السنغافوريون يلجؤون للطائرات الخاصة وعطلات اليوم الواحد هرباً من قيود السفر

الإبحار في الجزر الجنوبية في سنغافورة، حيث مجموعة من الجزر الصغيرة الهادئة التي تحيط بها مساحات خضراء شاسعة.
الإبحار في الجزر الجنوبية في سنغافورة، حيث مجموعة من الجزر الصغيرة الهادئة التي تحيط بها مساحات خضراء شاسعة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

سواء أكان الأمر استئجار طائرة خاصة لرحلة دون وجهة محددة، أو يخت فاخر لبضع ساعات، فإن بعض سكان سنغافورة باتوا يبذلون جهوداً استثنائية للتخلص من حالة الضجر التي قلبت حياتهم نتيجة تفشي وباء كورونا.

وبعيداً عن طقسِها المعتدل على مدار العام وكفاءة مؤسساتها وبنيتها التحتية، لطالما كانت سهولة الوصول من وإلى سنغافورة، بمثابة جوهر تميز وجمال دولة المدينة الواحدة هذه، وذلك سواء بالنسبة للمغتربين من سكانها أو المحليين منهم.

إلا أن قيود السفر الهادفة إلى القضاء على فيروس كورونا تعني أن مغادرة سنغافورة ليست ضمن الخيارات المطروحة حاليًا، وهو ما شكَّلَ تحديًا للمقيمين في هذا المركز المالي، البالغ عددهم 5.7 مليون نسمة، والذين اعتادوا السفر إلى وجهات متعددة لقضاء العطل القصيرة أو عطل نهاية الأسبوع، كالذهاب إلى منتجعٍ ماليزيّ مثلًا، أو الانطلاق إلى بالي لبعض الاسترخاء.

رحلات بحرية في الجزر الجنوبية

وعلى سبيل المثال، اتجه رجل الأعمال الروسي سيرغيه تكاشيف إلى البحر، حيث استأجر يختًا من شركة "وايت ليبل تشارترز" للإبحار حول الجزر الجنوبية لسنغافورة، وهي مجموعة من الجزر الصغيرة الهادئة التي تحيط بها مجموعة من المساحات الخضراء. واستقل سيرغيه القارب أربع مرات حتى الآن، مع التزامه بعدم المجازفة بالخوض في المياه الدولية.

وقال تكاشيف، الذي يعيش في سنغافورة منذ 12 عامًا: "عدم قدرتنا على السفر شكلت ضغوطًا كبيرة علينا. فعادة ما يسافر الأغنياء هنا شهريًا، لكننا لا نستطيع فعل ذلك الآن. إنه أمر محبط".

وتعد سنغافورة مدينة صغيرة، إذ تمتد على مسافة 50 كيلومترًا من الشرق إلى الغرب، و27 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب. وفي كلتا الحالتين، يتطلب الأمر القيادة لنحو 30 دقيقة فقط، لتصبح بالقرب من جارتها ماليزيا، أو بحر الصين الجنوبي.

ومن ثم، قوبلت الأخبار الأخيرة بشأن فتح السفر بدون الحجر الصحي بين سنغافورة وهونغ كونغ، بحماسة فورية. حيث ارتفعت أسعار تذاكر الطيران بين عشية وضحاها وتم إجراء الحجوزات على الرغم من أن الإعلان لم يشمل إلا القليل من التفاصيل بما في ذلك موعد فتح الممر الجوي.

إنفاق مرتفع على السفر في سنغافورة

ويُعتَبر السنغافوريون شعبا كثير الحركة والتنقل، حيث أنفقوا أكثر من 34 مليار دولار سنغافوري (25 مليار دولار) على السفر إلى الخارج في عام 2018، مقارنة بنحو 12.5 مليار دولار أنفقها سكان الدنمارك، على السياحة الدولية في نفس العام، وهي الدولة التي لديها كثافة تعادل سكان سنغافورة.

وأتى تخفيف الإغلاق الجزئي في البلاد في منتصف شهر يونيو 2020 ليشكل انفراجًا، ولكن على الرغم من وجود عدد قليل من الممرات الخضراء للسفر بغرض العمل، إلا أن تمضية العطلات خارج البلاد لا تزال محظورة إلى حد كبير.

ومن ناحية أخرى، وجد العديد من العمال المهاجرين في سنغافورة، الأكثر تضررًا من الوباء، أنفسهم مقيدين، ليس فقط بحدود الجزيرة، ولكن داخل أماكن معيشتهم أيضا.

