قصص الخيول صاحبة الانتصارات الأغرب في سباق "كنتاكي ديربي"

في البطولة الممتدة منذ 148 عاماً يظل الحصان الشهير "سيكرتاريت" هو الأسرع على الإطلاق

الفارس كالفن بوريل على ظهر "ماين ذات بيرد" وهما يعبران خط النهاية ليفوزا بالنسخة  135 من سباق "كنتاكي ديربي" لعام 2009، في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي، الولايات المتحدة
الفارس كالفن بوريل على ظهر "ماين ذات بيرد" وهما يعبران خط النهاية ليفوزا بالنسخة 135 من سباق "كنتاكي ديربي" لعام 2009، في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مضى 50 عاماً على تخطي الحصان "سيكرتاريت" بسرعة فائقة، منافسيه من الخيول التي لم تتمكن من مجاراته عند المنعطف البعيد في مضمار "تشرشل داونز". يومها، أذهل المهر الأحمر كل من يتابع سباقات الخيل في الولايات المتحدة، بعدما أنهى السباق برقم قياسي بلغ دقيقة واحدة، و59 ثانية، و0.4 جزء من الثانية.

من حيث البراعة التي تتحلى بها الخيول، لم يضاهِ أي واحد من كل الخيول الفائزة في سباق "كنتاكي ديربي"، الحصان "سيكرتاريت"، سواء قبله أو بعده.

لكن، بطبيعة الحال، هناك عدد لا يحصى من سباقات "كنتاكي ديربي" العظيمة على مر السنين. وقررنا تحضيراً لسباق العام الجاري الذي سيقام السبت في 6 مايو، أن الذكرى الخمسين لإنجازات الحصان الذي يعرف أيضاً باسم "ريد"، هي وقت مناسب لتذكر تلك السباقات الكلاسيكية. وقد اخترنا سبعة منها، بعضها يتعلق بقصة الحصان السابقة أو اللاحقة لفوزه، أكثر مما تتعلق بالسباق نفسه.

يعود تاريخ أولى هذه السباقات إلى 108 أعوام، عندما دخلت مهرة كستنائية اللون، مذهلة، وذات غرة بيضاء كبيرة، بوابة البداية في "تشرشل داونز"، ووضعت سباق "كنتاكي ديربي" على الخريطة.

"ريغريت" (1915)

الفرس "ريغريت"
الفرس "ريغريت" المصدر: مكتبة كينلاند

يُقال إن الملياردير هاري باين ويتني، أطلق على مهرته الصغيرة اسم "ريغريت" (ندم)، لأنه كان يأمل في الحقيقة في الحصول على مهر ذكر. لكن، سرعان ما غيّر رأيه.

كانت "ريغريت" مهيبة، وقوية، وسريعة ببراعة من سن مبكرة جداً. لذلك، في صيف عام 1914، أُرسلت إلى ساراتوغا سبرينغز في نيويورك لتقوم بأول ظهور لها في سباق أمام الطبقة المرموقة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. هناك، وخلال 15 يوماً فقط، تفوّقت على أفضل الخيول الصغيرة بالسن ثلاث مرات على التوالي. وبعد تسعة أشهر، فعلتها مرة أخرى في لويفيل، حيث انطلقت بسرعة لتتصدر مبكراً 15 خيلاً تنافست في السباق رقم 41 لـ"كنتاكي ديربي"، متقدمة عليها كلها بسهولة، لدرجة أن فارسها خفف من سرعتها في الأمتار الأخيرة.

مديرة سباق "كنتاكي ديربي" تبيع سندات عالية العائد بـ600 مليون دولار

لفت فوزها على الأحصنة الذكور انتباه الصحافة في كل أنحاء البلاد، وبذلك جعلت من سباق "كنتاكي ديربي" الحدث الرياضي الأميركي الأبرز الذي هو عليه اليوم. وبعد فترة، فازت فقط مهرتان غيرها، هما "جينيون ريسك" عام 1980، و"وينينغ كولورز" عام 1988، لكن هذا يرجع بشكل كبير إلى أن المهرات نادراً ما تُمنح فرصة المشاركة في السباقات، ونسبة فوزها في "كنتاكي ديربي" تبلغ 8%، وهي متطابقة مع نسبة فوز نظرائها الذكور.


