كيف عزز "بريكست" والتركيبة السكانية قضية وحدة ايرلندا؟

تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي وتغيُّر العوامل الديموغرافية وراء إعادة إحياء النقاش حول الاتحاد

العلم الوطني الايرلندي يرفرف فوق مبنى مكتب البريد في شارع أوكونيل في دبلن، ايرلندا.
العلم الوطني الايرلندي يرفرف فوق مبنى مكتب البريد في شارع أوكونيل في دبلن، ايرلندا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مايو 1921 انقسمت جزيرة ايرلندا إلى اثنين، وكانت نتيجة ذلك الانقسام ايرلندا الشمالية، كجزء من المملكة المتحدة، وما أصبح لاحقاً جمهورية ايرلندا. بعد قرن من الزمان، عادت فكرة إعادة التوحيد في نهاية المطاف إلى السطح من جديد.

وهناك احتمال ضئيل لإجراء استفتاء في المستقبل القريب، لكن تغيُّر التركيبة السكانية، مقترناً بالقوى التي أطلقتها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، يشير إلى احتمال إجراء اقتراع يوماً ما، وهذا على افتراض أن الحكومة البريطانية سترضى بإجراء استفتاء مماثل.

1) ما أسباب انقسام ايرلندا؟

وقفت اتفاقية السلام بين السلطات البريطانية والمتمردين الايرلنديين -ممن سعوا للاستقلال بعد قرون من الحكم البريطاني- وراء تعزيز الانقسام في عام 1921.

ظلت ايرلندا الشمالية، التي يُعد أغلبية سكانها من البروتستانت (وأغلبهم من نسل المستوطنين من بريطانيا)، جزءاً من المملكة المتحدة. أما الجانب الجنوبي من الجزيرة، الذي يُعد أغلب سكانه من الكاثوليك، فأصبح الدولة الايرلندية الحرة قبل أن يعلن رسمياً أنه تحول إلى جمهورية في 1949.

2) لماذا تجدد الحديث حول إعادة التوحيد الآن؟

حصل حزب "شين فين" (Sinn Fein)، الذي يقوم بحملات تدعو لإعادة توحيد ايرلندا، على أغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية لايرلندا الشمالية في 2022.

واكتسبت القضية مزيداً من الزخم جزئياً بسبب استفتاء "بريكست" في 2016، الذي اختار فيه 52% من البريطانيين ممن أدلوا بأصواتهم، الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن 56% من المصوّتين في ايرلندا الشمالية اختاروا البقاء فيه.

ايرلندا الشمالية تُبقي المملكة المتحدة وأوروبا في خلاف مستمر

وفي أسكتلندا -التي دعمت الأغلبية فيها أيضاً قرار البقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي- أثارت فكرة الخروج من التكتل، الذي يضم 27 دولة، النزعة القومية. (تضم المملكة المتحدة أيضاً إنجلترا وويلز).

نحو 88% من سكان ايرلندا الشمالية الذين يعتبرون أنفسهم قوميين (أي يدعمون فكرة توحيد ايرلندا) صوّتوا ضد "بريكست". وذلك مقارنة بالثلث فقط، ممن يُعرفون باسم "المتحدين"، الذين يرغبون أن تظل ايرلندا الشمالية جزءاً من المملكة المتحدة.

3) لماذا يجب الحصول على موافقة بريطانيا لإجراء استفتاء؟

تنص اتفاقية الجمعة العظيمة على ذلك– وهي اتفاقية سلام عُقدت في 1998 وأنهت بشكل كبير ثلاثة عقود من العنف الطائفي الدموي.

بموجب شروط الاتفاقية، لا يمكن لشخص سوى وزير الدولة لشؤون ايرلندا الشمالية الدعوة لإجراء تصويت على إعادة توحيد ايرلندا –ويُشار إلى هذه العملية بـ"استطلاع الحدود"– وذلك فقط حينما يبدو "مرجحاً" أن الأغلبية هناك ستدعمه.

اتفاق بريطاني أوروبي وشيك حول مسألة ايرلندا الشمالية

لا تقدم الاتفاقية تعريفاً لكلمة "مرجح"، لكن السيناريوهات تشمل مسوحاً عدة تدعم إعادة التوحيد أو تشير إلى وجود أغلبية ذات نزعة قومية متمسكة بموقفها بين صُناع القانون في ايرلندا. وإذا لم تكن نتيجة الاستفتاء لصالح إعادة التوحيد، لا يمكن إجراء استفتاء آخر إلا بعد سبع سنوات.

4) هل لجمهورية ايرلندا رأي في الأمر؟

الموافقة على إعادة التوحيد مطلوبة على جانبي الحدود بموجب اتفاقية الجمعة العظيمة، ما يعني أن الاستفتاء سيجري أيضاً في جمهورية ايرلندا.

تدعم استطلاعات الرأي في الجنوب وحدة ايرلندا باستمرار. ووجد مسح، أُجري لصالح صحيفة "أيريش تايمز" (Irish Times) ونُشر في ديسمبر 2022، أن 66% من المشاركين فيه فضّلوا وحدة ايرلندا، فيما كان 16% ضدها و13% مترددين.

