كيف تسعى أوروبا لفرض بعض القواعد في قطاع التشفير؟

الحكومات التي ستتمكن من تحقيق التوازن الصحيح ستحصل على ميزة تنافسية في الموجة التالية من الاستثمار في قطاع التشفير

صورة تعبيرية عن حملة الجهات الناظمة على قطاع التشفير
صورة تعبيرية عن حملة الجهات الناظمة على قطاع التشفير المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تدفع حالات إشهار الإفلاس وفضائح الاحتيال في قطاع التشفير الجهات التنظيمية إلى فرض مزيد من النظام والشفافية على القطاع المتقلب، والهدف من ذلك هو تأمين النظام المالي ككل، وحماية المستثمرين، دون تقييد الابتكار المفيد في قطاع الأصول الرقمية.

ستحصل الحكومات التي ستتمكن من تحقيق التوازن الصحيح على ميزة تنافسية في الموجة التالية من الاستثمار في قطاع التشفير، وهذا بالضبط ما يستهدفه الاتحاد الأوروبي عبر مجموعة من القواعد جرت الموافقة عليها في أبريل، وتُعَدّ الأكثر شمولاً بين القواعد المتبعة في أي اقتصاد متقدم.

1) ما القواعد الجديدة؟

تُعَدّ لائحة أسواق الأصول المشفرة (MiCA) جزءاً من حزمة إجراءات الاتحاد الأوروبي التي تحكم التمويل الرقمي، بما يشمل مكافحة غسل الأموال، والابتكار في الخدمات المالية، ونسخة رقمية من اليورو.

اللائحة مصممة لاجتثاث مخططات الاستثمار الاحتيالية، وعمليات الاحتيال، والنشاط الإجرامي، وبالتالي الحيلولة دون حدوث انهيارات فوضوية في قطاع الأعمال بإمكانها أن تتوالى وتزعزع استقرار القطاع المصرفي التقليدي أيضاً.

2) كيف ستعمل لائحة أسواق الأصول المشفرة؟

ستحتاج شركات قطاع التشفير إلى التسجيل لدى جهة تنظيمية مالية في دولة واحدة على الأقل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهذا سيضعها تحت إشراف اثنتين من أكبر الهيئات الرقابية المالية في أوروبا، وهما الهيئة المصرفية الأوروبية، وهيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية.

قطاع التشفير يستحق الإصلاح.. وعلى الجهات التنظيمية التحرك

ستعمل الهيئتان على التأكد من أن الشركات تملك إدارة ملائمة للمخاطر وممارسات حوكمة الشركات. أما الشركات المُصدِّرة للعملات المستقرة -وهي الرموز الرقمية التي تهدف إلى المحافظة على قيمة واحد مقابل واحد لأحد الأصول الأقل تقلباً، مثل الدولار الأميركي– فستضطر إلى دعم قيمتها باحتياطيات كافية.

كما أن العملات المستقرة المربوطة بعملات غير اليورو ستواجه سقفاً يومياً يبلغ 200 مليون يورو (220 مليون دولار) على حجم التداول ضمن المنطقة بموجب معايير معينة.

وسيكون على شركات الأصول المشفرة أيضاً التزام لائحة الاتحاد الأوروبي لنقل الأموال، المعروفة أيضاً باسم "قاعدة نقل الأموال" (Travel Rule)، ما يعني أن البورصات ستحتاج إلى إرسال معلومات عن مرسِلي الأصول المشفرة ومستقبِليها إلى السلطات المحلية المعنية بمكافحة غسل الأموال.

3) ما الجهات المطلوب منها الامتثال للقواعد؟

تنطبق القواعد على أي كيان يرغب في تسويق خدمات التشفير وإدارتها من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو جزء كبير نسبياً من القطاع. في عام 2022، جرى استقبال أصول مشفرة بقيمة 1.3 تريليون دولار في وسط وشمال وغرب أوروبا، أي نحو 22% من حجم القطاع على مستوى العالم، وفقاً لـ"تشايناليسيس" (Chainalysis).

تنطبق القواعد أيضاً على مشغلي البورصات وشركات حفظ الأموال والخدمات التسويقية والاستشارية وغيرها. وستظل الكيانات القائمة خارج الاتحاد الأوروبي -حيث لا تُطبق القواعد- قادرة على خدمة العملاء داخل الاتحاد الأوروبي ما دام ليس هناك ما يشير إلى أنها تسعى مباشرة إلى اقتناص صفقات هؤلاء العملاء.

