"إيرباص" تراهن على الهيدروجين لتطوير طائرات بدون انبعاثات

طائرة "إيزي جت" من طراز "إيرباص A320 نيو"
طائرة "إيزي جت" من طراز "إيرباص A320 نيو" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه عملية تطوير طائرة عديمة الانبعاثات تعمل بالهيدروجين عراقيل كثيرة، فليس من السهل حفظ وقود شديد الاحتراق على نحوٍ آمن، واستخدامه دون وجود مطارات مجهَّزة أصلاً لإعادة تعبئة هذه الطائرات بالوقود، أضِف إلى ذلك تكلفة الهيدروجين التي تشكِّل عائقاً كبيراً، هذا على الأقل، إذا أردنا تفادي إنتاج الغازات الدفيئة عند معالجته.

وعلى الرغم من تلك العراقيل، فقد تعهَّدت شركة صناعة الطائرات الأوروبية "إيرباص"، الأكبر في العالم، بأن تطوِّر طائرات تعمل بالهيدروجين قابلة للتسويق التجاري في غضون خمس سنوات. وتتلقى الشركة الكبرى الدعم سواء من أصحاب المصلحة فيها – ألا وهي الحكومات الفرنسية، والإسبانية، والألمانية التي كانت قد تعهَّدت بدورها أن تتخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 – أو بفضل مليارات اليورو التي تحصل عليها على شكل إعانات حكومية. ولكن، حتى مع كل هذه المساعدات، ستكون هذه المهمة عسيرة، وستحتاج إلى إعادة تصوّر صناعة الطائرات بأكملها، وهي صناعة تُقدّر قيمتها بتريليون دولار.

خيارات متعددة

ولم يكن الهيدروجين خيار الشركة الأول. بل أمضى مهندسو "إيرباص" سنوات كثيرة يدرسون إمكانية الاستعانة بالبطاريات لتخزين الكهرباء على متن الطائرات، وذلك بالاشتراك مع شركة "رولز رويس". لكنَّهم وضعوا هذا المشروع جانباً في 2020. فبالرغم من أنَّه من المنطقي استخدام البطاريات في السيارات والحافلات، إلا أنَّّ مستويات الطاقة المنخفضة نسبياً التي تنتجها البطاريات، تعني أنَّ أي بطارية قادرة على حفظ شحنة كافية لرحلة طويلة المسافة ستكون أثقل مما يمكن وضعه في طائرة.

ويقول جلين ليويلين، المهندس الذي يتولى قيادة تجربة "إيرباص" الطموحة: "إنَّ الهيدروجين هو من أكثر أنواع الطاقة الواعدة، وسيسمح لنا بتشغيل الطائرات، وتفعيل قطاع الطيران بالطاقة المتجددة"، مضيفاً: "لا نلحظ تقدماً في تقنية البطاريات بالوتيرة التي نحتاج إليها لنحقق تطلُّعاتنا".

ويشكِّل هذا المشروع أفضل فرصة للعالم حالياً ليحصل على رحلات جوية لا تلوث كوكبنا. إذ قد يساعد الهيدروجين على وضع حدٍّ للانبعاثات التي من المتوقَّع أن تبقى فترة طويلة جداً حتى بعد أن تصبح شبكات الكهرباء معتمدة بالكامل على مصادر الطاقة النظيفة، وبعد أن تصبح السيارات الكهربائية هي السائدة.

وستساعد هذه التقنية المسافرين المهتمين بالبيئة على عدم الشعور بذنب كبير لمساهمتهم بالاحتباس الحراري، كلَّما صعدوا على متن طائرة.

يُشار إلى أنَّ قطاع الطيران أضاف أكثر من مليار طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي عام 2019 بحسب "بلومبرغ NEF". وفي حين أنَّ الانبعاثات قد هبطت على الأرجح العام الماضي بسبب جائحة فيروس كورونا، إلا أنَّ هذا الهبوط لن يدوم مطوَّلاً.

تكلفة أعلى

وخلافاً للوقود الأحفوري الذي يتسبَّب احتراقه بانبعاث ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من الطاقة الحرارية على الأرض، ينتج احتراق الهيدروجين في الغالب بخار الماء فقط. واليوم، يجري استخدام الكمية الأكبر من الهيدروجين لتكرير النفط، وصناعة المواد الكيميائية، ويتمُّ إنتاجه في الغالبية القصوى من الغاز الطبيعي أو الفحم.

