جائحة "كورونا" تفاقم أزمات "الصيد الجائر"

حماية من الصيد الجائر
حماية من الصيد الجائر بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال الأيام الذهبية في عام 2015، تعهَّد القادة المجتمعون في الأمم المتحدة "باتخاذ خطوات انتقالية جريئة" لوضع الكوكب على مسار أكثر استدامة، وكان من ضمن هذه الخطوات تكليف منظمة التجارة العالمية بإنهاء الصيد المفرط غير القانوني. وبعد خمس سنوات، ومع وباء عالمي اجتاح الأرض؛ تمَّ تأجيل ذلك الحلم مرة أخرى.

الحفاظ على مخزون الأسماك

ويبدو أنَّ الهيئة التجارية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، التي تسعى إلى التوصل لاتفاق، قد تخرج خاوية الوفاض من محاولاتها للحفاظ على مخزون الأسماك المتضائل في العالم.

ووقَّعت صفقة مصائد الأسماك العالمية ضحية لقضايا المشاكل اللوجستية للتفاوض وسط قيود السفر، وانعدام الثقة المتزايد بين أعضاء منظمة التجارة العالمية. الأمر الذي يشكِّل نتيجة محبطة، ليس فقط لحماة الحياة البحرية؛ ولكن للمدافعين عن منظمة التجارة العالمية أيضاً، مما يحرم المنظمة من تحقيق أيِّ انتصار في الوقت الذي تتعرَّض فيه قدراتها على إبرام الصفقات للهجوم.

ووصف جون دينتون، الأمين العام لغرفة التجارة الدولية، وهي مجموعة أعمال مقرها باريس، ما حدث بأنَّه "نتيجة مخيبة للآمال بالنسبة للبيئة. والأهم من ذلك، أنَّها ضربة حقيقية لمصداقية منظمة التجارة العالمية".

وأضاف، "ينبغي على أعضاء المنظمة إتمام هذه الصفقة وحسب، وإذا ما كانوا جادين في استعادة الثقة في قانون التجارة العالمي، وقدرة منظمة التجارة العالمية على سنِّ قوانين جديدة ملائمة للقرن الحادي والعشرين".

نضوب مخزون الأسماك

وأصبحت المحادثات - التي استمرَّت لأكثر من عقد من الزمان - ضرورة أكثر إلحاحاً خلال السنوات الأخيرة، فقد انخفض عدد الأسماك في العالم بشكل مطَّرد إلى ما دون المستويات المستدامة.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة قد حذَّرت من أنَّ حالة مخزون الأسماك في العالم "منخفضة، و متدهورة". كما يشكِّل المبلغ الذي يقدَّر بنحو 22 مليار دولار، الذي تقدِّمه الحكومات في صورة دعم مصائد الأسماك كل عام، أحد الجوانب الرئيسية للمشكلة.

وتدعم الغالبية العظمى من هذه المعونات عمليات الصيد واسعة النطاق، التي تطغى على عمليات الصيد الصغيرة، وتقوِّض في نهاية المطاف الأمن الغذائي، وسبل العيش في المجتمعات الساحلية الأكثر فقراً.

الاضطرابات المتعلقة بالوباء

وجَّهت جائحة "كوفيد-19" ضربة موجعة للجهود التي تبذلها منظمة التجارة العالمية لإبرام صفقة خاصة بمصائد الأسماك، إذ حوَّلت الجائحة انتباه الحكومات سريعاً تجاه معالجة الآثار الصحية والاقتصادية الآنية على مواطنيها.

وفي جنيف، خسر المندوبون التجاريون وقتاً في غاية الأهمية، عندما منع مسؤولو الصحة السويسريون الاجتماعات الكبيرة في مارس من العام الماضي، مما أدَّى إلى فترة طويلة من الجمود. وعلى الرغم من أنَّ المسؤولين التجاريين قد تحوَّلوا في النهاية إلى المفاوضات الافتراضية، إلا أنَّ الأزمة الصحية أضرَّت بزخم المحادثات.

وقد زاد قرار منظمة التجارة العالمية تأجيل اجتماعها الوزاري، الذي كان مقرراً في يونيو 2020، من تفاقم هذه الحواجز اللوجستية، إذ يجتمع وزراء التجارة كل عامين للتوصُّل إلى الاتفاقات الخاصة بالصفقات المهمة. وتلى ذلك استقالة المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، بشكل غير متوقَّع في مايو من العام الماضي، تاركاً المنظمة بدون مدير لممارسة الضغط السياسي اللازم للتوصُّل إلى اتفاق.

