ما سبب اختلاف التباطؤ الاقتصادي الحالي عن سابقيه؟

فترة الفوائض الاقتصادية تتضمن إفراطاً في التوظيف والاستثمار تعقبها عمليات تصفية

طاولة اجتماعات في غرفة خالية بمبنى مكاتب في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة الأميركية
طاولة اجتماعات في غرفة خالية بمبنى مكاتب في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة الأميركية المصدر: بلومبرغ
Conor Sen
Conor Sen

Columnist for @bopinion . Founder of Peachtree Creek Investments. Fintwit, demographics/elections, Atlanta.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مازلنا نشاهد موجة تدهور في قطاعات متنوعة من الاقتصاد على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية تتضمن الشركات الناشئة بقطاع التكنولوجيا والأسهم التقنية، والبنوك المحلية، والقلق المتنامي حول العقارات التجارية. مع ذلك، ما زلنا في انتظار ظهور آثار التباطؤ على سوق القوى العاملة الكبرى.

هل يجب أن يحدث ذلك؟ أدت الفقاعات أو فترات الفوائض الاقتصادية السابقة إلى إفراط في التوظيف والاستثمار مثلما رأينا خلال الانتعاش في أواخر التسعينيات، أو كان لدينا إفراط في منح الائتمان وعمليات التشييد، على النحو الذي واجهناه في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ارتبطت فترات التباطؤ التي جاءت عقب تلك الفترات بتصفية جزء من هذا النشاط، ما أدى لتراجع معدلات التوظيف والاستثمار.

لكن الفائض الذي شهدناه في 2020 و2021 على المستوى الوطني لم يكن مرجعه المبالغة في التوظيف أو الاستثمار، بل كان سببه الاعتقاد الخاطئ أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة. وهذا هو الفائض قيد التصفية في الوقت الحالي، وبينما من الصعب إجراء التعديل، فلا يجب أن يتسبب في تسريح الموظفين بالطريقة التي شهدناها في الماضي.

تسريحات قطاع التكنولوجيا

لنرى ما حدث في قطاع التكنولوجيا الذي شهد بعضاً من أكبر موجات تسريح الموظفين المرموقين في العام الماضي. أحد أهم أسباب تلك التسريحات كان إفراط بعض الشركات في التوظيف خلال الجائحة اعتماداً على التوجهات التي اتضح عدم استدامتها. السبب الثاني هو أن رفع أسعار الفائدة وجّه أولويات المستثمرين لزيادة الربح بدلاً من زيادة الإيرادات فحسب، ما أجبر شركات التكنولوجيا التي لم تحقق أرباحاً على خفض إنفاقها.

تسريحات موظفي "ميتا" تكشف عن نهاية حقبة تميز شركات التقنية

تشير بيانات موقع "layoffs.fyi" الذي يتتبع إعلانات التسريح في قطاع التكنولوجيا، إلى تخفيض 317 ألف وظيفة ما بين يناير 2022 ومارس 2023، قارن هذا الرقم بعدد 4.3 مليون وظيفة استحدثها الاقتصاد الأميركي على مدى العام الماضي. وصلت موجة التسريح ذروتها في يناير، ما يشير إلى أن الجزء الأكبر من عملية تصحيح الأوضاع بشأن حجم العمالة أصبح وراءنا. وفعلنا ذلك، بعد أن اجتزنا مرحلة عملية تصحيح التوظيف في شركات التكنولوجيا فيما ظل معدل البطالة منخفضاً وما زال وضع سوق العمل الوطنية قوياً.

الأزمة المصرفية في الشهر الماضي لا علاقة لها بالقروض الرديئة أو الإفراط في خلق الائتمان. فخلال الجائحة، تلقت بنوك مثل "سيليكون فالي بنك" أطناناً من الودائع واستخدمتها لشراء سندات خزانة، لكن قيمة هذه السندات انخفضت مع ارتفاع أسعار الفائدة في العام الماضي، ما تسبب في خسائر تكبدها "سيليكون فالي". تهافت المودعون للمطالبة بأموالهم، وارتبك المصرف، وتدخلت الجهات التنظيمية. لفتت الأزمة الانتباه إلى نقاط ضعف مشابهة في بنوك أخرى، ما أدى لمخاوف أكبر حول استقرار النظام المصرفي.

مشكلات التمويل في العقارات

حولت تلك المشكلات الانتباه إلى قطاع العقارات التجارية الذي كان يعاني في الأساس بسبب تراجع أسعار العقارات، لكن القطاع الآن يواجه المخاطر الإضافية لتشديد البنوك الائتمان على المقترضين التجاريين.

لماذا تتخلف صناديق عملاقة عن سداد أقساط مباني المكاتب؟

مشكلات سوق مقرات الأعمال تعد فريدة من نوعها، لكن بالنسبة لقطاع العقارات التجارية الأوسع نطاقاً تكمن المشكلة في أن عقارات عديدة مُولت بأسعار فائدة في غاية الانخفاض، ونظراً لانخفاض تكاليف التمويل بيعت بتقييمات سعرية مرتفعة، ثم زادت أسعار الفائدة وانخفضت التقييمات. هذا يعني أن أي قروض يحل موعد استحقاقها يتعين إعادة تمويلها بمعدلات فائدة أعلى، ما قد يصعب تطبيقه نظراً للتدفق النقدي الناتج عن الأصول.

هذا لا يعني أن قطاع العقارات التجارية هو ما يدعم الاقتصاد الأميركي. تراجع الاستثمار في المباني غير السكنية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته في 20 عاماً، وانخفض 40% عن مستواه في 2007.

المباني التي تواجه محنة أكبر- مثل مباني المكاتب القديمة- هي التي تولد نشاطاً اقتصادياً ضئيلاً، بل ويمكن القول إن إغلاق بعضها وإعادة تطويره سيكون له أثر إيجابي على النمو الاقتصادي، لأن عمليات الإنشاء الجديدة تستهلك موارد أكبر بكثير من العمليات اليومية لمبنى مكتبي عمره 40 عاماً.

هل تعرض البنوك للعقارات التجارية المتعثرة يمثل أزمة جديدة؟

الأمر المفاجئ في هذا التباطؤ هو أن ما يسمى بـ "تصفية الفائض" يوضح تأثير انخفاض أسعار الفائدة لأكثر من عقد، وهي حقبة رسخت فكرة أن النمو السريع والتضخم المرتفع عفا عليهما الزمن. إذا كان تعريف انتعاش أواخر التسعينيات هو "وفرة غير منطقية"، فإن حقبة أسعار الفائدة المنخفضة ترمز للتشاؤم غير المنطقي. في العادة لا تفرط في التوظيف والاستثمار في جميع أركان الاقتصاد ككل إذا تشاءم الناس من المستقبل، لذلك من المستبعد أن نشهد ذلك النوع من التباطؤ-الذي يشمل انهيار سوق العمل- الذي مررنا به بعد دورات من الفائض في الماضي.