الحظ لن يحالف أوروبا في سوق الغاز كل مرة

الحرارة المعتدلة وانخفاض طلب الصين أنقذا القارة في الشتاء الماضي لكن استمرار هذا الوضع غير مضمون

سفينتان تنقلان الغاز الطبيعي المسال قبالة أحد السواحل
سفينتان تنقلان الغاز الطبيعي المسال قبالة أحد السواحل المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قدمت كادري سمسون، المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة، الأسبوع الماضي موجزاً متفائلاً إلى حد ما لأزمة الغاز الطبيعي الأخيرة في القارة، بقولها: "خرجنا من الشتاء بمخزونات نصف ممتلئة، ونظرة مستقبلية إيجابية للشتاء المقبل". لكنَّ تفاؤلها هذا يمثل اعتماداً على الحظ ومجازفة لا داعي لها.

فبعدما تجاوزت أسعار الغاز في أوروبا ذروتها التي تخطت 330 يورو (362 دولاراً أميركياً) للميغاواط/ ساعة، انخفضت حالياً إلى 35 يورو، وهو أدنى مستوياتها منذ صيف 2021، ومع ذلك؛ فما زالت ضعف متوسطها التاريخي.

لكن هل ستستمر تلك الأسعار؟... ربما خلال الفترة الحالية فقط.

حالف الحظ أوروبا في الشتاء الماضي بفضل درجات الحرارة المعتدلة التي حدّت من الاستهلاك بشكل كبير، وسياسة صفر كوفيد التي اتبعتها الصين، التي أتاحت لأوروبا استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال ما كانت لتتوفّر لولا ذلك. كما انخفض مخزون القارة من الغاز إلى 55% من سعته بنهاية موسم التدفئة، مما يشكل ارتفاعاً كبيراً عن متوسط السنوات العشر البالغ 33%.

أزمة الغاز في أوروبا قد تعود.. و"غولدمان" يتوقع ارتفاع الطلب

انكماش القطاع الصناعي الأوروبي

لكنَّ الخروج من الشتاء بهذا المخزون الكبير من الغاز كان له ثمن، فعلى الرغم من أنَّ أوروبا تفادت الركود؛ لكنَّ القطاع الصناعي كثيف الاستهلاك للطاقة انكمش بشكل كبير. وهو أمر يؤكده جميع القائمين على القطاع الصناعي في أوروبا، ممن يقولون إنَّ أزمة الغاز لم تنتهِ بالنسبة لهم.

تراجع مشتريات الغاز في أوروبا انتظاراً لهبوطٍ أكبر في الأسعار

بغض النظر عن السبب وراء ذلك، ومع تبقي كمية أكبر من المتوقَّع من الغاز؛ فإنَّ تجديد المخزونات إلى سعة 90% التي تستهدفها بروكسل قبل الشتاء المقبل سيكون أسهل بكثير، فالنظرة المستقبلية إيجابية حقاً.

للوصول إلى مستهدف 90%؛ تحتاج أوروبا إلى إضافة نحو 35 مليار متر مكعب من الغاز إلى المخزون ما بين الفترة الحالية وأواخر أكتوبر، وتلك كمية أقل بكثير من متوسط عشر سنوات الذي قارب 55 مليار متر مكعب. حيث اشترت أوروبا في العام الماضي 70 مليار متر مكعب لإضافته إلى المخزون، وذلك أحد أسباب ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياتها المسجلة. وحتى لو زادت القارة مخزونها إلى 95% من السعة؛ ستكون كمية الغاز اللازمة أقل من الإضافات الجديدة في أي موسم على مدار العقد الماضي.

ارتفاع مخزونات الغاز الإقليمية

تحدد السوق السعر وفقاً لسيناريو بالغ السهولة، إذ يجري تداول عقود الغاز للتسليم الفوري بخصم كبير مقارنة بعقود التسليم في شتاء 2023- 2024. وهي علامة على وفرة الإمدادات لموسم تعزيز المخزونات الحالي، فضلاً عن أنَّه مؤشر على اعتقاد السوق بأنَّ الطلب الأوروبي سينخفض مرة أخرى خلال الشتاء المقبل في ظل زيادة الأسعار حينها.

بناءً عليه، جرى تداول عقود الغاز تسليم شهري يناير وفبراير 2024 بما يقارب 60 يورو للميغاواط/ ساعة.