نزاع على المعاملة الخاصة

وعندما تمكَّن أعضاء منظمة التجارة العالمية أخيراً من العودة إلى العمل، كافحوا من أجل سدِّ الفجوة العميقة بين الدول الكبرى حول الاستثناءات التي ينبغي تقديمها لأعضاء المنظمة من الدول النامية، والأقل نمواً.

فمن ناحية، جادلت الاقتصادات المتقدِّمة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنَّه يجب على جميع الدول إلغاء دعم أنشطة الصيد التي تزيد عن حاجتها، بالإضافة للصيد الجائر.

ومن ناحية أخرى، قالت الدول النامية، إنَّه يجب إعفاء حكوماتها إلى حدٍّ كبير من مثل هذه المحظورات. على الرغم من أنَّها تقود مجتمعة، معظم الأسماك التي يتمُّ صيدها كل عام، الذي يقدَّر بنحو 96.4 مليون طن.

وصدمت دولة الهند الوفود، عندما قدمت اقتراحاً لإعفاء البلدان النامية، بما في ذلك الصين، من معظم الضوابط الأساسية. كما رفضت حينها إدارة ترمب دعم الاقتراح، معتبرةً أنَّ مثل هذه الاستثناءات ستجعل الحظر يفقد قيمته.

وتواصل فيتنام، المعروفة بكونها من أكثر المنتقدين صراحةً لمطالب الصين الإقليمية، النزاع مع الصين على الحقوق في بحر الصين الجنوبي، في ظل تاريخ من الاشتباكات العنيفة منذ عام 1974.

وفي السنوات الأخيرة، استمرت المواجهات الشرسة بين البلدين حول مصائد الأسماك، والنفط، واحتياطيات الغاز في المنطقة. وتسبَّبت هذه النزاعات في أعمال شغب ضخمة في هانوي قبل أعوام، أعقبتها مصادمات بين السفن الفيتنامية والصينية. وبحسب وسائل الإعلام المحلية، فقد تعرَّض 4000 قارب لحوادث على مدار العامين الماضيين، في حين يزعم آلاف الصيادين الفيتناميين أنَّ قوارب الصيد الخاصة بهم قد صُدمت، وتمَّ إغراقها من قبل الصينيين. ومع إصرار الصيادين الفيتناميين على القيام بعمليات الصيد الخاصة بهم، فإنَّ مطلبهم الرئيسي، هو توحيد الجهود في البحر لضمان سلامتهم، واستبدال القوارب القديمة بأخرى جديدة أكبر وأكثر قوة بمساعدة القروض الحكومية.

الانتخابات الأمريكية ومنظمة التجارة

كانت الانتخابات الرئاسية الأمريكية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تركت المفاوضين يتساءلون عما إذا كان من الأفضل التفاوض على اتفاق مع مسؤولي إدارة ترمب أو انتظار تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

وكانت إدارة ترمب قد اتخذت موقفاً متشدداً ضد الصين، وانتقدتها لسعيها للحصول على مزيد من الشروط التفضيلية نظراً لوضعها في منظمة التجارة العالمية كدولة نامية.

لكنَّ بكين رفضت التوصل إلى حلٍّ توافقيٍّ بخصوص تلك المسألة، وجادلت في أنَّه يجب أن يكون هناك إعفاء واسع النطاق للصين- أكبر منتج للأسماك في العالم- لدعم صيد الأسماك في المحيطات.

وقال السفير الصيني لدى منظمة التجارة العالمية، تشانغ شيانغشن، في وقت سابق من 2020 إنَّ: " صيد الأسماك يعدُّ أمراً مهماً للغاية بالنسبة للصين لتغذية 1.4 مليار شخص، وإنَّ فرض حظر شامل على دعم الصيد في البحار أمر خارج عن سيطرتنا، وغير معقول في حدِّ ذاته".

وتبقى الخطوات التالية غير واضحة بسبب عدم اليقين الناجم عن تفشي وباء "كوفيد-19"، وعدم وجود مدير لمنظمة التجارة العالمية، وتغيير الإدارة الأمريكية..

وعلى نحو مثالي، سيواصل مندوبو منظمة التجارة العالمية مفاوضاتهم خلال 2021 بهدف تطوير شروط صفقة محتملة قبل المؤتمر الوزاري القادم لمنظمة التجارة العالمية، الذي كان من المقرَّر عقده في كازاخستان في يونيو القادم، ولكن لم تتم جدولته بعد.