رهان "إنتل" على تصنيع الرقائق قد يقسم السوق إلى ثلاثة أجزاء

سيكون من الصعب اللحاق بقادة صناعة أشباه الموصلات والبقاء معهم في الصدارة.. السيناريو المرجح هو تقسيم القطاع إلى ثلاثة أقسام

الرئيس الأميركي جو بايدن لدى وصوله لحضور حفل افتتاح منشأة "إنتل" الجديدة لتصنيع أشباه الموصلات بالقرب من نيو ألباني بولاية أوهايو، الولايات المتحدة
الرئيس الأميركي جو بايدن لدى وصوله لحضور حفل افتتاح منشأة "إنتل" الجديدة لتصنيع أشباه الموصلات بالقرب من نيو ألباني بولاية أوهايو، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Tim Culpan
Tim Culpan

Tim Culpan is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تهدف خطة "إنتل" الجريئة لدخول صناعة الرقائق المخصصة إلى مواجهة هيمنة شركة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ"، وتعزيز المعروض من الصناعة الرائدة. لكن مع ذلك فمن المرجح أن تقسّم هذه الحركة السوق إلى ثلاثة أجزاء، تاركة الشركة العملاقة الأميركية محاصرة في الوسط.

أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "أنتل"، بات غيلسنجر، عن نيته فتح محطات للتصنيع تابعة للشركة أمام العملاء الخارجيين قبل عامين، إضافة إلى استثمار 20 مليار دولار في منشأتين جديدتين بولاية أريزونا في الولايات المتحدة.

مصنع أشباه الموصلات رقم (2) في العالم

في أوائل العام الماضي، أعلنت "إنتل" عن خطة إضافية لبناء موقع بتكلفة 20 مليار دولار في ولاية أوهايو. قال راندير ثاكور، رئيس قسم "إنتل فاوندري سيرفسز" (Intel Foundry Services)، لمجلة "نيكي آسيا" (Nikkei) في نوفمبر: "نطمح إلى أن نكون مصنّع أشباه الموصلات رقم (2) في العالم بحلول نهاية العقد.. وهذا يعني تجاوزنا لشركة (تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ) أو (سامسونغ إلكترونيكس)".

"إنتل" تتحرك لاستعادة بريق إنتاج الرقائق الإلكترونية

في الحقيقة، هذا ليس بالأمر الصعب إذا كنت تتلاعب بتعريف مصنع أشباه الموصلات. فعلى سبيل المثال، تُعتبر "سامسونغ" ثاني أكبر شركة لأن باحثي السوق يدرجون جميع المبيعات التي تحصل عليها الشركة العملاقة الكورية الجنوبية من صنع الرقائق التي تصممها وتستخدمها في أجهزتها الخاصة. يوجد منطق في هذه العملية الحسابية: إذا لم تصنع "سامسونغ" هذه الرقائق فإن شركة أخرى ستصنعها. وفقاً لهذا المعيار، بلغت عائدات مصنع "سامسونغ" لأشباه الموصلات العام الماضي 30 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي مبيعات "إنتل" 63 مليار دولار، و67 مليار دولار لشركة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ".

لكن الهدف ليس أن تكون الشركة في المرتبة الثانية من حيث حصة الأرباح. ما تهدف إليه "إنتل" أيضاً هو أن تصبح رائدة في مجال هذه التكنولوجيا، ما يعني تطوير عمليات تصنيع متقدمة يمكنها منافسة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ"، و"سامسونغ". الآن هي متأخرة ببضع سنوات. فبعد أن كانت في يوم من الأيام الشركة الأميركية الرائدة على مستوى العالم، خسرت حصة من السوق خلال العقد الماضي، إذ تقدم منافسوها في كل من البحث والتطوير، وتوسيع الطاقة الإنتاجية.

التقدم للحفاظ على المنافسة

لكي تتمكن "إنتل" من اللحاق بالركب، لا تحتاج فقط إلى التقدم بشكل أسرع من "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" في سباق الوصول إلى الجيل التالي من تكنولوجيا الرقائق، ولكن أيضاً تحويل القدرة على البحث عن أحدث تقنيات الرقائق إلى إنتاج كميات كبيرة الحجم ذات معدل منخفض من العيوب (المعروف باسم الإنتاجية).

تايوان تزود أميركا بمعدات صناعة الرقائق الإلكترونية بكميات قياسية

إن وتيرة التطور، التي حددها قانون "مور" (Moore’s Law)، تعني أن المحافظة على المنافسة تتطلب الانتقال إلى الخطوة التالية كل عامين أو أسرع.

تركت هذه المعركة المعقدة والمكلفة بشكل متزايد الخصوم في مراتب متأخرة. قبل عقدين، كانت شركة تصنيع الرقائق التايوانية "يونايتد مايكرو إلتكرونيكس كورب" في مستوى متقارب مع "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" في تكنولوجيا التصنيع. لكن اليوم، الجيل الأكثر تقدماً الذي تنتجه -عند 28 نانومتراً– هو من إنتاج "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ"، الذي جرى إصداره للمرة الأولى منذ 12 عاماً. تأتي "يو إم سي" (UMC) ثالث أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم، قبل "سيميكوندوكتور مانيوفاكتشرينغ إنترناشيونال كورب" من شنغهاي، وشركة "غلوبال فاوندريز إنك" التي مقرها في مدينة مالطا بنيويورك، وكلتاهما تتأخر أكثر في التكنولوجيا.