ملف "بريكست" وايرلندا الشمالية في دائرة الضوء من جديد

إذا صوّتت ايرلندا الشمالية (التي يبلغ تعدادها 1.9 مليون نسمة) ضد إعادة التوحيد، سيجري رفض الإجراء بغض النظر عن نتيجة التصويت في الجنوب (الذي يبلغ تعداد السكان فيه 4.9 مليون).

5) ما أهمية التركيبة السكانية؟

أظهر التعداد السكاني لعام 2021 في ايرلندا الشمالية أن أعداد الكاثوليك أكبر من البروتستانت للمرة الأولى، إذ قال 46% من المشاركين في استطلاع الرأي إنهم من الكاثوليك أو نشأوا على هذا المذهب، فيما قال 43% إنهم من البروتستانت أو أحد الفروع الأخرى من المسيحية.

ليس كل البروتستانت من المتحدين وليس كل الكاثوليك قوميين، لكن الهوية الدينية تميل لأن تكون مؤشراً جيداً على الموقف من فكرة ايرلندا الموحدة. في التعداد السكاني السابق في 2011، قال 48% إنهم من البروتستانت و45% إنهم من الكاثوليك. (وفي 1971، كانت نسبة الكاثوليك 31% فقط من التعداد السكاني).

6) متى يجري تنظيم استفتاء للرأي؟

بعد انتصار حزبها في الانتخابات في الشمال العام الماضي، قالت ماري لو ماكدونالد، زعيمة "شين فين"، إنه من الممكن إجراء استفتاء خلال خمس سنوات، رغم أن الحكومتين في دبلن ولندن قللتا من أهمية الفكرة.

أضاف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طبقة أخرى من التعقيد للقضية، وذلك لأن كل الأحزاب أرادت تفادي فرض حدود جمركية بين ايرلندا (في الاتحاد الأوروبي) وايرلندا الشمالية (التي لم تعد جزءاً من الاتحاد الأوروبي)، خوفاً من أن تثير هذه الحدود التوترات.

ورغم أن العنف هدأ بشكل كبير منذ اتفاقية الجمعة العظيمة، أجرت السلطات تحقيقاً فيما إذا كان "الجمهوريون المنشقون الذين يستخدمون العنف" مسؤولين عن إطلاق النار على شرطي في غير ساعات الدوام في فبراير الماضي.

ماذا يمثل إطار عمل "وندسور" لايرلندا الشمالية؟

نسب بعض المتحدين أيام العنف الطائفي التي وقعت في 2021 إلى مخاوف من أن علاقات المنطقة مع بريطانيا تتداعى بموجب اتفاقية "بريكست". وعُقدت اتفاقية جديدة باسم "إطار عمل وندسور" في فبراير الماضي، في محاولة لحل المشكلة.

7) ما نتيجة المسوح التي أُجريت؟

أشارت مسوح قليلة للغاية في ايرلندا الشمالية إلى وجود أغلبية تدعم إعادة التوحيد. فيما أظهر مسح أجرته صحيفة "أيريش تايمز" في ديسمبر الماضي أن نصف إجمالي عدد المشاركين ممن في الشمال سيصوّتون ضد وحدة ايرلندا، فيما يرحب 26% فقط بذلك.

ايرلندا: لسنا في وضع يسمح بالانضمام إلى اتفاقية الضرائب العالمية

كما أظهر مسح آخر العام الماضي أن حجم الدعم لفكرة الوحدة سيتراجع إذا اضطر المصوّتون لدفع ضرائب أعلى من أجل الوحدة. رغم ذلك، فإن نسبة كبيرة من عدد الناخبين –بلغت 19% في مسح "أيريش تايمز"– كانت مترددة بشأن اختيارها في حالة إجراء استطلاع الحدود.

8) ما العقبات أمام توحيد ايرلندا؟

تطمح كل الأحزاب السياسية الايرلندية الرئيسية علناً إلى توحيد ايرلندا في نهاية المطاف. لكن فيما عدا "شين فين"، يتوخى أغلبها الحذر جزئياً بسبب العواقب المحتملة لذلك.

في الوضع الراهن، تقدم المملكة المتحدة دعماً سنوياً يبلغ 10 مليارات جنيه إسترليني (12.5 مليار دولار) إلى ايرلندا الشمالية، وهي منطقة فقيرة نسبياً تشهد نسبة إنفاق اجتماعي عالية، ولا تزال تحاول إعادة بناء اقتصادها بعد عقود من العنف.

هناك أيضاً صعوبة محتملة في امتصاص مجتمع من المتحدين الذين يعارضون مبدأ الانفصال عن بريطانيا من الأساس، وبعضهم متشدد في اعتناق هذه الأفكار.

مع ذلك، قد يغير استفتاء آخر في أسكتلندا أو تعدادها السكاني الرأي العام، كما قد يغيره انضمام حزب "شين فين" –الذي فاز بالتصويت الشعبي في الانتخابات الأخيرة– إلى حكومة دبلن.