لماذا تمثل عودة "شركات الزومبي" مشكلة اقتصادية؟

تشديد البنوك المركزية للسياسة النقدية ينذر بزيادة الشركات والبنوك المتعسرة التي تتفادى الانهيار

مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، الولايات المتحدة
مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

رأينا في عدة أفلام سينمائية من قبل كائنات الزومبي وهي تجتاح الأرض، وتهدد بإصابة من حولها بالعدوى وتعرقل النمو الاقتصادي. وقد لا يبدو هذا السيناريو مخيفاً مثل مسلسل "The Walking Dead"، لكن خطر شركات الزومبي – وهي الشركات التي تواجه صعوبات في سداد خدمة ديونها أو البنوك التي تواجه الإعسار بالفعل لكنها تتفادى الانهيار – حقيقي.

ارتبط ظهور هذه الشركات بعهد الأموال السهلة الذي أنهاه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنوك مركزية أخرى العام الماضي، حينما رفعت أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة.

والآن، ينذر تشديد السياسة النقدية بظهور شركات زومبي جديدة والقضاء على أخرى تتعلق بقشة للنجاة. فيما يواجه مصرفيو البنوك المركزية تحقيق توازن صعب، ويسعون لتهدئة التضخم دون زيادة أعداد الشركات التي تندرج مالياً في فئة "الزومبي".

1) ما هي شركات وبنوك الزومبي؟

يشير مصطلح شركة الزومبي عادةً إلى شركة لا تكسب ما يكفي لسداد تكاليف الفوائد لفترة مطوّلة. وينعكس ذلك في القوائم المالية التي تكون نسبة تغطية الفوائد أقل من واحد.

استخدم ريكاردو كاباريللو، أستاذ العلوم الاقتصادية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، المصطلح في 2008 لتحليل العقد الضائع في اليابان، الذي تزامن مع تسعينيات القرن الماضي. ثم نال المصطلح شهرة أكبر في الولايات المتحدة خلال الأزمة المالية العالمية وبعدها.

لكن إدوارد كاين من كلية بوسطن بأميركا هو من صاغ المصطلح بالأصل في أواخر الثمانينيات، وحاول من خلاله وصف البنوك المسموح لها بالاستمرار في أنشطتها رغم أنها بالأساس تعرضت للتصفية بسبب خسائر الرهون العقارية التجارية. وسواء كان الكيان شركة أو بنك زومبي، فالمبدأ واحد؛ إذ يمكن لتلك الكيانات الاستمرار في العمل على أمل عودة الحياة لها يوماً ما.

2) ما عدد شركات الزومبي الموجودة حالياً؟

تتباين التقديرات، لكن نحو 15% من الشركات المدرجة في الدول المتقدمة اعتُبرت من شركات الزومبي حتى 2017، بارتفاع من قرابة 4% في أواخر الثمانينيات، وذلك وفقاً لدراسة أجراها بنك التسويات الدولية. كما يقدِّر تحليل أجراه "غولدمان ساكس" في 2022 أن نسبة شركات الزومبي في الولايات المتحدة ربما تبلغ نحو 13%.

أظهرت دراسة أجراها الاحتياطي الفيدرالي أن عدد شركات الزومبي بين الشركات المدرجة كان يتأرجح بالقرب من 10% بين عامي 2000 و2020، مع ارتفاع أعدادها خلال فترات الركود. وحصلت شركات مثل "إيه إم سي إنترتينمنت" (AMC Entertainment Holdings) و"كارنيفال" (Carnival Corp) على لقب شركات الزومبي في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

نهاية الأموال السهلة تُحدث صدمة مالية حول العالم قيمتها 410 مليارات دولار

قدّر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أنه في السنوات التي سبقت وباء كوفيد، كان من الممكن تصنيف ما يقرب من 5% من الشركات هناك بأنها من فئة شركات الزومبي. ومنذ 2016، فرضت الصين إصلاحات في اقتصاديات الموارد الجانبية، وذلك بهدف القضاء على عدد من شركات الزومبي، خصوصاً في القطاع الحكومي، حيث كان وجود تلك الشركات عند أعلى مستوياته في قطاعي الحديد والفحم.

3) ما السبب وراء ظهور شركات الزومبي؟

تصمد شركات الزومبي بسبب قواعد الاقتراض السهلة، وكان المناخ ملائماً لوجودها خلال العقد الماضي بعدما خففت السلطات المعنية السياسات النقدية لتحفيز الاقتصادات.

عصر الأموال السهلة انتهى.. ما الذي سيتغير؟

وخلال جائحة كوفيد على نحو خاص، خفضت عدة بنوك مركزية أسعار الفائدة الرئيسية إلى مستويات قياسية، فيما عزز بعضها أيضاً عمليات شراء السندات لخفض عائدات السوق.

