الرئيس التنفيذي لشركتك ليس بحاجة لعلاوة بقيمة سيارة فراري

المستثمرون يصوبون سهامهم نحو المعاشات السخية التي يتلقاها المديرون التنفيذيون في تحرّك طال انتظاره
المستثمرون يصوبون سهامهم نحو المعاشات السخية التي يتلقاها المديرون التنفيذيون في تحرّك طال انتظاره المصور: Mark Elias/Bloomberg
Chris Bryant
Chris Bryant

Chris Bryant is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies. He previously worked for the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هل من شيء أفضل من تقاضي ملايين الدولارات لإدارة شركة عالمية؟ نعم، تقاضي الأموال دون القيام بإدارتها، وذلك أسهل مما يبدو عليه، ولنأخذ- على سبيل المثال- "توم إندرز" (Tom Enders)، الذي استقال من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة "إيرباص إس إي" (Airbus SE) قبل عام ليتلقى معاشًا تقاعديًّا قد يكلّف الشركة 26 مليون يورو (29 مليون دولار).

وبالمثل، يتلقى "ديتر زيتشه" (Dieter Zetsche)، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "دايملر إيه جي" (Daimler AG)، معاشًا تقاعديًّا سنويًّا يتجاوز المليون يورو، أما في "فولكس فاجن إيه جي" (Volkswagen AG)، فيحق للمديرين التنفيذيين، الذين شغلوا مناصبهم لمدة طويلة، الحصول على معاش تقاعدي يصل إلى 70 بالمئة من راتبهم الأساسي.

كانت المعاشات التقاعدية السخية، في السابق، طريقة ملتوية يتبعها أعضاء لجان التعويضات لصرف التعويضات من دون إثارة الشكوك، أما اليوم، فقد بدأ المستثمرون والحكومات يخطون خطوة صحيحة في نظري بالتعامل مع هذا الأمر، ذلك أنه من الصعب الدفاع عن حزم التقاعد السخية التي يتمتع بها كبار الموظفين، في ظل تقليص رواتب صغار الموظفين ومعاشاتهم التقاعدية، علمًا بأن من شأن هذه الفروقات أن تغذي رد الفعل الشعبوي الغاضب تجاه الأسواق الحرة.

كما يجب على مجالس الإدارة أن تُكافئ المديرين التنفيذيين على أدائهم الجيّد، لا أن تشجعهم على تحصيل أموال لا يستحقونها، وعلى كثير من المديرين أن يتّبعوا الرئيس التنفيذي لشركة "دانون إس إيه" Danone SA، وأن يستغنوا عن هذه المعاشات، وإذا لم يفعلوا ذلك، فعليهم أن يستعدوا لردود فعل غاضبة لا مفر منها.

في بريطانيا، ولّت أيام المعاشات السخية المرتبطة بآخر راتب تقاضاه الموظف، ففي القطاع الخاص، يعُد الموظفون أنفسهم محظوظين جدًّا، إذا ما ساهمت الشركة في معاشهم التقاعدي بما نسبته 10 بالمئة من رواتبهم. أما في الولايات المتحدة، كما ذكرنا زميلي "نير كايسار" (Nir Kaeser) مؤخرًا، فإن 30 بالمائة من الأسر- التي يبلغ أعمار أفرادها 55 عامًا فما فوق- لا تملك مدخرات تقاعدية ولا تتلقى معاشات تقاعدية.

ومع ذلك، لا تزال المعاشات التقاعدية الضخمة المقدمة للمديرين التنفيذيين الذين يتلقون رواتب عالية أمرًا شائعًا، ولا تعد المقارنات على الصعيد العالمي ذات فائدة، نظرًا لاختلاف هيكل الأجور بين الدول؛ لكن كقاعدة عامة، تساهم الشركات الكبيرة في بريطانيا في المعاش التقاعدي الذي يتلقاه المديرون التنفيذيون بنسبة 25 بالمئة من رواتبهم، في حين تكون هذه النسبة عادة أعلى في باقي القارة الأوروبية.

قانون الحوكمة

ولايزال الموضوع يثير جدلًا كبيرًا في بريطانيا، والسبب بسيط: إذ يتطلب قانون حوكمة الشركات البريطاني المُعدَّل أن تتماشى نسبة مساهمة الشركات في المعاشات التقاعدية "مع النسب التي تتلقاها القوى العاملة".

ومع قرب حلول مواعيد اجتماعات المساهمين، تعهدت "جمعية الاستثمار" (Investment Association)- التي تمثل مديري الأصول- بتسليط الضوء على الشركات التي لا تتبع هذا القانون في تعييناتها الجديدة، وعلى الشركات التي تواصل المساهمة- بنسبة 25 بالمئة أو أكثر- في تعويضات المديرين التنفيذيين الحاليين، في وقت تحث فيه شركة "غلاس لويس" (Glass Lewis)، التي تقدم خدمات الاستشارة للمساهمين، لجان الأجور على إظهار حزم أكبر في هذا الصدد.

