كيف يساهم التخلص من التلوث في زيادة حرارة الكوكب؟

استعادة توازن المناخ الذي تمتعت به الإنسانية منذ فجر الحضارة أصعب بكثير من الإخلال به

أحد المزارعين يتابع عملية حرق قش الأرز في مدينة باتيالا في ولاية بنجاب، الهند
أحد المزارعين يتابع عملية حرق قش الأرز في مدينة باتيالا في ولاية بنجاب، الهند المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحد الأخبار السارة النادرة في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ‎، الصادر الأسبوع الماضي، لا يخلو من المتاعب. فقد نجحنا بفضل الجهود البشرية في إبطاء وتيرة تزايد الاحتباس الحراري على مدى القرنين الماضيين بما يصل إلى 0.8 درجة مئوية.

لكن الخبر السيئ هو العامل المتسبب في ذلك التراجع في درجة الحرارة، وهو انبعاثات الجزيئات الدقيقة من مركبات وكربون الكبريت والنيتروجين، المعروفة باسم الهباء الجوي (aerosols). مثلها مثل رذاذ الهباء الجوي، فهي عبارة عن جزيئات عالقة في الهواء – لكن أغلبها لا يأتي من بخاخات الهواء المضغوط.

تنتُج أغلب هذه الجزيئات من عمليات حرق الوقود الغني بالكربون ذاته، الذي يتسبب في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. تتطاير الجزيئات في الغلاف الجوي وتؤثر على تكوُّن السحب، كما تعكس الإشعاع الشمسي إلى الفضاء مرة أخرى. ويعادل ذلك تأثير الاحترار الناتج عن ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات أخرى.

نتيجة لذلك، تقلل انبعاثات الهباء الجوي المتزايدة من درجة حرارة الغلاف الجوي، فيما يرفع خفض الانبعاثات درجة الحرارة.

خفض انبعاثات الهباء الجوي أولوية رئيسية

رغم ذلك، فلا بد أن يصبح خفض انبعاثات الهباء الجوي أولوية رئيسية للصحة على المستوى العالمي. في 2015، بلغ عدد الوفيات الزائدة بسبب التعرض لمثل هذه الكيماويات نحو 4.23 مليون حالة.

وكانت أسوأ التأثيرات بسبب استنشاق الدخان الناتج عن حرق الخشب وروث الحيوانات في الدول الفقيرة، إلى جانب الوقود المستخدم في وسائل النقل وغبار الطرق في نظيراتها الغنية.

الطبيعة الأم تمتلك أفضل التقنيات لحل أزمة المناخ

نحن نحرز بعض التقدم على تلك الجبهة. تتراجع تركيزات ثاني أكسيد الكبريت (SO2) في أوروبا والولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، حينما دفعت مخاوف بشأن الأمطار الحمضية محطات الطاقة إلى تركيب أجهزة تنقية الغاز لإزالة مركبات الكبريت من المداخن.

تُقلِّص ضوابط مشابهة انبعاثات الهباء الجوي بشكل كبير في محطات الطاقة في الصين وحتى في الهند، حيث يخفض أيضاً أحد مساعي الحكومة لطرح مواقد تعمل بالغاز النفطي المسال، من حجم الدخان الناتج عن الطهي المنزلي.

انتكاسة مناخية جديدة

لكن ذلك التقدم على صعيد الصحة يعني أن تأثير التبريد الذي يتيحه الهباء الجوي منذ فجر العصر الصناعي، يتراجع وهو ما يُعتبر انتكاسة من منظور المناخ. نتيجة لذلك، فقد لا يكون حتى خفض انبعاثات الكربون كافياً للحد من احترار الكوكب.

تقول ناتالي ماهوالد، الأستاذة بجامعة كورنيل: "ربما يكون الأمر بالقدر نفسه من الأهمية كالاحترار الناتج عن ثاني أكسيد الكربون على مدى العقود القليلة المقبلة. ستزداد درجات الحرارة مع تنقية الهباء الجوي من أجل جودة الهواء".

هل يمكن لتقنية احتجاز الكربون أن تحل مشكلة الانبعاثات؟

جرى قياس تأثير ذلك بالفعل في بعض المناطق. قد تكون الإغلاقات بسبب وباء كوفيد في أوائل 2020 تسببت في رفع درجات الحرارة بما يصل إلى 0.3 درجة مئوية في بعض المناطق بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية، كما أن الاحترار الناتج عن انبعاثات الهباء الجوي المخففة، فاق التبريد الناتج عن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

إغلاقات كورونا تحسن وضع المناخ

ارتفع معدل الإشعاع الشمسي على مستوى الأرض في مدينة ووهان الصينية قرابة الضعف في ذروة الإغلاقات في الصين، بفضل التخفيضات في الهباء الجوي، حسبما وجدت مجموعة من الباحثين الصينيين خلال الشهر الجاري.

