"اقتراع الحسم" في تركيا.. أردوغان يواجه أقوى المنافسات خلال عقدين

مارة يعبرون من أمام لوحة جدارية للرئيس التركي رجب أردوغان في مدينة بورصة، تركيا، في 4 يناير 2022.
مارة يعبرون من أمام لوحة جدارية للرئيس التركي رجب أردوغان في مدينة بورصة، تركيا، في 4 يناير 2022. المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، لاختيار رئيس جديد للبلاد، في انتخابات تشهد منافسة شديدة، إذ رجحت استطلاعات الرأي تصاعد أسهم مرشح "تحالف الأمة" كمال كليجدار أوغلو، في حين يطمح الرئيس الحالي ومرشح "تحالف الجمهور" رجب طيب أردوغان، إلى البقاء في السلطة لاستكمال مسيرة استمرت نحو عقدين.

كما يسعى سنان أوغان مرشح "تحالف آتا" (الأجداد) إلى تحقيق مفاجأة انتخابية كبيرة، خاصة في ظل انسحاب رئيس "حزب الوطن" التركي المعارض محرّم إينجه، الخميس الماضي، ما أدّى لارتباك المشهد السياسي، وتعزيز فرص معارضي أردوغان.

وسيقرر الناخبون من خلال اختيار الرئيس المقبل ليس فقط من يحكم تركيا، لكن أيضاً النهج السياسي والاقتصادي الذي تسلكه البلاد في السنوات المقبلة.

حلم البقاء في السلطة

بعد عقدين من إحكام قبضته على السلطة، يواجه أردوغان تحدياً غير مسبوق في الانتخابات الرئاسية، بينما تحاصره الأزمات الاقتصادية، وتُقوّض شعبيته في البلاد.

يُعتبر أردوغان الذي بلغ في فبراير الماضي 69 عاماً من عمره، أحد أكثر الزعماء شعبية في تاريخ تركيا، إذ لطالما كان الاقتصاد أساس نجاحاته ومن خلفه حزب "العدالة والتنمية".

وُلد الرئيس التركي عام 1954 ونشأ في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة إسطنبول، وتخرج في جامعة العلوم الاقتصادية في مرمرة في عام 1981.

وفي عام 1976 انضم إلى حزب "الخلاص" بزعامة رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، الذي يُعد عرابه السياسي، وفي الثمانينيات رافق أربكان في تأسيس "حزب الرفاه".

شغل أردوغان منصب رئيس بلدية إسطنبول عام 1994، إلا أنه فُصل في 1997 بعد سجنه على خلفية قصيدة ألقاها أمام الناس في مدينة سيرت، وبعد 4 أشهر أفرج عنه، ليُقرر مع أصدقائه تأسيس حزب "العدالة والتنمية" في أغسطس 2001 عقب حظر "حزب الرفاه" ذي التوجهات الإسلامية.

وفي 2002 فاز حزب أردوغان الجديد آنذاك بنحو 35% من الأصوات بالانتخابات العامة، ليصبح صاحب الكتلة البرلمانية الأكبر، ومن ثم يصبح مؤهلاً لتشكيل حكومة.

وفي 2003، أصبح أردوغان رئيساً للوزراء، ليبدأ عقدٌ من الازدهار الاقتصادي، وارتفاع مستويات المعيشة نتيجة طفرة في البنية التحتية، والتصنيع بأنواعه، والاستثمار الأجنبي، كما ارتفع حجم الاقتصاد التركي بصورة لافتة.

واستمر أردوغان في منصبه رئيساً للوزراء حتى عام 2011، وفي عامي 2014 و2018، انتُخب رئيساً للبلاد لفترتين، وفي أكتوبر 2017 وافق الأتراك في استفتاء على تعديلات دستورية تقضي بتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، وطال هذا التغيير انتقادات كبيرة، اعتبرت أن أردوغان يقود البلاد إلى "نهج ديكتاتوري".

