توقعات خفض قيمة العملة تهبط بالجنيه المصري 15% في السوق الموازية

رجل يعد أوراقاً نقدية من فئة جنيه
رجل يعد أوراقاً نقدية من فئة جنيه المصدر: رويترز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تراجع الجنيه المصري مقابل الدولار يوم الخميس بنحو 15% في السوق الموازية مقارنة بالسعر الرسمي، وسط توقعات بأن الدولة التي تعاني ضغوطاً متزايدة ناتجة عن شح شديد بالسيولة، قد تخفّض قيمة العملة للمرة الرابعة منذ مارس 2022.

وصل سعر صرف العملة المصرية إلى 35.5 - 36 جنيهاً للدولار في السوق الموازية، بعدما كان يتداول عند 30.9 جنيه للدولار منذ مطلع مارس تقريباً حتى يوم الخميس.

الرهان على خفض أكبر لقيمة الجنيه لا يزال قائماً، إذ وصلت عقود الجنيه المصري غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهراً يوم الخميس إلى 40.7 جنيه للدولار مرتفعة بأكثر من 30% منذ بداية العام. وبلغت عقود الجنيه المصري غير القابلة للتسليم لأجل 3 أشهر، أكثر من 35 جنيهاً للدولار، وذلك قبل إعلان البنك المركزي المصري اليوم الخميس عن رفع أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس.

البنك المركزي المصري رفع الفائدة في ثاني اجتماعات لجنة السياسة النقدية خلال 2023، حيث جاء قراره متماشياً مع توقعات المحللين وبنوك الاستثمار الدولية، بعد أن فاجأ المركزي السوق في اجتماعه السابق بتثبيت أسعار الفائدة.

ورفعت اللجنة سعر الفائدة على الودائع لليلة واحدة، وعلى الإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية، عند مستويات 18.25%، و19.25%، و18.75% على التوالي، كما أبقت على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 18.75%. وبذلك، فإن سعر الفائدة الحقيقي -أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم- كان يبلغ قبل هذا الرفع سالب 15.65% وفقاً لآخر بيانات أشارت إلى تجاوز معدل التضخم في مصر 31%، وبعد رفع الفائدة اليوم يبلغ 13.65%.

المركزي المصري يرفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس لمواجهة التضخم المتفاقم

كانت مصر، أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان قد خفّضت قيمة عملتها ثلاث مرات في العام الماضي، وذلك في إطار التحوّل إلى سعر صرف أكثر مرونة في أعقاب فترة طويلة من استقرار العملة، مما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض مقابل الدولار بنحو 25% خلال الربع الأول من 2023، وبأكثر من 95% منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في مارس الماضي.

تواجه مصر، صعوبات من جديد للإفراج عن واردات بمليارات الدولارات ظلت محجوزة في موانئها. وكان التخفيض الأخير لقيمة العملة في يناير، قد أدى إلى اختفاء مؤقت للسوق السوداء في مصر، إلا أن تداولات هذه السوق عادت وانتعشت مرة أخرى مع توقع انخفاض جديد في سعر الصرف الرسمي.

قال منصف مرسي، الرئيس المشارك لقطاع البحوث في "سي.آي كابيتال"، إن التحرك في قيمة الجنيه مقابل الدولار كان متوقعاً منذ فترة لتحسين تدفق السيولة الدولارية في البلاد مقارنةً بالفترة الماضية، إلى جانب "التزامنا بسعر صرف مرن للعملة ضمن برنامج صندوق النقد الدولي".

من جهته، رأى محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في المجموعة المالية "هيرميس"، أن تراجع الجنيه مقابل الدولار اليوم هو "محاولة لتقليل الفجوة بين السعر الرسمي للعملة والسعر في السوق الموازية".

قال أبو باشا إن "الدولار متوافر في البلد، إذ لديك انتعاش بالسياحة وإيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج حتى لو شهدت تراجعاً إلا أنها لا تزال تساعد.. المشكلة تكمن في من يمتلك العملة وأين تتداول".

أسوأ أزمة منذ سنوات

تواجه مصر أزمة نقص في العملات الأجنبية هي الأسوأ منذ سنوات، في ظل تزايد الضغوط على الجنيه في الآونة الأخيرة، حيث تسعى البلاد بشكل حثيث إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتدفقات الخارجية إلى سوق الدين المحلية.

عوّلت مصر في منتصف العام الماضي على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد كمصدر أساسي لتوفير العملة الصعبة، عوضاً عن الأموال الساخنة التي استثمرت في أدوات الدين وتخارجت سريعاً منها في مارس 2022 وسط الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث خرج حينها أكثر من 22 مليار دولار من البلاد في بضعة أيام.

لكن الدولة التي يقدر حجم اقتصادها بنحو 400 مليار دولار، عادت مع نهاية 2022 لتعول من جديد على الأموال الساخنة، ورفعت أسعار الفائدة بنحو كبير، لكنها لم تحصل حينها على نتيجة مرضية، لتعود وتعلن عن برنامج لبيع أصول حكومية بحصيلة مستهدفة تبلغ مليارات الدولارات.

صندوق النقد

تعد مصر من بين الأسواق الناشئة الأكثر تأثراً بالحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها مستورداً صافياً للمواد الغذائية، مع تاريخ طويل الأمد من دعم المواد الغذائية، إلى جانب تعرض مصر لتخارجات نقدية قوية في بداية 2022 تسببت في أزمة سيولة دولارية.

اضطرت مصر إلى اللجوء لبرنامج جديد لصندوق النقد الدولي، والذي تمت الموافقة عليه في ديسمبر 2022 بقيمة 3 مليارات دولار يتم صرفها على مدى 4 أعوام.

حصلت مصر على ودائع بقيمة 13 مليار دولار من حلفائها من دول الخليج الغنية بالنفط، بما في ذلك السعودية وقطر، دعماً لمواردها المالية. وتنتظر تلك الدول مزيداً من الوضوح بشأن مسار الجنيه المصري، وتأكيدات بأنَّ السلطات تُجري إصلاحات اقتصادية عميقة قبل التعهد بمزيد من المساعدات.

يقدّر صندوق النقد الدولي فجوة التمويل الخارجي في مصر بنحو 17 مليار دولار، ويتوقَّع أن يساعد برنامجه في إطلاق نحو 14 مليار دولار أخرى على شكل تمويلات من الشركاء الدوليين والإقليميين.

يعتقد بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي"، وفقاً لتقرير صادر الإثنين الماضي، أن السياسة النقدية لن تستطيع وحدها إخراج مصر من أزمة العملات الأجنبية، بل إن المفاتيح الأساسية التي يمكن أن تحدّ من ضبابية المشهد الاقتصادي في مصر، تتمثل في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة عبر برنامج خصخصة واسع النطاق، والانتقال إلى نظام سعر صرف مرن بشكل دائم، وهما "أمران ليس من السهل تنفيذهما".