هل يحل احتجاز الكربون من خلال الأعشاب البحرية أزمة المناخ؟

أطنان من الأعشاب تخنق شواطئ البحر الكاريبي لكن البعض يرى فيها إمكانية إزالة الكربون

أعشاب بحرية جرفتها المياه على الشاطئ، فلوريدا.
أعشاب بحرية جرفتها المياه على الشاطئ، فلوريدا. المصدر: بلومبرغ
 Lara Williams
Lara Williams

Lara Williams manages Bloomberg Opinion's social media channels.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يُساعد "كائن بحري عملاق" كامن في المحيط الأطلسي في إنقاذ الكوكب.

يزن هذا الكائن ذو اللون البني الذهبي نحو 10 ملايين رطل، ولا يُشكل أي ضرر طالما يطفو على سطح البحر، لكن إذا حطّ على الشاطئ، فستكون هناك مشكلة خطيرة. يجرفه المحيط ككتلة سميكة متشابكة من المجسات، ما يتسبب في قضائه على الشعاب المرجانية الحساسة وأشجار المانغروف الثمينة.

عندما يبدأ في التعفن، يخيف السياح، ليس فقط لأنه يُشكل عائقاً أمام وصولهم إلى الشواطئ الرملية البكر، بل لأنه يُطلق غازاً ساماً يُسمى "كبريتيد الهيدروجين"، تفوح منه رائحة كريهة أشبه برائحة البيض الفاسد، وهو غاز مُهيج وقد يسبب مشكلات في التنفس.

يُعرف هذا الكائن الغريب بـ"حزام سارغاسوم الأطلسي العظيم". أقل ما يمكن قوله، بدأ هذا الكائن الذي يبلغ طوله نحو 5 آلاف ميل، والمؤلف من الأعشاب البحرية العائمة بالخروج عن نطاق السيطرة قليلاً.

حزام سارغاسوم الأطلسي

لطالما وُجدت أعشاب "سارغاسوم" البحرية منذ آلاف السنين على شواطئ بحر "سارغاسو" (Sargasso)، ما يوفر ملجأً للكائنات الحية التي تعيش في المحيطات بما في ذلك السلطعون الصغير وأسماك "سارغاسوم" ذات المظهر الغاضب. وهناك هذا الطحلب يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من التنوع البيولوجي الغني للبحر لدرجة أنه يُشار إليه أحياناً باسم "الغابات الاستوائية الذهبية العائمة".

لكن خلال العقد الماضي، نمت هذه الطحالب بنسب مرعبة، وأصبحت تُشكل تهديداً أكثر من كونها واحة للنظم الإيكولوجية وأصحاب الأعمال على حد سواء في فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي. وشهد أصحاب الفنادق تراجعاً في معدلات الإشغال خلال مواسم نشاط الشاطئ.

أيضاً يعاني الصيادون من التأثير السلبي للطحالب على سلامة الأسماك المحلية وعلى معداتهم. قد نكون نحن "البشر" السبب وراء تضخم تواجد هذه الطحالب، حيث أدى تغير ظروف البحار الناجم عن التخلص من الأسمدة فيها والتغيرات البيئية إلى تضاعف ظاهرة السارغاسوم.

طريقة لإزالة ثاني أكسيد الكربون

لكن البعض يرى أن هناك جوانب إيجابية وإمكانات محتملة في هذه "المشكلة".

حالياً، هناك الكثير من الأبحاث والاهتمام بزراعة الأعشاب البحرية باعتبارها طريقة لإزالة ثاني أكسيد الكربون، لكن ظاهرة "سارغاسوم" جذبت شركة "سيفيلدز" (Seafields) الناشئة للأعشاب البحرية ومقرها المملكة المتحدة على وجه التحديد لسببين، وهما أنه ينمو بسرعة، ولا يحتاج إلى سطح لينمو عليه، مع ذلك تظهر الأبحاث أن امتصاصه للكربون ليس مرتفعاً مقارنةً بأنواع الطحالب الأخرى.

تقنية احتجاز الكربون من الهواء تستهلك طاقة تفوق منازل العالم

يتمثل الطموح النهائي لشركة "سيفيلدز" في إزالة ما يصل إلى 1 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً -بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً 40 غيغا طن في 2022- عبر مزارع معيارية مساحتها 94 ألف كيلومتر مربع أي تقريباً بحجم البرتغال في وسط دوامة جنوب المحيط الأطلسي، وهو نظام كبير من تيارات المحيط المتداولة.

تدور فكرة المشروع حول زراعة "السرغاسوم" واستخراج المواد المفيدة لصناعة منتجات مثل البلاستيك والوقود الحيوي أو ضغط الأعشاب البحرية في رزم وإغراقها في قاع المحيط، بعد تخزينها لانبعاثات "ثاني أوكسيد الكربون".

رؤية تتطلب سنوات

سيستغرق تحقيق هذه الرؤية وتطبيقها سنوات طويلة من الإعداد. في غضون ذلك، تسعى "سيفيلدز" إلى إنشاء ما يُسمى بمزارع "الصيد والنمو" في وقت لاحق من العام الجاري لمنع انتشار "السارغاسوم" واقترابه من الشاطئ في الدرجة الأولى.

