الصين تجدد علاقتها مع فنزويلا تحت أنظار أميركا

الدولتان تناقشان إعادة هيكلة الديون وفنزويلا سدّدت نحو 80% من ديونها بالنفط الخام

تمثال ليد تحمل مضخّة نفط خارج المقر الرئيسي لشركة "بتروليوس دي فنزويلا" التي تملكها الدولة، كراكاس، فنزويلا
تمثال ليد تحمل مضخّة نفط خارج المقر الرئيسي لشركة "بتروليوس دي فنزويلا" التي تملكها الدولة، كراكاس، فنزويلا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعيد فنزويلا والصين توطيد علاقاتهما بعد أعوام من الفتور، في ظل استئناف الاتصالات الحكومية وزيادة المشروعات المشتركة، بما يشكّل تحدّياً لواشنطن.

اجتمع مسؤولون رفيعو المستوى من الصين، أكبر دائني فنزويلا، مع المساعدين المقرَّبين من الرئيس نيكولاس مادورو في كراكاس الشهر الماضي، لمناقشة إعادة هيكلة التسهيل الائتماني الممتدّ للدولة، وفقاً لأشخاص مطّلعين على الأمر. كما تَحدَّث الطرفان عن المجالات المحتملة لتجديد التعاون، بما يشمل الاتصالات والنفط، وفقاً لأشخاص طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم في مناقشة قضية استراتيجية داخلية.

سيوفّر الانفراج في العلاقات مع الصين لمادورو حليفاً قويّاً، إلى جانب فرصة لوسيلة متجددة لمبيعات النفط، بما قد يمنحه مزيداً من النفوذ لدى الولايات المتحدة الأميركية، فيما تتطلع واشنطن إلى ضخّ مزيد من النفط في السوق لخفض الأسعار في محطات البنزين للناخبين الأميركيين، إذ تملك فنزويلا أكبر احتياطي معروف في العالم، لكنها خاضعة لعقوبات دولية عاقت قدرتها على بيع النفط.

خلال حفل وداع السفير الصيني إلى فنزويلا، لي باورونغ، الذي أُذيعَ على الهواء مباشرة في 27 مارس، قال مادورو: "حالياً، وصلت العلاقة بين الصين وفنزويلا إلى أعلى مستويات الثقة المتبادلة، والتعاون، والعمل المشترك. سنستمرّ في توطيد علاقاتنا الاستراتيجية مع الصين".

يحدث هذا التواصل في ظلّ تزايد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين والإشارات الأولية على أن أميركا اللاتينية ستصبح ثانية وجهة للقروض الصينية، ما سيزيد نفوذ الصين في المنطقة. كما أكّد لقاء الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مع الرئيس شي جين بينغ الشهر الماضي، المصلحة المشتركة بين الصين وأكبر اقتصادات أميركا اللاتينية.

كيف هزم مادورو منافسه غويدو وأميركا في أزمة فنزويلا؟

يتزامن هذا التقارب مع استقرار اقتصاد فنزويلا بعد أعوام من الركود بعد وقف العلاقات مع الصين، في فجوة فاقمت الجائحة تأثيرها.

أصبحت الصين من أهمّ الدول الدائنة لفنزويلا في 2007، عندما قدمت تمويلات لمشروعات البنية التحتية والنفط للمرة الأولى في عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز. وتدعم البيانات العامة التقديرات التي تشير إلى أن بكين أقرضت فنزويلا نحو 60 مليار دولار في صورة قروض مدعومة بالنفط عبر البنوك التي تملكها الدولة حتى 2015، لتحقّق مستوى من العلاقات الدبلوماسية والاستثمارات المالية لا مثيل له في أميركا اللاتينية، وربما في العالم كله.

بلوغ القاع

سد دعم الصين فراغاً في الاستثمار والأمن خلّفَته القطيعة بين واشنطن وكراكاس التي امتدت لعقود، كما أصبح هذا الدعم ضرورياً لاستمرار اشتراكية تشافيز عبر عملية الانتقال إلى مادورو. وشمل التعاون الطرق السريعة والجسور ومحطات الكهرباء ومصانع معالجة الأغذية، إلا أن عديداً من تلك المشروعات لم ينتهِ أو لم يعُد يُستخدم.

وزير النفط الفنزويلي يستقيل من منصبه وسط تحقيقات بمزاعم فساد

قالت بارسيفال دي سولا، مديرة "مركز بحوث الصين وأميركا اللاتينية" (China Latin America Research Center) في بوغوتا، كولومبيا، إن العلاقات بين الصين وفنزويلا تدهورت بشكل خطير خلال العقد الماضي لفشل المشروعات الصينية وفساد ها المستشري في البلاد. حالياً تدرك الحكومة الصينية أن الأزمة الفنزويلية بلغت قاعها، وترى أن مادورو في وضع أكثر استقراراً وأقلّ عزلة في المنطقة.