وفقاً لدراسة منفصلة نُشرت في 2022، فإن مستويات متراجعة من أكسيد النيتروجين ربما تكون قد غيّرت توازن التفاعلات الكيماوية في الغلاف الجوي وأزالت تركيزات غاز الميثان، وهو مصدر قوي من مصادر الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

لماذا يعد الوصول لذروة الانبعاثات بداية معركة المناخ؟

قد تكون اللوائح التنظيمية التي بدأ العمل بها في 2022، وتمنع استخدام زيت الوقود عالي الكبريت في وقود السفن، قلّصت ثاني أكسيد الكبريت بشكل أكبر، وهو أهم أنواع الهباء الجوي المستخدمة لتبريد الغلاف الجوي.

وجدت دراسة نُشرت مؤخراً أن ضوابط التحكم في الكبريت، التي بدأت الصين العمل بها بين 2016 و2019، خفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت على مستوى المنطقة بما يصل إلى 40%.

دور الهندسة الجيولوجية

ويُنظر للهندسة الجيولوجية (وهي فكرة إيقاف الاحتباس الحراري من خلال رش ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي وحجب أشعة الشمس) عادةً على أنها ضرب من ضروب الخيال العلمي، أو مقترحات طائشة على أقل تقدير تطرحها شركات ناشئة خارجة عن السيطرة.

ما تبرزه هذه الدراسات هو أننا – على العكس من ذلك – نستخدم بالفعل الهندسة الجيولوجية، لكن بالعكس: بدلاً من تبريد الكوكب، فإننا نزيد من احتراره.

إنذار مناخي جديد.. درجات حرارة قياسية في أوروبا بداية العام

سيجعل ذلك العقود المقبلة تمثل تحدياً بشكل خاص. يختفي الهباء الجوي عادةً من الغلاف الجوي خلال أسابيع، فيما يظل ثاني أكسيد الكربون عالقاً فيه بما يصل إلى ألف عام. ونتيجة لذلك، عندما تتخلص من انبعاثات المداخن، يظل تأثير النتائج السيئة لفترة أطول من نظيراتها الجيدة.

نقطة التحول في عصر الهباء الجوي

استنتج باحثون في معهد غودارد التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، العام الماضي، أننا وصلنا لـ"نقطة التحول في عصر الهباء الجوي"، إذ أن تأثير التبريد الناتج عنه أصبح بالفعل في أضعف مراحله خلال قرن من الزمان.

نتيجة لذلك التحول، قد تتسارع وتيرة الاحترار بين عامي 2010 و2050 بما يصل إلى ضعفها في العقود الأربعة السابقة، حسب دراسة نشرها مؤخراً جيمس هانسن، عالِم المناخ بجامعة كولومبيا.

وفقاً لبيل كولينز، أستاذ عمليات المناخ في جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، فإن الأخبار السارة هي أننا بالفعل ندمج هذه التغييرات في نماذجنا لتغير المناخ في المستقبل.

مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً

كما توضح ناتالي ماهوالد أن تقليل الهباء الجوي لا بد أن يظل أولوية، لأنه سيتسبب في وفاة عدد أكبر من البشر أكثر من تغير المناخ على مدى العقود القليلة المقبلة، كما ستكون التأثيرات ضارة بشكل خاص للفئات الأكثر فقراً والأعراق غير البيض، الأكثر عرضة لمثل هذه الانبعاثات.

ما الخيارات أمامنا الآن؟

هناك بعض الخيارات المحدودة التي تضمن تحقيق مكسب لكل الأطراف أيضاً. هباب الفحم الناتج عن حرق الحقول والغابات، من حرائق الأخشاب وروث الحيوانات، ومن وقود الديزل، يُعد نوعاً نادراً من الهباء الجوي يتسبب في رفع درجة حرارة الغلاف الجوي بدلاً من خفضها.

سيساهم خفض إنتاج ذلك الملوِّث في جانبي معادلة المناخ. ويقول كولينز إن أكسيدات النيتروجين الناتجة عن حرق وقود الطائرات ستتسبب في احترار الكوكب، حتى مع خفض الانبعاثات على مستوى الأرض، لذا يجب أن يصبح التخلص من ذلك أولوية أيضاً.

برغم ذلك، فإننا نواجه طريقاً محفوفاً بالمخاطر للخروج من الموقف الذي تسببنا فيه. مع كل الشهرة التي نالها ثاني أكسيد الكربون في النقاشات الدائرة بشأن تغير المناخ، فما هو سوى إحدى الوسائل التي أدت لإخلال النشاط البشري بتوازن المناخ الذي لطالما تمتعنا به منذ فجر الحضارة. ستصبح استعادة ذلك التوازن أصعب بكثير من الإخلال به.