انقسام السوق

أدى هذا النموذج الذين يقسم الشركات بين رائدة ومتأخرة إلى تشعّب مستقر للسوق. تهيمن "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" و"سامسونغ" على الرقائق المتطورة المستخدمة في الهواتف الذكية، وخوادم الذكاء الاصطناعي، وتعدين العملات المشفرة. كل شركة أخرى تتعامل مع الدرجة الأقل تطوراً، بما في ذلك المكونات المستخدمة في السيارات، ومكبّرات الصوت الذكية، والروبوتات الصناعية. يتكون نحو 50% من سوق صناعة الرقائق حالياً من منتجات مصنوعة من 16 نانومتراً وأصغر، وهو مجال تشغله هاتان الشركتان القياديتان بشكل حصري تقريباً.

يتمثل أحد الجوانب المهمة لهذه الديناميكية في أن المتسابقين المتقدمين يتقدمون باستمرار إلى الجيل التالي، فيما يظل التقدم من قِبل المتخلفين بطيئاً. على سبيل المثال، في العام الماضي، قفزت عائدات شركة "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" لأفضل تقنية 5 نانومترات بنسبة 79%، فيما ارتفعت عائدات أفضل التقنيات السابقة 7 نانومترات بنسبة 15%. لم يكن منتج 5 نانومترات هذا متاحاً حتى قبل ثلاث سنوات، وقد أعلنت الشركة بالفعل عن تصنيع خدمة 3 نانومترات في ديسمبر 2022. وعلى النقيض من ذلك، فإن أفضل عروض "يو إم سي"، التي جرى إطلاقها قبل عقد، حققت نمواً في الإيرادات بنسبة 14% فقط العام الماضي.

أميركا توسع حملتها ضد بكين وتحظر التصدير لعشرات الشركات الصينية

تهدف القيود الأميركية الأخيرة المفروضة على الوصول إلى تكنولوجيا التصنيع إلى وقف أي تقدم إضافي من جانب الشركات الصينية مثل "سيميكوندوكتور مانيوفاكتشرينغ إنترناشيونال كورب"، وشركة "يانغتزي ميموري تكنولوجيز" (Yangtze Memory Technologies). ورغم ذلك فإنه من المستبعد أن يخلق هذا الإجراء فرقاً كبيراً بالنسبة إلى "يو إم سي"، و"غلوبال فاوندريز"، إذ يُرجّح أن تتراجع الشركتان بدرجة أكبر خلال العقد المقبل.

الوسط غير الواضح

على الأرجح ستكون "إنتل" عالقة في الوسط. حتى إذا تمكن غيلسنجر من سد الفجوة الموجودة بين "إنتل" وكل من "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينغ" و"سامسونغ" في تكنولوجيا التصنيع، كما تتوقع خريطة طريق التطوير الجريئة التي أعلن عنها، فإنه يحتاج إلى إقناع أهم عملاء الرقائق في العالم بأنه يمكن الوثوق بـ"إنتل"، ليس فقط بتصميماتها، بل أيضاً بتقديم المنتجات في الحجم وفي الوقت المحددين، وبأقل قدر من العيوب.

هل تتجه صناعة الرقائق الإلكترونية نحو أزمة؟

يُعَدّ جذب العملاء الرائدين جزءاً مهماً من عملية التطوير لأن المورّد والعميل يعملان معاً بشكل وثيق، ويتعلم بعضهما من بعض في معركة متواصلة يسابقان فيها الزمن. اليوم، أكبر المشترين لقدرات تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة هم شركات "أبل"، و"إنفيديا كورب"، و"أدفانسد مايكرو ديفايسز". تخلت الشركة المصنعة لأجهزة "أيفون" عن "إنتل" باعتبارها مورّدة لمعالجات "ماك" منذ عامين، فيما تُعَدّ "إنفيديا كورب" و"ادفانسد مايكرو ديفايسز" منافستين شرستين في سوق الحوسبة عالية الأداء مثل الخوادم.

ميزة "صُنِع في أميركا"

لذا، بدلاً من اللحاق بالمنافسين ومواكبتهم عاماً بعد عام، هناك احتمال بأن تتراجع "إنتل" مرة أخرى من خلال بضع دورات تطوير في غضون نصف عقد. عندها سنرى تفرعاً ثلاثي الأبعاد للسوق، مع عدم وجود "إنتل" في المقدمة ولا في الخلف. قد يكون التنقل في هذا الوسط عديم الوضوح صعباً، فلن تتمكن "إنتل" من فرض الأسعار ذاتها مثل قادة السوق، ولن تتمتع بالمزايا منخفضة التكلفة التي يتمتع بها المتأخرون في المنافسة.

أربع دول آسيوية تقود تنويع الولايات المتحدة لسلسلة توريد الرقائق

لكن لا يزال من الممكن أن تكون هناك سوق مربحة تتعدى الإمداد، إذا تمكنت "إنتل" من إقناع العملاء الاستراتيجيين مثل إدارة بايدن، والشركات الحساسة للأمن القومي في الدفاع، وصناعة الفضاء، وإدارة البيانات، بأنه لا يمكن الوثوق إلا بشركة أميركية ذات رقائق أميركية الصنع. تعتمد هذه الاستراتيجية على إقناع "إنتل" لمثل هؤلاء العملاء بأن التكنولوجيا المتطورة ليست ضرورية -وفي كثير من الأحيان هذا صحيح– وأن الاكتفاء بتقنيات متقدمة بشكل كافٍ سيفي بالغرض.

هذا يعني أن "إنتل" قد تحتاج إلى الاعتماد، ليس فقط على الخطوات الجريئة والاختراقات التكنولوجية، ولكن أيضاً على مهارة البيع الذكية، وكرم حكومة الولايات المتحدة.