غير أنَّه من الممكن توليده أيضاً عبر تمرير تيار كهربائي في الماء، إلا أنَّ تكلفة تطبيق ذلك أعلى. ولكن، إن تمَّت هذه العملية بالاعتماد على مصادر طاقة متجددة، مثل الرياح أو الطاقة الشمسية؛ يصبح بالإمكان استخدام هذا الوقود من دون إنتاج ثاني أكسيد الكربون نهائياً.

وهو ما تنوي شركة "إيرباص" فعله. إذ تقدِّر الشركة أنَّه بإمكان هذا الهيدروجين الصديق للبيئة أن يقلِّل الانبعاثات الناتجة عن قطاع الطيران بالنصف تقريباً، وهو توقُّع محيِّر بعض الشيء نظراً لأنَّ مجموعة بحوث مصادر الطاقة النظيفة "بلومبرغ إن إي إف" كانت قد توقَّعت أن تتضاعف هذه الانبعاثات على المستوى العالمي بحلول عام 2050.

ويدرس فريق ليويلين ثلاثة تصميمات مختلفة، وهي: طائرة تجارية تقليدية، وطائرة مروحية توربينية، ونموذج جديد يدمج الجناحين ضمن جسم الطائرة، علماً أنَّ التصاميم الثلاثة ستستخدم الهيدروجين في توربينات غازية معدَّلة لدفع محركات الطائرة، كما في خلايا الوقود لإنتاج الطاقة الكهربائية.

وتبقى المشكلة الأساسية في كيفية تخزين الهيدروجين. فبما أنَّ الطائرة تحتاج إليه بكمية أكبر مما تحتاج إلى مزيج البنزين والكيروسين المستخدم اليوم، وهو لا يمكن حفظه داخل الجناحين، كما يُخزَّن الوقود حالياً، فإنَّ ذلك يعني أنَّه سيتعيَّن على الأرجح حفظه داخل جسم الطائرة، أو ربَّما سيتعيَّن على المصمِّمين إضافة ذيل مطوَّل للطائرة، كي يتمَّ حفظ خزانات الهيدروجين في المنطقة التي تفصل المقصورة عن الجزء غير المضغوط من الطائرة.

أولوية قصوى

وتعتزم "إيرباص" دراسة حلول أخرى، منها حفظ الغاز داخل وحدات توضع تحت الجناح أو في جيوب تحت الطائرة بحسب ليويلين. ويبقى النموذج الجديد الذي يدمج جناحي الطائرة هو الأفضل لحفظ الهيدروجين، لأنَّه يوفِّر مزيداً من المساحة في المقصورة. ولأنَّه تصميم جديد، سيكون من الصعب جداً المصادقة على سلامته للطيران. ولهذا السبب، فمن المرجَّح أن تختار "إيرباص" هيكل طائرة تقليدي، على الأقل في الوقت الحالي.

وتنوي الشركة أن تمضيَ السنوات الخمس القادمة في تطوير المفاهيم، وتنفيذ عروض الطيران لهذه الطائرات. ثمَّ تقرر في عام 2025 إمكانية أن تمنح الضوء الأخضر لإنفاق المليارات من أجل تطوير هذه الطائرة فعلياً. ومن هذا المنطلق، ستحتاج الشركة إلى سنتين إضافيتين لاختيار مورِّديها، ومواقع تصنيعها، مما يعني أنَّ الإنتاج الفعلي سيبدأ على الأرجح قرابة عام 2028.

وإذا سار كل شيء على ما يرام، تزعم الشركة أنَّ أوَّل طائرة تعمل بالهيدروجين ستبدأ بنقل المسافرين بحلول عام 2035. ويقول ليويلين في هذا الإطار: "إنَّ "إيرباص" تمنح أولويةً قصوى لهذا المشروع"، مضيفاً: "أنا متفائل للغاية بأنَّنا نستطيع تحقيق هذا الجدول الزمني نظراً إلى العقلية التي نتَّبعها".

وتأمل "إيرباص" أن يصبح الوقود القائم على الهيدروجين رخيصاً بما يكفي بحلول 2035، كي يتمكَّن من التنافس مع الوقود الأحفوري، وأن يصبح بإمكان عدد كافٍ من المطارات دعم الطائرات التي تعمل بالهيدروجين، مما يجعل من الأخيرة صفقة جذَّابة لشركات الطيران. وهذا ما يدفع الشركة إلى الإعراب عن طموحاتها قبل 15 عاماً من تحقيقها بحسب ليويلين. ولكن، على الرغم من ذلك، يبقى هذا المطلب كبيراً، خاصة وأنَّ جائحة فيروس كورونا تسبَّب في شلل القطاع بأكمله.

