبية، وهي استراتيجية لإدارة السمعة تُعرف في بعض الأوساط بـ"الغسيل الرياضي". من جهتها وصفت منظمة "السلام الأخضر" بيع "مانشستر يونايتد" بأنه "ديربي قذر" بسبب صلات مقدمي العروض الرئيسيين بالوقود الأحفوري.

الثورة التكنولوجية والإيرادات المستقبلية

لكن لمثل هذا التقييم أيضاً قضية مالية. هذا في حال كانت كرة القدم على أعتاب ثورة ستزيد بشكل كبير من الإيرادات المستقبلية. تُقدم التطورات التكنولوجية مثل الواقع المعزز والافتراضي إمكانية تفاعل الأندية بشكل مباشر أكثر مع قاعدتها الجماهيرية. و"مانشستر يونايتد"، الذي لديه متابعة عالمية لا مثيل لها، إذ يبلغ عدد جماهيره 1.1 مليار شخص، يتمتع إلى حد بعيد بأكبر بصمة رقمية في "الدوري الإنجليزي الممتاز".

العرض القطري لشراء "مانشستر يونايتد" قد يصطدم بعقبة

يدرّ النادي ما يعادل نحو 67 سنتاً لكل متابع سنوياً. أضِف 67 سنتاً أخرى وسيصبح هذا أصلاً يدرّ بالفعل مليار دولار أميركي سنوياً. لكن وفقاً لويلسون، لا يزال هذا أقل بكثير من الإيرادات الواردة من كل عميل، التي يحصل عليها بعض الأندية الرياضية الأميركية.

إذا بدا أن مثل هذا الارتفاع في الأرباح صعب التصور نظراً إلى التاريخ الحديث الباهت للنادي، فتذّكر أن إنشاء "الدوري الإنجليزي الممتاز"، وما تلاه من صعود للهيمنة العالمية، كان مدفوعاً إلى حد كبير بثورة سابقة في تكنولوجيا الاتصالات، قنوات التليفزيون الفضائية. لذا، كما يعلم كل مشجع حقيقي، عليك أن تحافظ على إيمانك حتى في الأوقات الصعبة.