التضخم قد يستمر حتى لو دخلنا في ركود اقتصادي

التضخم المصحوب بركود هو السيناريو الأقرب احتمالاً تزامناً مع سياسة "الاحتياطي الفيدرالي" الحالية

جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهو يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في العاصمة الأميركية واشنطن، الأربعاء، 22 مارس 2023
جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وهو يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في العاصمة الأميركية واشنطن، الأربعاء، 22 مارس 2023 المصدر: بلومبرغ
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتوقع السوق انتهاء الحرب التي يشنها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على التضخم قريباً، خصوصاً بعدما ألمح رئيس البنك جيروم باول إلى أن زيادات أسعار الفائدة توشك على التوقف. لكن على النقيض من ذلك كان مستوى التضخم في آخر إحصاء لا يزال عند 6%، ويصرّ باول على أن "الفيدرالي" سيواصل التزامه الوصول إلى مستهدف الـ2%.

قد يرى باول –إلى جانب بعض الاقتصاديين الآخرين- أن الاحتياطي الفيدرالي قد أدى دوره بما فيه الكفاية. فبعد كل شيء، يمكن أن تستغرق الزيادات في أسعار الفائدة بضع سنوات حتي ينتشر تأثيرها في أوردة الاقتصاد وتؤدي إلى خفض التضخم. كما يمكن أن تكون الأزمات المصرفية الحالية بمثابة أول علامة على سريان مفعول هذه الزيادات.

في غضون ذلك، لم يعُد المتنبئون بتحقيق "الفيدرالي" للهبوط السلس يتوقعون نجاحه في ذلك، بل يرون مجدداً أن الولايات المتحدة تقترب من الركود، الذي من المفترض أن يضع المسامير الأخيرة في نعش التضخم.

الوصول إلى مستهدف التضخم

لكن لسوء الحظ لا يمكننا الاعتماد على الركود لحل مشكلة التضخم، فالاحتمالات ترجح أن "الفيدرالي" لا يزال يتوجب عليه القيام بمجهود أكبر إذا كان جاداً بشأن إعادة التضخم إلى مستهدف الـ2%.

ليس هذا فحسب، فالعلاقة بين السياسة النقدية وتأثيرها في الاقتصاد والتضخم لم تعُد مفهومة بشكل كامل، فسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشدداً من شأنها تقليل المعروض النقدي، الذي يُفترض أن يخفض بدوره التضخم من منطلق أن هناك أموالاً أقل تتدفق إلى السوق. ولكن كما أوضح بيل دادلي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك، بعدما شرع "الفيدرالي" في دفع الفائدة على احتياطيات البنوك التي يحوزها، أصبح حجم المعروض النقدي أقل أهمية لأن العلاقة بين المعروض النقدي والائتمان انتهت.

هل يحقق "الفيدرالي" هبوطاً سلساً أم حاداً؟ أم ما بين الاثنين؟

مع ذلك، من المفترض أن يؤدي ارتفاع سعر الفائدة إلى انكماش الاقتصاد لأنه يجعل الائتمان أقل حجماً وأكثر تكلفة. هذا يعني تراجع الاستثمارات، وتعثر مزيد من الشركات، وشراء وبناء عدد أقل من الأشخاص للمنازل، وفي نهاية المطاف سيؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة. في هذه المرحلة يحصل العمال على زيادات أصغر في الرواتب -هذا إذا حصلوا عليها أصلاً- ويكون الناس عموماً أكثر تشاؤماً وأقل إنفاقاً. وبالتالي ينخفض الطلب، مما يؤدي إلى ترويض التضخم. وهذا هو السيناريو المتوقع في مثل هذه الحالات.

تضخم مصحوب بركود

لكن هناك كثير من الأجزاء المتغيرة هنا، وكما أوضحت السنوات الثلاث الماضية، لا تعمل الأشياء دائماً كما نتوقع. وهناك احتمال أن ندخل في ركود ويستمر التضخم المرتفع في الوقت ذاته، وهذا يعني بشكل أساسي عودة التضخم المصحوب بالركود الذي عانينا منه في السبعينيات. ويمكن أن يحدث هذا إذا كان الركود مصحوباً بصدمة أخرى في العرض، مثل تراجع التداولات أو زيادة أسعار الطاقة.

يقول بعض الاقتصاديين إنّ التضخم المصحوب بركود في السبعينيات كان بسبب السياسة النقدية التوسعية، ما يعني أنه إذا دفع الركود الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة أو إعادة سياسات التيسير الكمي قبل أن يهدأ التضخم، فقد ينتهي بنا الأمر إلى صعود التضخم والركود معاً.