لا يزال تأثير تلك المساعدات محل نقاش. وأوضحت مذكرة من الاحتياطي الفيدرالي في 2021 أن شركات الزومبي لم تستفد من أسعار الفائدة المواتية على نحو خاص خلال الجائحة. ويقول آخرون إن شركات الزومبي كانت موجودة، لكنها لم تكن ظاهرة للعيان إلى أن قفزت أسعار الفائدة.

4) هل ازداد عدد شركات الزومبي؟

يظهر عدد أكبر من هذه الشركات الآن. وقد يتسبب ارتفاع تكاليف خدمة الدَّين في تحويل شركة عرضة للمخاطر إلى إحدى شركات الزومبي، بينما ترتفع أسعار الفائدة بالفعل حول العالم.

على سبيل المثال، واجهت قرابة 36% من شركات التطوير المدرجة في كوريا الجنوبية صعوبات في سداد خدمة ديونها بأكملها خلال العام الماضي، بارتفاع من 29% في 2021، وفقاً لبنك كوريا. وهناك عدد أقل من هذه الشركات في الدول التي ما تزال تكاليف الاقتراض فيها منخفضة للغاية.

واعتُبر 13% تقريباً من الشركات في اليابان من شركات الزومبي في العام المنتهي مارس 2022، وفقاً لشركة الأبحاث "تيكوكو داتابنك" (Teikoku Databank). ورغم أن ذلك يمثل ارتفاعاً من 9.9% منذ عامين، إلا أن المعدل يظل منخفضاً نسبياً هناك، وجاء نتيجة مخالفة الدولة الآسيوية لسياسة البنوك المركزية الأخرى، حيث حافظ بنك اليابان على التيسير النقدي المفرط، مع خفض تكاليف الاقتراض.

5) ماذا عن البنوك؟

عكست تقلبات السوق التي أعقبت انهيار مصرف "سيليكون فالي بنك" في مارس، مخاوف من أن النظام الجديد الذي يتسم بأسعار الفائدة الأعلى قد أضعف المقترضين من الشركات، إلى جانب أجزاء حيوية من القطاع المصرفي.

كما ظهرت مشكلات "سيليكون فالي بنك" و"سيغنتشر بنك"، الذي أغلقته الجهات التنظيمية، نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدها البنكان في حيازات السندات طويلة الأجل، التي انخفضت قيمتها السوقية مع ارتفاع أسعار الفائدة.

قراءة في أسباب أزمة المصارف الأخيرة وتوابعها المحتملة على الاقتصاد

وقالت الجهات التنظيمية إن هذه الظاهرة تسببت في خسائر بقيمة 620 مليار دولار في جميع أنحاء القطاع المصرفي الأميركي بنهاية 2022. وواجهت البنوك الأصغر حجماً أيضاً مشكلة ارتفاع التكاليف، إذ سحبت صناديق سوق المال، المعروفة بعائداتها الأعلى، الودائع من البنوك.

ولم يترك ذلك للبنوك المحلية على نحو خاص خياراً سوى خسارة تمويل بالمليارات أو رفع أسعار الإيداع الخاصة بها وتقليص أرباحها.

6) كيف تثقل شركات الزومبي كاهل الاقتصاد؟

نظراً لأنها محبوسة في دورة من النمو والإنتاج اللذين يتسمان بالركود، تسحب شركات الزومبي رأس المال الذي يمكن لشركات مبتكِرة استثماره في منتجات وخدمات جديدة.

"وول ستريت" تستبعد حلم "الهبوط السلس" مع رهان 92% على الركود التضخمي

على سبيل المثال، كانت استثمارات الأعمال لشركة عادية سترتفع بنسبة 2% في المتوسط في 2013، إذا لم تتغير حصة شركات الزومبي عن مستواها خلال 2007، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ولا تقوّض شركات الزومبي الاستثمار وحسب، بل قد يتسبب انهيارها المفاجئ أيضاً في خسائر فادحة بالوظائف وخفض الاستهلاك ومزيد من التشديد في الإقراض، ما قد يدفع بشركات أخرى نحو حافة الإفلاس.

7) ما الخطوات التي يمكن اتخاذها حيال شركات الزومبي؟

رغم أن الخطوة الفعّالة اقتصادياً فيما يتعلق بشركات الزومبي هي إغلاقها، فإن استمرار الظاهرة لفترة طويلة يمثل علامة على مدى صعوبة إغلاق تلك الشركات.

تحذر الدراسة التي أجراها بنك التسويات الدولية من احتمال بنسبة 85% أن تظل شركات الزومبي في الوضع نفسه خلال العام المقبل، أي بارتفاع من نحو 70% في أواخر الثمانينيات.

ويكمن أحد جوانب المشكلة في أن التحول الهبوطي في الاقتصاد، الذي يسلط الضوء على شركات الزومبي، هو الوضع نفسه الذي قد ترغب فيه الحكومات حتى تتمكن من تقليل أزمات الإفلاس وعمليات إغلاق البنوك.