"بلاك غولد" (1924)

الحصان "بلاك غولد"
الحصان "بلاك غولد" َ

بداية هذه القصة في مدينة خواريز المكسيكية، عندما وَجد رجل يدعى ألفريد هوتس، نفسه في ورطة.

كان هوتس قد جلب فرسه الموهوبة والقوية "يوزيت" عبر الحدود لجني بعض النقود التي هو في أمس الحاجة إليها، من خلال إشراكها في سباق متواضع، ليعود بها إلى منزله في أوكلاهوما. مشكلته الوحيدة كانت، أنه ووفقاً لقواعد السباق، كان يحق لأي مالك خيول في المضمار شراء "يوزيت" في ذلك اليوم، وهذا ما حصل فعلاً. لكن هوتس كان يحب فرسه، ولم يرغب في التفريط بها. لذلك، عندما جاء مالكوها الجدد لاستلامها، أشهَر بندقيته لمنعهم من ذلك، ثم أخذها معه وعبر بها الحدود.

قيود على التزاوج تثير غضب أصحاب الخيول في "كنتاكي"

غضب المسؤولون المكسيكيون، ومنعوا هوتس من المشاركة في سباقات البلاد، لكنه لم يهتم لذلك طالما أن فرسه كانت لا تزال لديه. ثم بعد عام، مرض هوتس. وفيما كان على فراش الموت، طلب من زوجته روزا أن تعمل على تزويج "يوسيت" بجواد جامح يدعى "بلاك توني"، حيث كان مقتنعاً -وهذا الجزء من القصة يبدو أنه ملفق إلى حد ما- بأن هذا النسل سيفوز بسباق "كنتاكي ديربي".

كانت عائلة هوتس، كالعادة، بحاجة ماسة إلى النقود، وكان تزاوج "يوزيت" مع حصان جامح شهير خارج قدرة العائلة، وفقاً للصحفي وينستون جروم، وكان ذلك قبل اكتشاف النفط في الأرض التي استأجروها في عام 1919. وفي العام التالي، أرسلت روزا "يوزيت" إلى كنتاكي للتزاوج مع "بلاك توني". وبعد أربع سنوات، حصل ابنهما، المهر الأسود "بلاك غولد" على المركز الأول في سباق "كنتاكي ديربي".

"دارك ستار" (1953)

الحصان "دارك ستار"
الحصان "دارك ستار" المصدر: متحف سباق كنتاكي

كان من المفترض أن يفوز حصان "نيتيف دانسر" بسهولة في سباق "كنتاكي ديربي"، إذ كان سريعاً ومهيباً، وتربى في الإسطبلات الملكية، برعاية سليل من عائلة "فاندربلت" الشهيرة، وكانت شعبيته كبيرة بين الأميركيين، لأن لون فروه الرمادي جعل تمييزه سهلاً على شاشات التلفزيون الأبيض والأسود الجديدة. وصل الـ"غراي غوست" (الشبح الرمادي) إلى لويفيل ذاك الربيع بلا هزيمة، بعدما حقق 11 انتصاراً متتالياً.

لكن في ذاك اليوم، واجه تدافعاً في المنعطف الأول، وتعرض للاصطدام، ووجد نفسه يطارد حصاناً كانت فرص فوزه ضعيفة للغاية، إذ بلغت 24 إلى 1. حقق "نيتيف دانسر" انطلاقة قوية، لكنه وصل بعد "دارك ستار" بفارق ضئيل. لو أن "دارك ستار" تعرّض للهزيمة في ذاك السباق، لكانت تلك هي خسارته الوحيدة في مسيرته المكونة من 22 سباقاً.

