هل سيؤدي البعوض لانهيار أنظمتنا الصحية؟

الانتشار واسع النطاق للأمراض التي تسببها هذه الحشرات القاتلة أحياناً يفتك بحياة البشر

أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية يُعِدُّ جرعة من لقاح كوفيد-19 الذي صنعته فايزر- بايونتك في عيادة لقاح إدارة الصحة بمقاطعة أوكلاهوما في أوكلاهوما سيتي، أوكلاهوما، الولايات المتحدة
أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية يُعِدُّ جرعة من لقاح كوفيد-19 الذي صنعته فايزر- بايونتك في عيادة لقاح إدارة الصحة بمقاطعة أوكلاهوما في أوكلاهوما سيتي، أوكلاهوما، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
 Lara Williams
Lara Williams

Lara Williams manages Bloomberg Opinion's social media channels.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما نفكر في الحيوانات الخطرة، فإن ما يخطر على البال عادةً يكون حيواناً ذا أنياب أو مخالب. لكن ماذا عن تلك التي تملك أجنحة وخرطوماً؟

في العديد من الدول، لا يُعتبر البعوض سوى مصدر إزعاج. لكن في دول أخرى، هو ينشر الأمراض المدارية التي تقتل 700 ألف شخص سنوياً على الأقل؛ أي أكثر من عدد الوفيات التي يسببها أي حيوان آخر، وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية.

يُرجَّح أن تزداد قدرة البعوض على الفتك بالبشر، إذ يزداد انتشار البعوض الناقل للأمراض في الوقت الذي ترفع فيه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من درجة حرارة كوكبنا وتجعله أكثر رطوبة.

وفي حين تكافح دول في أميركا اللاتينية بعض أسوأ حالات تفشي الأمراض المنقولة بالبعوض خلال عقود، أثارت حالة لامرأة بريطانية أصيبت بحمى الضنك، خلال عطلتها في فرنسا الصيف الماضي، تحذيرات بشأن حالات تفشٍ مشابهة في دول لم تكن الأمراض المنقولة بالحشرات متوطنة فيها من قبل. لذا؛ فإن تغير المناخ يجعل من الأمراض المدارية مشكلة تهدد الجميع.

انتشار حمى الضنك

فلنأخذ حمى الضنك، التي انتشرت على نطاق واسع على مدى العقود القليلة الماضية، كمثال. فهي أحياناً تُعرف باسم "حمى تكسير العظام" (break-bone fever)، ويقدم لك ذلك فكرة عن أعراضها.

ارتفع عدد الحالات المُبلغ عنها لمنظمة الصحة العالمية في عام 2019 إلى 5.2 مليون حالة، بعدما كان أكثر من نصف مليون حالة بقليل في عام 2000. وفي سبعينيات القرن الماضي، كانت حمى الضنك مرضاً متوطناً في 9 دول. أما اليوم، فتتعامل نحو 140 دولة مع حالات تفشي حمى الضنك بشكل دوري.

ماذا يعني قبول "كوفيد" كمرض متوطن؟

كما يتسع نطاق حالات التفشي تلك وتزداد حدتها. لا ينتشر الفيروس والبعوض الناقل له (الزاعجة المصرية (Aedes aegypti) والزاعجة المنقطة بالأبيض (Aedes albopictus)، المعروفتان باسم بعوضة الحمى الصفراء وبعوضة النمر الآسيوي) فقط في الدول التي كانت موطناً للمرض، بل ينتشران في الغلاف الجوي أيضاً على مساحات كبيرة وارتفاعات عالية.

في أوروبا، تنتشر بعوضة النمر الآسيوي الآن في كل أنحاء إيطاليا وعدد من المناطق في جنوب فرنسا وشرق إسبانيا. يظهر الفيروس على الأرجح حيث يوجد البعوض.

حالات منقولة محلياً

أعلن السودان عن ظهور حالات حمى الضنك في العاصمة الخرطوم للمرة الأولى، كما ظهرت سلسلة من الحالات المنقولة محلياً في فرنسا خلال الصيف الماضي. وبالنظر إلى ما يحدث في أميركا اللاتينية، قد يكون 2023 العام الأسوأ.

خلال مؤتمر صحفي عقدته منظمة الصحة العالمية في بداية أبريل حول الوباءين المقلقَين لحمى الضنك وحمى شيكونغونيا (وهو فيروس ذو صلة ينشره البعوض نفسه) في القارة، قال رامان فيليايودان، رئيس البرنامج العالمي لمنظمة الصحة العالمية بشأن السيطرة على الأمراض المدارية المهملة، إن هذا الاتجاه قد يستمر في مختلف أنحاء العالم خلال العام الجاري.

هذا ما يخبئه الوباء للعالم مستقبلاً

لا ينتشر البعوض فقط مع ارتفاع درجات الحرارة، بل أيضاً على مجموعة أخرى من ناقلات الأمراض، من بينها القُراد، الذي ينقل التهاب الدماغ (encephalitis) وداء لايم (Lyme disease)، وحتى حلزونات المياه العذبة، التي تنقل البلهارسيا (schistosomiasis). وتعزز انتشاره درجات الحرارة الأعلى وزيادة الرطوبة وسقوط الأمطار، مع استعداد الحشرات للَسع البشر، وارتفاع معدلات التكاثر والتوزيع الجغرافي لهذه الحشرات الناقلة للأمراض.