وتسارع الشركات في بريطانيا إلى تعديل نظام الأجور فيها، على أمل تفادي تبعات الدعاية السيئة لهذا الأمر، فعلى سبيل المثال، خفّض مجلس إدارة "إتش إس بي سي هولدينغ بي إل سي" (HSBC Holdings Plc) معاشات تقاعد جميع المديرين التنفيذيين من 30 إلى 10 بالمئة من الراتب، بعد ضغوطات من المساهمين.

لكنه أمر لم تسايرها فيه جميع الشركات، فقد خفض مجلس إدارة "لويدز بانكنغ غروب بي إل سي" (Lloyds Banking Group Plc) المبلغ الذي يتلقاه رئيسها التنفيذي "أنطونيو هورتا أوسوريو" (Antonio Horta-Osorio)- بدلًا من معاشه التقاعدي- من 46 بالمئة إلى 33 بالمئة من راتبه الأساسي، وهو مبلغ انتقده اتحاد "أفينيتي" (Affinity) للعمال، مصرًّحا بأنه لا يزال يكفي "لشراء سيارة فيراري كل عام".

ومع تزايد مطالب الإصلاح، على المستثمرين أن يتوخوا الحذر من الشركات التي تمارس الخداع، وهي تهمة كانت قد وجّهت مؤخّرًا إلى بنك "ستاندارد تشارترد بي إل سي" (Standard Chartered Plc)، فعندما خفض البنك المعاش التقاعدي لرئيسه التنفيذي "بيل وينترز" (Bill Winters)- من 40 إلى 20 بالمئة من راتبه الأساسي- شمل البنك مدفوعات سهمية في عملية الحساب، بدا بعدها التعويض وكأنه لم يتغير.

نماذج عدة

لم تكن هذه الحالة الوحيدة التي أظهرت فيها الشركات كرمًا في حساباتها، فشركة "سيمينز إيه جي" (Siemens AG) واحدة من بين عدة شركات ألمانية تحسب المعاش التقاعدي للمديرين التنفيذيين كنسبة من الراتب ومن مكافآت تحقيق الأرباح السنوية المستهدفة، بحيث تلقى "جو كايسر" (Joe Kaeser) عام 2018 مبلغًا إضافيًا إلى معاشه التقاعدي، بلغ 1.2 مليون يورو، بما يعادل 56 بالمئة من راتبه الأساسي.

أما في فرنسا، فتتبع شركة "بيجو إس إيه" (Peugeot SA) خطة أكثر غرابة، في حساب المعاش التقاعدي لرئيسها التنفيذي "كارلوس تافاريس" (Carlos Tavares)، بنسبة 25 بالمئة من راتبه ومن مكافأة تحقيق الأرباح السنوية المستهدفة. ونظرًا لأداء الشركة الجيد خلال عام 2018، تلقى "تافاريس" (Tavares) نحو المليون يورو عند تقاعده، بما يعادل ثلثي راتبه الأساسي.

لا يشكل المعاش التقاعدي إلا جزءًا بسيطًا من الأجر الكلي الذي يتقاضاه المدير التنفيذي، لذا كان من الطبيعي أن ينزعج المستثمرون من الحوافز- طويلة الأجل- التي دفعتها شركة "بيرسيمون بي إل سي" (Persimmon Plc)، المتخصصة في بناء المساكن، إلى مديرها رئيسها السابق "جيف فايربورن" (Jeff Fairburn) بين عامي 2017 و2018، والتي تجاوزت 80 مليون باوند، أكثر من انزعاجهم من مساهمتها في معاشه التقاعدي بنسبة 24 بالمئة من راتبه الأساسي (علمًا أن هذه النسبة تعادل 3 أضعاف النسبة التي يتلقاها الموظفون العاديون في الشركة).

يثبت لنا مثال "فايربورن" أن لدى المديرين التنفيذيين فرصة أكبر في بناء ثرواتهم بعد تقاعدهم، بالمقارنة مع موظفي الشركة العاديين، علمًا بأن معظمهم لا يحتاج إلى معاش تقاعدي كبير، لكنهم يأخذونه رغم ذلك.

إن تغيير الالتزامات التعاقدية القائمة أمر صعب، وعليه، يعود الأمر إلى كل مدير تنفيذي على حدة لأخذ زمام المبادرة وطلب تعديلها، ولذلك، ترفع القبعة لـ"إيمانويل فابر" (Emmanuel Faber)، الرئيس التنفيذي لشركة "دانون" (Danone)، عملاقة منتجات الألبان الفرنسية، الذي قام عام 2019 بالتخلي عن حقه بمعاش تقاعدي يبلغ 1.2 مليون يورو سنويًّا، آملين أن يتبعه في ذلك آخرون، ولو أننا نعتقد أن ما سيحدث غير ذلك.