"كانونيرو الثاني" (1971)

الحصان "كانونيرو الثاني"
الحصان "كانونيرو الثاني" المصدر: كوربيس هيستوريكال

باع رجل أعمال فنزويلي الحصان "كانونيرو الثاني" بمبلغ 1200 دولار فقط في حلبة مزاد في كنتاكي، ونُقل سريعاً إلى كاراكاس. أثبت "كانونيرو" نفسه كحصان رائع هناك، ولذلك قرر المالك إرساله مرة أخرى إلى كنتاكي ليجرب حظه في السباق.

كانت رحلته ملحمية، حيث أُجبرت رحلتاه الأولى والثانية من كاراكاس إلى ميامي على العودة مرتين على التوالي. وفي الرحلة الثالثة، حُشر داخل طائرة شحن إلى جانب صناديق البط والدجاج، حسبما ذكرت الكاتبة لورا هيلينبراند في كتابها (Seabiscuit: An American Legend". وعندما وصل إلى ميامي، لم يكن لدى مستلميه الأوراق اللازمة لإدخاله من الجمارك، وتُرك في الحرارة المرتفعة أياماً عدة. وبعد حصوله على التصريح، تم تحميله على شاحنة ليتجه إلى لويفيل، إلا أنها تعطّلت على الفور.

عندما وصل الحصان أخيراً إلى "تشرشل داونز"، كان مرهقاً وهزيلاً. وسخر الخبراء والصحفيون في كنتاكي منه، ومن طرق التدريب الغريبة لمدربه الفنزويلي. ومع ذلك، استعاد "كانونيرو الثاني" قوته في لويفيل، وعندما حان يوم السباق، كان جاهزاً للانطلاق. في بداية السباق، تراجع إلى خلف المجموعة عن عمد، ثم بدأ في التقدم بسرعة وتجاوز منافسيه ليفوز بسهولة. وبحسب هيلينبراند، صمت الحشد تماماً بعد فوزه.

الاستثمار في الأصول الفنية.. أرض مثيرة ومحفوفة بالمخاطر

لم تعبّر الرهانات باحتمال 17 إلى 1 ضد فوزه عما حدث بشكل كاف. ففي ذلك الوقت، تم دمج كل الرهانات على الخيول غير المتوقع فوزها في السباق في وحدة رهانات واحدة. ولذا، ربما سبب فوزه أكبر صدمة في تاريخ سباق "كنتاكي ديربي" امتد لـ148 عاماً.

"سيكرتاريت" (1973)

الحصان "سيكرتاريت"
الحصان "سيكرتاريت" المصدر: كوربيس هيستوريكال

أصبح الحصان "سيكرتاريت" ذا مكانة راقية جداً عبر السنين، ولدرجة مملة في بعض الأحيان. لكن الحقيقة هي أنه كان جيداً بالفعل إلى هذا الحد. ليس فقط لأن أرقامه القياسية في سباق "كنتاكي ديربي" كأسرع زمن لم يتم كسرها حتى الآن، بل لأنه حافظ أيضاً على الأرقام التي حققها في سباقات "بريكنيس"، و"بلمونت ستيكس"، إذ فاز بشكل مدهش بفارق بلغ حوالي 71 متراً. كانت هناك أحصنة أكثر ثباتاً في أدائها، مثل "نيتيف دانسر"، لكن لم يكن هناك أسرع من الحصان الملقب بـ"ريد".

"ماين ذات بيرد" (2009)

"ماين ذات بيرد"
"ماين ذات بيرد" المصدر: غيتي إيمجز

لم يكن هناك أي شيء يوحي بأن لدى "ماين ذات بيرد" فرصة للفوز بسباق "كنتاكي ديربي"، عندما بدأ مدربه، بيني "تشيب" وولي، بنقله عبر البلاد إلى لويفيل. كان الحصان صغير الحجم، وشاحب المظهر، بحيث جلب 9500 دولار فقط في مزادٍ قبل عامين من ذلك. وكان نسبه غير رائج، لدرجة أن أصحابه قاموا بإخصائه -ما قضى على أي فرصة مربحة له بعد السباق في مجال التكاثر– في محاولة منهم لانتزاع سباقات أفضل منه.