الاحتمال الآخر هو خفض الركود للتضخم بنسبة بسيطة، لكن ليس كثيراً. وأشار الخبير الاقتصادي جيسون فورمان مؤخراً إلى أن فترات الركود القليلة الماضية أدت إلى خفض التضخم بين 0 و1.9 نقطة مئوية فقط، فيما نحتاج حالياً إلى تراجع التضخم بما يزيد على 2.5 نقطة للعودة إلى مستهدف الفيدرالي. لكن بالطبع يختلف كل انكماش اقتصادي عن أي انكماش آخر، وكلما زادت حدته قل التضخم.

تراجع حاد في الاقتصاد الأميركي

لكننا لا نعرف بالضبط إلى أي مدى يجب أن يسوء الركود حتى نروض التضخم، فقد مر أكثر من 40 عاماً منذ أن عانينا من موجة تضخم كبيرة وتغير كثير منذ ذلك الحين. ويقدر الاقتصاديون أنه في الماضي كان الأمر يتطلب عادةً انخفاضاً بنسبة 2% إلى 3% في الناتج المحلي الإجمالي لخفض التضخم بمقدار نقطة مئوية واحدة.

لكن نظراً إلى أن العلاقة بين معدل البطالة والتضخم أصبحت أضعف منذ الثمانينيات، فقد يكون انكماش الاقتصاد الأميركي بمعدل أكبر بكثير من ذلك أمراً ضرورياً الآن. يفترض بنك الاحتياطي الفيدرالي أن البطالة ستحتاج إلى الارتفاع لمعدل الذروة البالغ 4.6% لخفض التضخم إلى 2%، لكن هذا يبدو متفائلاً للغاية.

النقد وحده لن يدفع عجلة الاقتصاد الأميركي

إذا دققنا النظر في موجات التضخم السابقة، فسندرك أن الأمر يتطلب انخفاضاً أكبر بكثير في الناتج المحلي الإجمالي للوصول إلى مستهدف التضخم البالغ 2%. صرح لاري سمرز، وزير الخزانة الأميركي السابق، خلال الخريف الماضي، أن معدل البطالة يجب أن يرتفع إلى 6% للوصول إلى هذا المستهدف.

الركود المعتدل احتمال ضعيف

لذا، من المحتمل ألا يكون الركود المعتدل، أو سيناريو النمو المنخفض الذي يحاول "الفيدرالي" الوصول إليه، كافياً لتحقيق مستهدف الـ2%. فذلك الأمر لم يكن كافياً في الثمانينيات، وهناك أسباب للاعتقاد بأنه سيكون أقل فاعلية الآن، لأنه رغم الضرر الذي سيلحقه الانكماش الائتماني بالأسواق فإن الاقتصاد لا يزال مرناً إلى حد ما، ولا تزال الميزانيات العمومية للأسر والشركات جيدة منذ فترة انتشار الوباء، ولا يزال كثير من الأسر يدفعون فوائد منخفضة على الرهن العقاري، ولم تعد قراراتهم المتعلقة بالإسكان حساسة للغاية لتحركات أسعار الفائدة بعد الآن.

خبراء "وول ستريت" يحذّرون من تباطؤ اقتصادي حاد يلوح في الأفق

السبب الآخر الذي قد يجعل الركود الناجم عن قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي أقل فاعلية هو أن البنك فقدَ بعض مصداقيته، إذ تكون زيادات أسعار الفائدة أكثر تأثيراً عندما يعتقد الناس أن "الفيدرالي" عازم حقاً على خفض التضخم.

فحينما يتوقع الناس انخفاض التضخم لا يرفعون الأسعار أو يطلبون زيادات كبيرة في الأجور. ولكن إذا استمرت توقعاتهم لارتفاع التضخم فلن يكون الركود -خصوصاً المعتدل منه- كافياً لخفضه.

تراجع مصداقية "الفيدرالي"

إحدى علامات التفاؤل هنا هي أن مؤشرات سوق السندات لتوقعات التضخم تشير إلى تراجعه. لكن سوق السندات كثيراً ما أخطأت في تنبؤات التضخم. كما أن توقع الأسواق لخفض أسعار الفائدة رغم تحدث محافظي الاحتياطي الفيدرالي عن رفعها يشير إلى أن مصداقية البنك آخذة في الانخفاض.

إذا استمرت تلك الحال فقد يؤدي الركود إلى الإضرار بالاقتصاد وانتشار البطالة ما لم نبذل جهداً أكبر لكبح التضخم. سيكون الاحتياطي الفيدرالي في موقف أكثر صعوبة حتى مما هو عليه الآن، وتنحصر خياراته بين التسبب في مزيد من المعاناة للاقتصاد، أو تعلم كيفية التعايش مع معدلات التضخم الأعلى.