سوق العملات المشفرة مقامرة وتنظيمها لا ينبغي أن يكون كذلك

يرغب المشرعون في المملكة المتحدة بتصنيف "بتكوين" كالكازينوهات.. لكن ذلك يحتاج إلى الكثير من العمل

لافتة إعلانية مضيئة خارج كازينو "لاس فيغاس دي" تعلن أن المنشأة باتت الآن تقبل "بتكوين" كوسيلة للدفع، لاس فيغاس، نيفادا، الولايات المتحدة
لافتة إعلانية مضيئة خارج كازينو "لاس فيغاس دي" تعلن أن المنشأة باتت الآن تقبل "بتكوين" كوسيلة للدفع، لاس فيغاس، نيفادا، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"اللعبة لا تنتهي أبداً عندما يعتمد عالمك بأكمله على ظهور ورقة صديقة"، هكذا غنّت ذات مرة فرقة "آلان بارسونز بروجيكت" (Alan Parsons Project) التي تعزف موسيقى "بروغريسيف روك". ما يعادل ذلك اليوم هو سعر العملة المشفَّرة "الصديقة-العدوة".

توفر الرموز الرقمية نشوة لعب القمار في كل لحظة، فيما يراهن المقامرون السُذج بشكل كبير على العملات المشفَّرة المتقلبة التي تثري البورصات، وتدمر حياة الأشخاص، وتحرض على ارتكاب الجرائم. فهل يجب على المنظمين جعل الصلة بين العملات المشفَّرة والقمار رسمية؟

اقترحت لجنة من النواب في المملكة المتحدة تنظيم تداول الأفراد للعملات المشفَّرة كما لو كان قماراً فعلياً، وليس امتداداً للخدمات المالية. وعلى الرغم من أنَّ أوجه التشابه مع القمار تعود إلى الأيام الأولى من "بتكوين" وحتى أسلافها؛ فإنَّ انهيار السوق في العام الماضي، وانهيار بورصة المشتقات "إف تي إكس" -بقيادة متداولين جريئين متخصصين في الرهانات عالية المخاطر– دفع بموضوع فصل العملات المشفَّرة عن أي من محركات القيمة المرتبطة بالأسهم أو السندات أو غيرها من الأوراق المالية الخاضعة للتنظيم إلى جوهر النقاش الدائر حول وضع القواعد.

فوائد تنظيم العملات المشفرة

إنَّ لهذه الفكرة الكثير من الجوانب الإيجابية من الناحية النظرية؛ إذ إنَّ استخدام لغة المقامرة والفسق من شأنه أن يسلب تداول العملات المشفَّرة بريقها الاقتصادي المتطور، وسيجعل البنوك وصناديق التقاعد تهرب بسرعة حتى أسرع مما حدث بعد انهيار البنوك الإقليمية الأخير ذات الروابط مع شركات التشفير. ستكون العملات المشفَّرة أقل احتمالاً للتحول إلى مخاطر بنيوية تهدد الاستقرار المالي، في ظل وجود المزيد من العوائق التي تحول دون دمجها في النظام المالي التقليدي (TradFi).

تحرص اللجنة المذكورة آنفاً على إبعاد حكومة ريشي سوناك عن الموقف الذي يضع جذب الاستثمار قبل سلامة المستهلك، قائلة إنَّ "تنظيم العملات المشفَّرة كخدمة مالية يخلق لها (هالة) تقود المستهلكين إلى الاعتقاد بأنَّ هذا النشاط أكثر أماناً مما هو عليه".

كيف يمكن لقطاع التشفير أن يكون كصناعة الموسيقى؟

على مستوى حماية المستهلك -مرة أخرى من الناحية النظرية- يمكن أن يكون التنظيم على نمط ما حصل مع المقامرة نعمة أيضاً. لن تتمكن الأندية الرياضية من مطاردة رعاة العملات المشفَّرة كبديل لإعلانات وكلاء المراهنات. وسيكون لشركات العملات المشفَّرة مسؤوليات جديدة فيما يتعلق بالمقامرين الذين يعانون من مشكلات القمار، وأولئك دون السن القانونية، بالإضافة إلى التهرب الضريبي، وغسيل الأموال.