الاتحاد الأوروبي يؤسس نادي مشتري الغاز لكبح تقلبات الأسعار

ارتفعت مخزونات الغاز الإقليمية إلى 60% من سعتها، وهو مستوى لم تصله خلال 2022 حتى مطلع يوليو، وبالوتيرة الحالية يمكن تجاوز هدف الوصول إلى 90% قبل أكتوبر بفترة طويلة، ربما في أواخر أغسطس أو مطلع سبتمبر، برغم أنَّ ذلك يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان يمكن للمنطقة شراء أي كمية ترغب فيها من الغاز الطبيعي المسال أم لا.

فمع فقدان الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب؛ أصبحت شحنات الغاز الطبيعي المسال هي مصدر الإمدادات الأساسي الجديد لأوروبا، لتحل محل الدور الذي أدته سابقاً شركة "غاز بروم" الروسية، التي تملكها الدولة.

واردات الغاز الأوروبية

بحسب وكالة الطاقة الدولية؛ شكّل الغاز الطبيعي المسال ثُلثي واردات المنطقة خلال موسم الشتاء في 2022- 2023 الذي شهد الأزمة. ووفقاً للتجار؛ أتى نصف تلك الواردات من شحنات كان من المفترض أن تذهب للصين، حيث لم تكن هناك حاجة لتلك الشحنات في الدولة الآسيوية نظراً لتأثير سياسة صفر كوفيد على الطلب الصناعي.

كان من المفترض توجيه جزء كبير آخر من هذه الواردات إلى بعض الدول الآسيوية الأخرى، بما في ذلك: الهند وبنغلاديش وباكستان، التي خرجت من سوق الغاز الطبيعي المسال لارتفاع أسعارها، واستخدمت الفحم لتوليد الكهرباء بدلاً منه.

كما أتت شريحة ضئيلة - وإن كانت ذات أهمية خاصة- من روسيا نفسها، مع استمرار أوروبا في شراء الغاز الطبيعي المسال الروسي (يُذكر أنَّ الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على صادرات النفط الروسي، لكنَّه لم يمس إمدادات الغاز، فانخفاض تدفقات الغاز من روسيا إلى أوروبا كان نتيجة وقف الكرملين للشحنات عبر خط الأنابيب، وليس انتقاماً أوروبياً من موسكو بسبب غزو أوكرانيا).

غاز طبيعي

بطء انتعاش الطلب

صاغ وائل صوان، الرئيس التنفيذي لشركة "شل"، أحد أكبر موردي الغاز الطبيعي المسال في العالم، الوضع بإيجاز في الأسبوع الماضي، فقال إنَّ الصين ما تزال لا تشتري كميات كبيرة من الغاز حالياً، مما يتيح توجيه الشحنات إلى أوروبا، وإنَّ الطلب الفوري على الغاز الطبيعي كان ضعيفاً. لكنَّه حذر أوروبا من قصر أجل استمرار هذا الوضع، مشيراً إلى أنَّ استهلاك الصين بدأ في الزيادة بالفعل.

بعد تخلي الصين عن سياسة صفر كوفيد في أواخر أيام 2022؛ توقَّعت السوق انتعاشاً سريعاً للطلب على الطاقة، لكنْ هذا لم يتحقق بالقدر الذي توقَّعه الكثير. ففي حين عاد الاستهلاك بقوة، حيث زاد الطلب على وقود الطائرات النفاثة والبنزين؛ تعافى قطاع التصنيع الذي يستخدم الغاز الطبيعي المسال بوتيرة أبطأ.

يعتقد المديرون التنفيذيون بالقطاع الصناعي أنَّ رجال الصناعة الصينيين كانوا خائفين من احتمال العودة إلى تطبيق سياسة صفر كوفيد. لذا؛ أعادوا تشغيل المصانع تدريجياً، وفي الوقت نفسه، انخفض طلب الغرب على السلع الصينية نظراً لوفرة المعروض في الولايات المتحدة وأوروبا.

قد يستمر ذلك لأشهر قليلة، مما يمنح أوروبا الوقت الكافي لتجديد مخزونها من الغاز وتجنب أزمة في الشتاء. لكنَّ المراهنة على الحظ الجيد في كل مرة ليست استراتيجية ناجحة أبداً على المدى البعيد.