فاز أردوغان بالانتخابات الرئاسية وتولى منصبه الجديد بصلاحيات كبيرة.

وفي يوليو 2016، رسخ الرئيس التركي أركان حكمه، عقب فشل محاولة "انقلاب عسكري"، إذ هزت الانفجارات وأصوات إطلاق النار، أكبر المدن التركية إسطنبول وأنقرة، وسيطر الجنود المشاركون في الانقلاب على مواقع حيوية عدة في المدينتين، وأمروا التلفزيون الحكومي بقراءة بيان أعلنوا فيه السيطرة على السلطة.

ومع ذلك، سرعان ما اتهمت المعارضة أردوغان باستغلال الانقلاب واتخاذه بما وصفتها "إجراءات قمعية استثنائية"، إذ احتُجز أكثر من 77 ألفاً، وفُصل 150 ألف موظف حكومي أو أُوقفوا عن العمل.

ومع أن النجاح الاقتصادي كان العامل الرئيسي في كسب ثقة "العدالة والتنمية" للناخبين الأتراك، إلا أن الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد وتداعياتها على الوضع المعيشي، من تضخم وتراجع قيمة العملة، لاسيما في السنوات الماضية، أدت إلى تراجع شعبية الحزب وزعيمه.

كما أسهم الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير الماضي 2023، وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص على الأقل، إلى تقويض الثقة في إدارة أردوغان للبلاد، إذ حُمّلت حكومة "العدالة والتنمية" مسؤولية التراخي والتساهل مع المقاولين بمعايير البناء في المناطق التي ضربها الزلزال.

وأظهرت استطلاعات الرأي تقارب فرص الفوز في الانتخابات، فضلاً عن توحّد المعارضة ضد الرئيس التركي.

كمال كيليجدار أوغلو يتحدث خلال تجمع انتخابي في إسطنبول يوم 6 مايو.
كمال كيليجدار أوغلو يتحدث خلال تجمع انتخابي في إسطنبول يوم 6 مايو. المصدر: بلومبرغ

المنافس الأبرز

يتزعّم كمال كيليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري المعارض، ثاني أكبر الأحزاب في تركيا، ويُعتبر المنافس الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية.

وُلد في عام 1948 في ولاية تونجلي لعائلة تنتمي إلى الطائفة العلوية، وتخرج في أكاديمية أنقرة للدراسات الاقتصادية والتجارية عام 1971 في أنقرة، وشق طريقه السياسي عام 2002، بانضمامه إلى حزب "الشعب الجمهوري" الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.

وانتُخب أوغلو نائباً في البرلمان مرتين، قبل أن يرأس حزبه عام 2010 خلفاً لدينيز بايكال، ثم أصبح زعيم المعارضة التركية بصفته رئيساً لأكبر أحزابها.

يستهدف كيليجدار أوغلو البالغ من العمر 74 عاماً، الإطاحة بأردوغان لإحداث "تغيير كامل" عبر إعادة إرساء النظام البرلماني في تركيا بعدما حوّله أردوغان إلى نظام رئاسي يستأثر فيه رئيس الجمهورية بالسلطة التنفيذية.

وفي أول تصريحات بعد إعلانه مرشحاً لائتلاف المعارضة في تركيا، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري "سنكون جاهزين لإدارة تركيا بالنظام البرلماني المعدل"، مضيفاً أنه تم الاتفاق على أن "رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى سيكونون نواباً لرئيس الجمهورية"، في حالة فوزه بالانتخابات.

وبوسع كيليجدار أوغلو، وهو موظف مدني سابق، استغلال سنوات من التأزم الاقتصادي وارتفاع التضخم بالإضافة إلى الزلازل التي دمرت الجنوب الشهر الماضي وأسفرت عن مصرع عشرات الآلاف وأثارت انتقادات لطريقة استجابة الدولة للكارثة.