لكنَّ الأمور قد تتبدَّل سريعاً في الأعوام القادمة، مع تزايد ترويج الحكومات حول العالم للهيدروجين كوسيلة لخفض انبعاثات الكربون. كما أنَّ اقتصادات كُبرى أمثال أوروبا، والصين، واليابان تنوي توسيع إنتاجها للهيدروجين منخفض الكربون باعتباره استراتيجيتها الأساسية لتحقيق أهدافها المتمثِّلة بـ "صافي انبعاثات صِفر". وقد يساهم ذلك في خفض كلفة الهيدروجين النظيف بما يكفي ليصبح قادراً على التنافس مع الهيدروجين المنتج باستخدام الوقود الأحفوري مع حلول عام 2030 بحسب "بلومبرغ NEF".

كثير من المخاطر

وفي هذا الصدد بدأت شركة "يونيفرسال هيدروجين" بالعمل على حلِّ لمشكلة المطارات، وهي شركة ناشئة أسسها المدير التنفيذي السابق في "إيرباص"، بول إيريمنكو، بالاستعانة بمشورة الرئيس التنفيذي السابق توم إندرز. إذ طوَّرت الشركة كبسولات مغلَّفة بمادة واقية "Kevlar"، كما يمكن أن تحفظ الهيدروجين، وتنقله قبل استخدامه على متن الطائرات، مما يعني أنَّ المطارات لن تُضطر إلى الاستثمار في بنى تحتية باهظة الثمن، مثل الأنابيب، ومنشآت حفظ الهيدروجين. ويقول إيريمنكو، إنَّ "يونيفرسال هيدروجين" خاضت نقاشات مع "إيرباص" ومنافستها الأمريكية "بوينغ" و"كوماك" التي تملكها الحكومة الصينية، حول استخدام هذه الشركات لتقنيتها.

وتسعى "إيرباص" إلى استخدام الهيدروجين السائل الذي يحتاج إلى مساحة أقل من الغاز، مع أنَّ ذلك يجلب معه حفنة إضافية من التحديات. فالتقنية المستخدمة لإنتاج الهيدروجين المُسال، قد تغيَّرت بالكاد منذ خمسين عاماً بحسب جاكوب ليتشمان، مؤسس "مختبر خواص الهيدروجين لبحوث الطاقة" في جامعة ولاية واشنطن.

و تستهلك العملية المتبعة حالياً لإسالة الغاز واستخدامه في وسائل النقل حوالي ثلث الطاقة التي يولِّدها حرق الهيدروجين نفسه. إلا أنَّ زيادة الطلب على الهيدروجين المُسال قد تدفع شركات التصنيع الكبرى إلى الاستثمار في تقنيات أفضل تخفِّض نسبة الطاقة المستهلكة في العملية، مما من شأنه جعل إنتاج الهيدروجين المسال أكثر توفيراً.

وتواجه "إيرباص" الكثير من المخاطر، إذا ما فشل رهانها على الهيدروجين، فهي تتفوَّق حالياً على "بوينغ" التي أوشكت على إعادة طائرات "ماكس" إلى التحليق من جديد بعدما كانت قد أوقفتها. لكنَّ حدوث زلة كبيرة في تقنية ما تزال غير مستقرة قد تعيد "إيرباص" إلى الوراء، خاصة أنَّ "بوينغ" تنوي تطوير طائرة تقليدية جديدة قبل أن تبدأ العمل على نموذج عديم الانبعاثات.

ويقول هنا روبرت طومسون، وهو محلل في "شركة رولان بيرجيه للمستشارين الاستراتيجيين المحدودة": "أعتقد أنَّ "إيرباص" نفسها تصف جدولها الزمني بالطموح. فثمَّة الكثير من العمل الذي يجب إتمامه من ناحية تطوير التقنيات".

وتستغرق برامج صناعة الطائرات في العادة ما لا يقل عن خمس أو ستّ سنوات لتطوير التقنية بعد أن يتم إثباتها، مما يعني أنَّه ليس أمام "إيرباص" سوى سبعة أو ثمانية أعوام فقط لبناء منظومة متكاملة من منتجي الهيدروجين، والمصنِّعين، والمطارات أيضاً. وإذا لم تجد طريقةً لخفض التكاليف في كلِّ خطوة من خطوات هذه العملية، سيكون كلُّ ما سعت إليه الشركة عبثاً. ويُعرب ليويلين قائلاً: "ما من فائدة في إنتاج أمرٍ قابل للتنفيذ من الناحية الفنية، إنَّما ليس بمقدور أحد تحمُّل تكلفة السفر به. لن نتمكن من خفض أثر السفر جواً على المناخ، ما لم نقدِّم حلاً اقتصادياً مجدياً".