مزيد من الأشجار يعني مدناً ألطف جواً وأكثر جمالاً

ستُموّل الشركة هذه المزارع في نهاية المطاف من خلال بيع كل من المواد المشتقة من "السارغاسوم" وبيع شهادات ائتمان الكربون مقابل الرزم المغرقة. لكن أحد التحديات التي تواجهها الشركة، إلى جانب جمع التمويل الأولي للمشروع، يتلخص في أن سوق ائتمان الكربون كما هي قائمة اليوم رخيصة للغاية وغير جديرة بالثقة كما يكفي، حيث تثبت المزيد من تعويضات الكربون أنها دون قيمة.

"من غير المجدي التفكير في أنه يمكنك إزالة طن من ثاني أوكسيد الكربون بشكل دائم مقابل 5 دولارات، بل يجب أن يكون أقرب من الهدف الذي حدده صندوق النقد الدولي البالغ 75 دولاراً للطن"، وفقاً لما أخبرني جون أوكلاند، المؤسس المشترك والرئيس التنفيذي لشركة "سيفيلدز".

لهذه الأسباب.. تغير المناخ هو الخطر الأكبر على تطور البشرية

ستحتاج أسواق إزالة ثاني أوكسيد الكربون إلى أدوات مستقلة لقياس والإبلاغ والتحقق (MRV) من صحة كل طريقة معتمدة بالإضافة إلى فهم جيد للتأثيرات البيئية، وهو أمر بالغ الأهمية عند التعامل مع النظم البيئية الطبيعية الحساسة، والتي قد لا تستجيب دائماً كما هو متوقع.

في الواقع أشارت الدراسات التي أجريت على كل من طحلب الكِلْب والسارغاسوم إلى أن فعاليتهما في إزالة الكربون قد تتراجع بمجرد أخذ النظام الإيكولوجي بأكمله وآليات التقييم في الاعتبار، وهو ما يثير قلق بعض العلماء بشأن الزيادة المفاجئة للاهتمام بـإزالة ثاني أوكسيد الكربون من خلال الطحالب.

ضرورة ضمان الدقة العلمية

من جهتها، أخبرتني آنا كييروس، كبيرة علماء البيئة البحرية وتغير المناخ في مختبر "بليموث مارين" (Plymouth Marine Laboratory) بأن العديد من الشركات "يهرع إلى إقامة مثل هذه المشاريع دون وضع أسس نجاحها". تُشارك "كييروس" في فريق مُختص بوضع اللمسات الأخيرة على مراجعات فوائد الكربون المستخلصة من زراعة الأعشاب البحرية. وذكرت في استنتاجها أنه على الرغم من القدرة الكبيرة للأعشاب البحرية على امتصاص الكربون، إلا أن عدد من العوامل مثل موقع المزرعة وأنواع الأعشاب والتأثيرات على مستوى النظام البيئي لا تزال بحاجة إلى فهم أفضل قبل أن نطالب بالتخفيف من آثار التغير المناخي.

حوافز احتجاز الكربون الأميركية ثروات تنتظر من يحصدها

لضمان استمرار شركة "سيفيلدز"، سيتعين عليها ضمان الدقة العلمية طوال العملية بأكملها، ويشمل ذلك المراقبة الدقيقة للآثار المحتملة لهذه الزراعة على نطاق واسع في أعالي البحار وإسقاط البالات في قاعها.

على الرغم من أن دوامة جنوب المحيط الأطلسي يُشار إليها أحياناً على أنها صحراء محيطية بسبب تراجع تركيزات العوالق النباتية، إلا أنها لا تزال موطناً للأنواع الكائنات المهاجرة الشهيرة بما في ذلك "أسماك شيطان البحر" أو ما يُعرف بـ"المانتا العملاقة" وحيتان البالين.

بحسب حديثي مع "أوكلاند" تبين لي أن الشركة تأخذ هذا العمل على محمل الجد، حيث تهدف لتصبح من "حُماة" المحيطات. تتعاون الشركة مع شركة أبحاث مستقلة تُعرف بـ"أي أن إي أس" (INES)، المتخصصة في دراسة التنوع البيولوجي والبيئة في البيئات البحرية، والمركز الوطني لعلوم المحيطات (National Oceanography Centre) لتقديم تقييم موسع للأثر البيئي.

التخفيف من حدة أزمة المناخ

يمكن أن تكون أساليب إزالة ثاني أوكسيد الكربون القائمة على الطبيعة مثيرة للجدل، ولكن من المهم أن ندرك أننا نعيش في عصر "الأنثروبوسين"، وأن البشر شكلوا الكوكب على طريقتهم –عن عمدٍ أو لا- لقرون عديدة. من أبرز الدلائل على ذلك حزام "سارغاسوم" الأطلسي العظيم وبقع القمامة الضخمة المتراكمة في دوامات محيطنا. مع العثور على الشوائب البلاستيكية الدقيقة في الكائنات الحية في أعماق البحار، يبدو من النادر جداً وجود أماكن لا تزال بمنأى عن النشاط البشري هذه الأيام.

هل يمكن لتقنية احتجاز الكربون أن تحل مشكلة الانبعاثات؟

أقرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن إزالة الكربون سيلعب دوراً مهماً في التخفيف من حدة أزمة المناخ. في إطار ذلك، من الضروري توحيد جهودنا والتخفيف من حدة الأضرار التي تسببنا بها والعمل على تحسينها. يمكن أن تكون مشاريع مثل "مشروع سيفييلدز" خطوة مهمة لتحقيق هذا الهدف. نحتاج فقط إلى التأكد من أننا نأخذ الوقت الكافي للاستثمار بمثل هذه المشاريع بمسؤولية ووعي.