مشروعات جديدة

تأتي هذه المشكلة على رأس أولويات مؤسسة "ويلكم ترست" (Wellcome Trust)، وهي مؤسسة خيرية عالمية تركز على الصحة.

تستثمر المؤسسة في أبحاث مرتبطة بتغير المناخ وناقلات الأمراض، كما وفرت 22.7 مليون جنيه إسترليني (28 مليون دولار) لصالح 24 فريقاً بحثياً مسؤولين عن تطوير الأدوات الرقمية من أجل تحسين القدرة على التنبؤ بتوقيت ظهور حالات تفشي الأمراض المعدية.

الميكروبات تحمل مفتاح درء الوباء المقبل

أحد تلك المشروعات هي "إي-دينغي" (E-Dengue) في فيتنام، وهو مشروع مصمم لمساعدة الأنظمة الصحية على الاستعداد لحالات تفشي حمى الضنك حتى شهرين مسبقاً، عبر جمع المعلومات المحلية ودمجها.

قال دونغ فونغ، كبير العلماء في المشروع، إن جهود الوقاية من حمى الضنك والسيطرة عليها تتمثل في رد الفعل، ما يحد من فعالية الإجراءات المتخذة لمكافحة انتشارها. وسيساعد نظام للتحذير المبكر من التعامل مع تلك المشكلة.

تقدم في اللقاحات

أُحرز بعض التقدم في اللقاحات، إذ وافقت نيجيريا وغانا بصفة مؤقتة على لقاح جديد للملاريا طوّره علماء في جامعة أوكسفورد، ويجري الآن طرح لقاح لحمى الضنك، من إنتاج شركة "تاكيدا فارماسيوتيكال" (Takeda Pharmaceutical) اليابانية لصناعة الأدوية، في مختلف أنحاء العالم.

"تاكيدا" تطور لقاحاً ضد حمى الضنك بعد عقود من النكسات

إحدى الأدوات الواعدة الأخرى هي بكتيريا "ولبخية" (Wolbachia). وهذه البكتيريا موجودة في نحو 50% من الحشرات، وأثبتت أنها تتصدى لفيروسات مثل فيروس حمى الضنك وزيكا وشيكونغونيا في بعوضة الحمى الصفراء، ما يجعلها أقل عرضة لنقل المرض إلى البشر.

كما أظهرت دراسة في إندونيسيا أن استجلاب البعوض المصاب ببكتيريا "ولبخية"، قلل حالات الإصابة بحمى الضنك بنسبة 77%. ويبدأ الآن العمل بهذه الطريقة للمرة الأولى في مختلف أنحاء البرازيل.

لكن أنظمة التحذير المبكر والبكتيريا التي تحول دون انتقال الفيروسات لن تكون بمثابة حلول سحرية وحدها. وقال فيليبيه كولون-غونزاليس، الخبير التقني في "ويلكم ترست": "المزيج الجامع بين الاثنين سيكون هو الدافع وراء التغيير. لكي تتمكن من استخدام بكتيريا (ولبخية) بشكل أكثر فعالية؛ عليك تحديد بؤر الانتشار، ويمكنك تحديدها باستخدام أنظمة التحذير المبكر ومقاييس المخاطر".

تحديات مستقبلية

هناك العديد من التحديات أمامنا. أكّد كولون-غونزاليس على الحاجة إلى تعاون أفضل بين الباحثين وصنّاع السياسات وجمع مزيد من البيانات وتبادل المعلومات وتطوير المهارات، خصوصاً في الدول منخفضة الدخل، التي تتحمل الجانب الأكبر من أعباء تغير المناخ والأمراض المدارية.

في ضوء أن فيروس كوفيد لا يزال حاضراً في الأذهان، فالسؤال البديهي هو الآتي: "ما خطر تحول هذه الأمراض لجائحة؟" الإجابة يكتنفها الغموض، إذ أن الفيروسات لا يمكن التنبؤ بتطوراتها.

لكن ديانا روخاس ألفاريز، الرئيسة المشاركة للمبادرة العالمية لمكافحة الفيروسات المنقولة بالمفصليات، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ذكرت في مؤتمر صحفي أنه حينما يوجد ناقل للفيروس داخل مجموعة من السكان الذين هم عرضة للإصابة، يظهر خطر حدوث وباء على نطاق كبير، إن لم يكن جائحة.

حدوث انتشار واسع النطاق، خصوصاً لمرض لم يصل على مر التاريخ لمرحلة الوباء، سيكون بالتأكيد كافياً للضغط على إمكانيات الأنظمة الصحية حتى في الدول مرتفعة الدخل، كما أظهر فيروس كوفيد بتبعاته المأساوية. وكما يقول كولون-غونزاليس: "إذا لم نهتم بالأمر؛ فسيحدث مجدداً".