رغم شحّ البيانات العامة، تقدّر دي سولا، التي تشغل منصب مديرة مؤسسة "أندريس بيلو فاونديشن" (Andres Bello Foundation) الصحفية، أن يتراوح الدّين المستحَقّ بين 11 و12 مليار دولار، بما يعني أن فنزويلا سددت نحو 80% من إجمالي ديونها للصين التي تحصل على النفط باعتباره مدفوعات سداد الديون. لم تتمكن فنزويلا من نقل كمية كافية من النفط للوفاء بالتزاماتها في الأعوام السابقة، في ظل تدهور إنتاجها وانهيار أسعار النفط، ما أدى إلى إحدى أشدّ الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث، كما شكّلَت سلسلة العقوبات الأميركية عائقاً آخر لقدرة الدولة على تصدير النفط، أكبر مصادر إيراداتها.

تُجري شركة "بتروليوس دي فنزويلا" (Petroleos de Venezuela SA) التي تملكها الدولة مراجعة شاملة للعقود، بعد اكتشاف ضياع مليارات الدولارات من إيرادات النفط. ووفقاً للمطّلعين على الأمر، يُوجَّه ما بين 5% و10% من تلك الصادرات إلى سداد الديون.

صراع سلطة ومليارات مفقودة تعكر صفو النخبة الحاكمة في فنزويلا

قال رودلفو سانز، أحد مشرّعي القوانين بحكومة مادورور ووزير الصناعة السابق ونائب رئيس "مجموعة الصداقة البرلمانية الفنزويلية الصينية" (Venezuela-China Parliamentary Friendship Group)، إن الحكومة الفنزويلية أحرزت تقدماً كبيراً في سداد الديون بالنفط الخام، وآن الأوان لترفع فنزويلا مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الصين.

شهدت شركة "تشاينا ناشيونال بتروليم" (China National Petroleum)، وهي إحدى أكبر شركات إنتاج النفط بمنطقة حزام أورينوكو في فنزويلا، ارتفاع الإنتاج من مشروعها المشترك "سينوفينسا" (Sinovensa) إلى الضعف تقريباً ليبلغ 90 ألف برميل يومياً في مطلع أبريل، وفقاً للبيانات الصادرة عن "بتروليوس دي فنزويلا" التي جمعتها بلومبرغ. لكن الإنتاج ما زال أقل بنسبة 40% من أعلى مستوياته التاريخية عند 160 ألف برميل يومياً في 2015.

وفي إشارة أخرى إلى تحسن العلاقات، عاد أحد كبار الدبلوماسيين الصينيين والمستشار السابق للسفارة الصينية في فنزويلا لان هو، إلى كراكاس سفيراً، بعدما أمضى 4 أعوام بوزارة الخارجية في بكين ومدة في منصب السفير في دولة كولومبيا المجاورة.

صرّح وزير الخارجية الصيني في ردّ على أسئلة عن عودة العلاقات مع كراكاس، بأن "الصين وفنزويلا شريكان استراتيجيان، وطالما التزم البلدان مبدأ المساواة والمصلحة المتبادَلة. التعاون الفعلي القائم على مبدأ التعاون المفيد للطرفين والتحوُّل التجاري يحقّق منافع ملموسة للشعبين". وقد رفض التعليق على جوانب محددة من العلاقة.

لم تردّ وزارة الخارجية الأميركية في الوقت المناسب للنشر بعد عدة طلبات للتعليق.

تعيينات في "هواوي"

لم يمر تجديد العلاقات مع الصين على إعلام الدولة الفنزويلي مرور الكرام، فبثّ فقرات كثيرة تبرز المشروعات الثنائية وما شابه خلال الشهور السابقة، ومنها دعوة حديثة من بكين للمساعدة على بناء قاعدة على القمر خلال 5 سنوات تقريباً، إذ لم يسبق لفنزويلا استكشاف الفضاء.

وظفت شركة "هواوي تكنولوجيز" الصينية، التي تعمل في فنزويلا منذ أكثر من عقدين، في الوقت الحالي أكثر من 100 شخص في كراكاس خلال العام الماضي، وفقاً لشخصين من المطّلعين على الأمر.

طلب مادورو من "هواوي" في 2014 المساعدة على بناء شبكة اتصالات الجيل الرابع (4G) في أنحاء البلاد، وجاء هذا الطلب بعد أيام قليلة من توقيع الرئيس السابق رونالد ترامب أمراً تنفيذياً يحظر على شركات الاتصالات الصينية بيع أجهزتها في الولايات المتحدة. ولم يرد الممثلون الإعلاميون عن "هواوي" في فنزويلا على طلبات عديدة للتعليق.

قالت مارغريت مايرز، مديرة مركز "إنتر-أميركان ديالوغ" (Inter-American Dialogue) للبحوث والزميلة لدى "ويلسون سنتر" (Wilson Center) للبحوث: "ما كانت الصين لترحل فجأة عن فنزويلا. بل ستنتظر دوماً حتى تأتي الفرصة المناسبة".

يرى سانز، المشرع التابع للحزب الحاكم في فنزويلا، أن الصين "حليف استراتيجي من الدرجة الأولى".

وأضاف: "رغم حقيقة انخفاض حجم التبادل التجاري عما سبق، فإن الصين تنظر إلى فنزويلا باعتبارها دولة مهمة. سنستمر في كوننا دولة مهمة للصين لأن لدينا قدرات وإمكانيات أخرى".