أفكار ترفيهية لكسر "ملل" كورونا

ومنذ بداية رفع بعض قيود التباعد الاجتماعي وسط تضاؤل ​​حالات الإصابة بفيروس كورونا، ارتفع الطلب على تأجير اليخوت بأكثر من 20%، وفقًا لسيلفيا نج، أحد كبار مديري "نادي اليخوت في سنغافورة"، الذي يضم أسطوله أكثر من 42 قاربًا.

ويُقَدِمُ معظمهم عروض إبحار من أربع إلى خمس ساعات، بالإضافة إلى إقامة ليلية في بعض الحالات، كما يُوفِرون مجموعة متنوعة من الألعاب المائية مثل ألواح التجديف وزوارق الكاياك. بينما يتم توفير الزلاجات النفاثة "جت سكي" عند الطلب، وكذلك الإضافات بما في ذلك الطاهي الشخصي وطاقم العمل.

وبالنسبة لبعض السنغافوريين، فإن علاج حالة الضجر التي يشعرون بها يتمثل في انتهاز الفرص للتمتع بأي شيء يذكرهم بالسفر، إذ بيعت المقاعد في مطعم "شركة الخطوط الجوية السنغافورية" المؤقت في غضون 30 دقيقة فقط من طرح التذاكر، حيث دفع البعض ما يزيد على 600 دولار سنغافوري (440 دولارًا) لتناول وجبة في جناحٍ على متن طائرة إيرباص "SE A380" أثناء وجودها على الأرض.

ويقول نائب الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في سنغافورة، لي ليك هسين، إن هناك بعض المؤشرات على عودة الطلب على السفر جوًا بالتزامن مع إعادة فتح الحكومات حدودها أمام المسافرين من رجال الأعمال.

رحلات جوية "بدون وجهة محددة"

وفي نفس السياق، ستنظم خطوط "Genting and Royal Caribbean" رحلات بحرية "دون وجهة محددة" خارج سنغافورة خلال شهري نوفمبر وديسمبر، وقد تم بيع بعضها بالفعل. كما أن مطار شانغي، الذي يُصنف بانتظام كأحد أفضل المطارات في العالم، لا يزال مفتوحًا للعمل على الرغم من عدم وجود أي رحلات طيران تقريبًا، إلا أن الأشخاص يستطيعون زيارته للتسوق وتناول الطعام في مركز "Jewel " للتسوق، وكذلك الطلب عبر الإنترنت من تجار التجزئة في الجانب المخصص للمرور العابر.

وبينما يعني صغر حجم سنغافورة تزايد الضغط لتخفيف القيود على الحدود، إلا أن الحكومة لا تزال تلتزم الحذر.

وقد تحدث وزير النقل أونج يي كونغ بوضوح في البرلمان في وقت سابق قائلاً: "ما هو على المحك ليس فقط مئات الآلاف من الوظائف، وإنما مكانتنا كمحورٍ جوي لحركة الطيران العالمية، وأهمية سنغافورة بالنسبة للعالم، وبقائنا الاقتصادي. وبالتالي، القدرة على تحديد مستقبلنا". متابعاً: "يجب أن ننفتح ببطء وحذر وأن نحمل بعضنا البعض المسؤولية عن سلامتنا الجماعية. لكن علينا فتح أبوابنا ".

وبحسب أليكس كوك، الأستاذ المشارك ونائب عميد الأبحاث في كلية "سو سوي هوك للصحة العامة بجامعة سنغافورة الوطنية" فإن هناك توتر بين المطالبين بتعزيز الاقتصاد والجهة الأخرى التي تنادي بحماية الصحة، كما هو الحال في جميع الدول.

وأضاف كوك: "إذا انتقل المسافرون بين دول ذات معدلات إصابة مماثلة، فلا ينبغي أن يتغير معيار خطر انتقال العدوى. لذا فإن الهدف الآن هو ضبط تدابير مراقبة الحدود قياسًا بالمخاطر التي تشكلها".

فنادق سنغافورة محجوزة بالكامل

وهذا أمر ملح بشكل خاص بالنسبة لسنغافورة، التي تتمتع باقتصادٍ مفتوحٍ تعصف به الرياح التجارية وقوى الاقتصاد الكلي العالمية الخارجة عن سيطرتها.