لكن رغم حظوظ كيليجدار أوغلو الجيدة في الانتخابات الرئاسية، إلا أن البعض يُشكك في أن الاقتصادي السابق المشاكس الذي تقدم الصفوف باعتباره محارباً للفساد قد يهزم أردوغان الذي حكم تركيا لأطول فترة بين باقي الزعماء، والذي ساعدت شخصيته الكاريزمية في حملته الانتخابية، في تحقيق أكثر من عشرة انتصارات انتخابية.

واستطاع كيليجدار أوغلو توحيد 6 أحزاب ذات أيديولوجيات مختلفة لحشد المعارضة ضد أردوغان، وبحسب ما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أظهرت معظم استطلاعات الرأي أن زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري يتقدم على مرشح "العدالة والتنمية".

ونقلت الصحيفة عن كيليجدار أوغلو الشهر الماضي قوله إنه "لا يثق في مجلس الانتخابات الأعلى في تركيا"، محذراً من أن المجلس قد يتدخل إذا خسر أردوغان.

المرشح الأصغر

نجح الأكاديمي التركي سنان أوغان في الحصول على أكثر من 100 ألف توقيع والذي يُعد شرطاً قانونياً للترشح إلى أعلى منصب في البلاد، ويُمثّل في هذا الاستحقاق "تحالف آتا" الذي يعني الأجداد، ويضم أحزاباً قومية متطرفة، أبرزها "حزب النصر" الذي يتزعمه النائب البرلماني أوميت أوزداغ المعروف بمواقفه العنصرية تجاه الأجانب.

وُلد أوغان عام 1967 في آيدر لمزارع من أصول أذربيجانية، وتخرج في كلية إدارة الأعمال بجامعة مرمرة، حيث حصل على شهادة الماجستير، قبل أن ينال الدكتوراه في العلاقات الدولية من روسيا، ويعمل حالياً باحثاً في جامعة مرمرة، ويتحدث الإنجليزية والروسية، ولديه 3 مؤلفات وأكثر من 500 مقالة بحثية، وحاز على عدد كبير من الجوائز.

ولم يكتف أوغان بنجاحاته الأكاديمية، إذ دفعه توجهه القومي للانخراط في الحياة السياسية التركية تحت مظلة حزب "الحركة القومية"، وقد انتخب نائباً عنها في ولاية آيدر عام 2011، لكنه واجه الطرد مرتين من الحزب، آخرهما بسبب دعوته للتصويت ضد التعديلات الدستورية عام 2017، واتهمه الحزب بـ"الإضرار بشكل كبير بوحدة الحزب. والافتقار للانضباط تجاه زعيم الحزب".

ورغم ذلك، لم ينتقل الأكاديمي التركي لحزب آخر منذ ذلك الوقت، بل أعلن تمسكّه بولائه للحركة القومية، وعلى الرغم من أن "تحالف الأجداد" بقيادة أوزداغ سمّاه مرشحاً رئاسياً، إلا أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة مرشحاً مستقلاً.

وبالنسبة للسياسة الخارجية، وعد سنان أوغان، في حال فوزه بعدم الاحتفال بعيد استقلال اليونان، وكقومي متطرف لطالما أكد أن إيلاء الاهتمام الأكبر بالدولة التركية. كما تعهّد بإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم بالقوة إن لزم الأمر بشكل قانوني.

ولكن حظوظ مرشح "تحالف آتا" الذي يُعتبر أصغر المرشحين للانتخابات الرئاسية (55 عاماً) تبدو ضعيفة مقارنة بقوة خصومه، ولا سيما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو.

واليوم تدخل تركيا مساراً انتخابياً "غير مسبوق"، تتأرج فيه الوعود والآمال بين ترسيخ نظام استمر لسنوات عديدة، ومحاولات لتشكيل نمط جديد من الحكم، ربما يؤثر بشكل كبير على حيالة الأتراك وعلاقاتهم بمحيطهم الإقليمي والعالم.