حقق "ماين ذات بيرد" بعض النجاح في بداية مسيرته الرياضية، ولكنه تعثر عندما واجه أفضل الخيول. قبل ستة أشهر من سباق "كنتاكي ديربي"، حل في المركز الأخير في سباق "بريدرز كب جوفنايل"، وبعد ذلك تم إرساله إلى جبال جنوب نيومكسيكو، وهي محطة مغمورة في السباقات الوطنية، ثم تسلم تدريبه وولي، وهو شخص غريب الأطوار يضع دائماً قبعة "كاوبوي" سوداء كبيرة. كان أداؤه في أول سباقين للخيل في 2009 متواضعاً وفق أفضل تقدير.

لذلك، عندما وصل وولي و"ماين ذات بيرد" إلى "تشرشل داونز" بعد رحلة قطعا خلالها 1500 ميل، لم يُولِ أحد أي اهتمام بهما. لكن، يوم السباق جلب معه أمطاراً غزيرة حولت المضمار إلى فوضى من الطين. وهناك حقيقة بديهية في عالم السباقات، تقول إن الخيول الصغيرة تركض أفضل في الوحل. وتعود الفكرة إلى أن جسمها الخفيف يمنع انغماسها في الوحل، على عكس ما يحصل للخيول الأكبر حجماً.

السعودية تطلق صندوقاً استثمارياً للأنشطة الترفيهية

سباق "كنتاكي ديربي" الذي خاضه الحصان "ماين ذات بيرد"، هو دليل حي على هذه النظرية: فقد تراجع إلى المركز الأخير في بداية السباق، ثم شق طريقه بسرعة عالية وبشكل سلس على حافة المضمار الداخلية بجوار الحواجز من دون أن يستطدم بالمنافسين، إلى أن وصل إلى الصدارة، متقدماً عند اجتيازه خط النهاية بفارق 16.5 متر على أقرب منافسيه. كان هذا هو أكبر هامش فوز في سباق "كنتاكي ديربي" فيما يقرب من 100 عام، وتمت مكافأة المراهنين عليه بجوائز بلغت خمسين دولاراً لكل دولار راهن على "ماين ذات بيرد". لم يحقق الحصان أي فوز في أي سباق بعد ذلك.

"ماندالون" 2021

الحصان "ماندالون"
الحصان "ماندالون" المصدر: غيتي إيمجز

لم يعبر "ماندالون" خط النهاية في المركز الأول في ذلك اليوم. بل فعل ذلك المهر الصغير "ميدينا سبيريت" التابع للمدرب بوب بافرت. ولكن بعد أيام، كانت نتائج اختبار "ميدينا سبيريت" إيجابية، إذ أظهرت وجود عقاقير محظورة كانت في جسد الحصان خلال يوم السباق، ما أثار فضيحة أحاطت ببافرت، أشهر نجم في سباقات الخيل في أميركا، وأدت في النهاية إلى إلغاء الفوز الذي حققه مهره.

قصة "رجل المنشطات" وفضيحة العقاقير التي هزت سباق الخيول في أمريكا

تمت ترقية صاحب المركز الثاني "ماندالون" إلى المركز الأول. وكانت هذه المرة الثانية في ثلاث سنوات التي لم يتم منح الجائزة الأولى للفائز الفعلي في سباق "كنتاكي ديربي"، وهو أمر حدث مرة واحدة فقط في السنوات السابقة. (تم إلغاء فوز الحصان "ماكسيموم سيكيوريتي" في عام 2019 بسبب ارتطامه بأحد المنافسين).

بوب بافرت، صاحب الرقم القياسي بعدد الانتصارات في سباقات "كنتاكي ديربي" بست مرات، لا يزال اليوم يراقب السباق دون المشاركة فيه، بانتظار انتهاء فترة إيقافه. وترقد رفات جثة "ميدينا سبيريت" في مدينة لويفيل، في الأراضي ذات العشب الأخضر المُزرّق الذي تشتهر به كنتاكي. بعد أشهر من سباق "كنتاكي ديربي"، خرج المهر إلى المضمار صباحاً لتمارينه الروتينية، ومرّ بالمدرج، وتوفي فجأة.