وحتى تأتي تلك اللحظة التي تنفتح فيها سنغافورة على العالم، فإن هيئات مثل الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) تضغط من أجل التوصل لاختبار سريع لفيروس "كوفيد-19" قابل للتطوير وبأسعار معقولة بدلاً من اللقاح، والذي قد يستغرق توزيعه شهورًا أو حتى سنوات. وحتى ذلك الحين، سيتعين على سكان سنغافورة استكشاف الوطن.

إلا أن الفنادق السنغافورية محجوزة بالكامل لمدة أشهر قادمة رغم قلة الزوار الدوليين. وكان نحو 2.7 مليون شخص قد قاموا بزيارة سنغافورة في الأشهر الثمانية الأولى من 2020، بانخفاض 80٪ تقريبًا عن العام الماضي، وفقًا لهيئة السياحة بالبلاد.

وكانت حصيلة الدولة ذات المدينة الواحدة من عائدات السياحة حوالي 20 مليار دولار خلال 2019.

وفي حين أن السوق المحلي صغير جدًا ليعوض النقص، فقد أطلقت الحكومة مبادرات مختلفة، بما في ذلك حملة سفر محلية بقيمة 45 مليون دولار سنغافوري، والتي تهدف إلى تشجيع السكان على الإقامة في الفنادق المحلية لتمضية العطلات، وتناول العشاء في الخارج واستكشاف مناطق الجذب المحلية بالجزيرة.

عطلات اليوم الواحد

وباعتباره المنتجع الوحيد المواجه للشاطئ بالكامل على الجزيرة، ابتكر منتجع ونادي "شانغريلا راسا سينتوسا" الصحي عروضًا لقضاء عطلات اليوم الواحد تتيح للضيوف التمتع بالشاطئ وحمامات السباحة والرياضات البحرية لعددٍ محددٍ من الساعات، بالإضافة إلى أرصدة نقاط في المطعم. وقال المدير العام، جافين ويتمان، إن المنتجع محجوز بالكامل ولديهم قوائم انتظار.

وقال ويتمان: "كانت الاستجابة مشجعة للغاية. ومع فرض قيود السفر، فإن أجواء جزيرة سنتوسا والمنتجع تذكرنا بعطلات الشواطئ الخارجية".

رحلات مخصصة حسب الطلب

وفي الوقت نفسه، قامت شركة "آير تشارتر سيرفيس" بثلاثة أضعاف عدد الرحلات الجوية المستأجرة داخل وخارج سنغافورة بين مارس وأغسطس من العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها من 2019، وفقًا لما قاله الرئيس التنفيذي، بريندان تومي، الذي أكد أن العمل كان جيدًا لدرجة أن الشركة أطلقت "رحلاتها دون وجهات محددة" من "مطار سيليتار" الثانوي الأصغر في المدينة. (وقد فكرت الخطوط الجوية السنغافورية بإطلاق رحلات مماثلة، لكنها ألغت الفكرة بعد أن أعرب بعض الأشخاص عن مخاوفهم البيئية).

وبالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها، فإن "آير تشارتر سيرفيس" توفر أيضًا خيار استئجار طائرة خاصة لرحلة خاصة بالكامل، تستمر لمدة ساعتين، ويمكن للعملاء خلالها الاستمتاع بوجبة من ثلاثة أطباق وشرب الشمبانيا على ارتفاع 30 ألف قدم (1 قدم = 0.30 متر)، دون الحاجة إلى الخضوع لإجراءات الحجر الصحي.

كما يمكن أن تساعد "آير تشارتر سيرفيس" أيضًا أولئك الذين لا ينزعجون من الخضوع لإجراءات الحجر الصحي الصارم المطلوب عند العودة إلى سنغافورة من بلد آخر. فقد قامت الشركة، في الآونة الأخيرة، بنقل زوجين يريدان تمضية عطلة رومانسية خارج سنغافورة إلى جزر المالديف، حيث مكثوا لمدة 10 أيام، ثم اضطروا إلى قضاء أسبوعين في الحجر الصحي عند عودتهم.

وأضاف تومي: "كانت هناك زيادة كبيرة في الاستفسارات والحجوزات من قبل العملاء الجدد تمامًا على تأجير الطائرات"، مضيفًا أن الطلب كان مدفوعًا "بعدم توفر الرحلات الجوية التجارية، وكذلك القلق الذي يشعر به الأشخاص الآن بشأن المرور بالمطارات والجلوس في طائرة تجارية مغلقة لفترات طويلة".