4) هل سيرسي ذلك معايير عالمية؟

تعني قوة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية أن القواعد التي يحددها محلياً قد تصل إلى العالمية، كما كانت الحال مع اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة بالتكتل. رغم ذلك فإن الاتحاد يواجه جهوداً عديدة منافِسة لضبط وتيرة حوكمة الأصول الافتراضية.

يقول المنتقدون إنّ لائحة أسواق الأصول المشفرة عفا عليها الزمن قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ولم تكن ستحول دون بعض الانهيارات الضخمة التي حدثت مؤخراً في قطاع التشفير. وجرت مراجعة القواعد بشكل متكرر منذ وضعها للمرة الأولى في 2020، مع ظهور تكنولوجيا حديثة وإفلاس بعض الشركات.

كيف تغيَّر موقف الجهات التنظيمية بعد انهيار قطاع التشفير؟

يخفق النص الأخير في التعامل مع إيداع العملات المشفرة أو إقراضها، وهي ممارسة كانت في قلب بعض أكبر الانهيارات في القطاع في 2022، من بينها انهيار "سلسيوس" (Celsius) و"بابل فاينانس" (Babel Finance) و"جينيسيس" (Genesis).

لا تحتوي لائحة أسواق الأصول المشفرة كذلك على قواعد للإشراف على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، أو التمويل اللامركزي العُرضة للاختراق وعمليات الاحتيال بسبب الإشراف عليه من خلال البرمجيات وليس البشر.

دعت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، إلى إنشاء "لائحة أسواق الأصول المشفرة 2" (MiCA 2)، التي قد تغطي إصدار أصول محددة مثل "بتكوين"، إلى جانب الإقراض والإيداع.

5) ماذا كان رد قطاع التشفير؟

اعترض المسؤولون التنفيذيون في بعض أكبر شركات قطاع التشفير على بعض أجزاء لائحة أسواق الأصول المشفرة، لكنهم يقولون إنها أفضل من عدم وجود أي قواعد تنظيمية على الإطلاق. وتوفر لائحة أسواق الأصول المشفرة على الأقل طريقاً للتسجيل يُعتبر مبسطاً نسبياً، كما تقدم إطاراً واضحاً للعمل.

يعقد المسؤولون التنفيذيون مقارنة مع الولايات المتحدة، وهي أكبر أسواق قطاع التشفير التي يقولون إنها تفتقر إلى إرشادات واضحة بخصوص أي الأصول الرقمية تُعتبر أوراقاً مالية أو سلعاً، وبالتالي أي الجهات التنظيمية يجب أن تُشرِف عليها.

بعد حملة أميركا التنظيمية.. شركات التشفير تبحث عن ملاذات "صديقة"

شجب البعض ما سمَّوه "التنظيم بالإكراه"، الذي تسعى السلطات الأميركية من خلاله إلى شنِّ حملات للتضييق على الأنشطة التي تتحايل على القواعد بدلاً من سن قوانين جديدة تخص الأصول الرقمية تحديداً.

ألمحت شركة "كوين بيس"، ومقرها في سان فرانسيسكو، إلى أن الانتقال إلى المملكة المتحدة على رأس أولوياتها، إلا إذا تحسنت ساحة القواعد التنظيمية في الولايات المتحدة.

6) ما الذي لا يعجب قطاع التشفير في لائحة أسواق الأصول المشفرة؟

تُعتبر القدرة على عدم الكشف عن الهوية، من المبادئ المؤسِّسة لقطاع التشفير. عديد من مديري الأصول المشفرة ليسوا سعداء بأن لائحة أسواق الأصول المشفرة تتطلب من المستخدمين تقديم معلومات تفصح عن هوياتهم لسلطات مكافحة غسل الأموال في كل عملية.

رئيس بورصة التشفير "كوين بيس" لا يستبعد نقل مقرها من أميركا

قد يصبح السقف المفروض على حجم التداول أيضاً أحد الأمور المنفرة. رغم ذلك فإن كثيراً من تفاصيل هذا السقف لم تُحدَّد بعد، ويأمل بعض شركات الأصول المشفرة في أن الوضع النهائي سيكون أقل تشدداً مما كانت تخشاه في البداية.

7) متى ستدخل قواعد لائحة أسواق الأصول المشفرة حيز التنفيذ؟

يُرجَّح صدور النص النهائي بنهاية يونيو المقبل، ليدخل حيز التنفيذ في يوليو، رغم أن القواعد نفسها ستُطبَّق بشكل تدريجي لمنح القطاع مهلة للتأقلم.

أما البنود الخاصة بالعملات المستقرة فستدخل حيز التنفيذ في يوليو 2024، فيما ستُطبَّق القواعد الأوسع نطاقاً، التي تؤثر في مزودي خدمات الأصول المشفرة، في يناير 2025.