قد يضطر المعلنون إلى نشر تقديرات تفيد أنَّ ما يصل إلى 81% من المستخدمين الذين توجهوا بكثافة إلى "بتكوين" بين عامي 2015 و2022 فقدوا أموالهم. فكما قال أحد المدمنين السابقين على العملات المشفَّرة لصحيفة "الغارديان" العام الماضي: "التداول هو قمار، ليس هناك شك في ذلك".

صعوبة التنظيم

لكن من الناحية العملية، قد تؤدي إعادة تسمية العملات المشفَّرة إلى استبدال مجموعة من المشكلات بمجموعة أخرى. المعنى الضمني هو أنَّ صناعة التشفير البالغة 1.2 تريليون دولار ستجد نفسها تحت قيود تنظيمية أكثر صرامة، لكنَّ واقع التنفيذ يروي قصة مختلفة.

على سبيل المثال؛ تضم "لجنة المقامرة في المملكة المتحدة"، حوالي 300 موظف، أو ما يقرب من عُشر موظفي "هيئة السلوك المالي" التي تواجه بدورها صعوبات في التعامل مع أمور شتى بدءاً من البورصات مثل "بينانس"، حتى أجهزة الصراف الآلي للعملات المشفَّرة. وتاريخ تنظيم المقامرة في المملكة المتحدة مليء أيضاً بسيطرة الصناعة على السلطات التنظيمية، وإخفاقات في حماية المستهلك، حتى لو كان التنظيم اليوم يبذل جهوداً جادة لفتح صفحة جديدة.

قطاع التشفير يستحق الإصلاح.. وعلى الجهات التنظيمية التحرك

من دون تكثيف الموارد التنظيمية لمواجهة عالم أصبح فيه الكثير من النشاط عبر الإنترنت -من الرياضات الإلكترونية إلى تداول الأسهم وصولاً إلى "صناديق الغنيمة" في ألعاب الفيديو- الشبيه بالمقامرة؛ فقد تصبح مسألة التصنيفات نقاشاً مجرداً من الأهمية العملية.

الحاجة لنهج هجين وتعاون بين المؤسسات

لنأخذ على سبيل المثال حالة من أحدث الإخفاقات التنظيمية غير المتعلقة بالعملات المشفَّرة في المملكة المتحدة؛ "مؤشر كرة القدم" (Football Index)، وهو "سوق أسهم" لكرة القدم يحمل علامة تجارية خاصة به، وانهار في عام 2021، وكبّد مئات الآلاف من العملاء الخسائر.

تم ترخيص المنتج من قبل "لجنة المقامرة في المملكة المتحدة"، ولكنْ خلف الكواليس دار جدل لسنوات حول ما إذا كان يجب أن يكون هناك دور رقابي أيضاً من قبل "هيئة السلوك المالي". وجد تقرير أمرت بإعداده الحكومة أنَّ نهج "هيئة السلوك المالي" يبدو أنَّه كان يعتمد على ما إذا كان لديها موارد كافية، بدلاً من النظر إلى ما إذا كان ضمن اختصاصها القضائي. إذا لم يستطع المشرفون على المقامرة والمال (أو لن يتمكنوا) من معرفة الفرق بين الاثنين بعد الآن، فما هو الأمل الموجود لتحديد المكان الذي يجب أن تصنف فيه العملات المشفَّرة في المشهد التنظيمي؟

اقرأ أيضاً: الخطر الخفي لطموحات البنوك المركزية في العملات المشفرة

ربما المطلوب هو نهج هجين، وتعزيز ودمج المنظمين. هناك بعض الخطوات التجريبية التي تم اتخاذها: في فرنسا، على سبيل المثال؛ حددت هيئة المقامرة الحكومية بعض الأنشطة المشفَّرة التي تندرج تحت اختصاصها، مثل شركة تداول "الرموز غير قابلة للاستبدال" (NFT) تسمى "سوراري" (Sorare)، وأصدرت توجيهات للشركة برغم بدء "الاتحاد الأوروبي" سنّ حزمة رئيسية من قواعد التشفير تسمى "الأسواق في الأصول المشفَّرة" (MiCA)، وفي المملكة المتحدة؛ وقَّعت "لجنة المقامرة" و"هيئة السلوك المالي" مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون وتبادل المعلومات.

إنَّ تقليص صناعة العملات المشفَّرة بعد العديد من الفضائح والخداع هو هدف جدير بالتحقيق. لكنَّ اختيار النظام التنظيمي المناسب لا ينبغي أن يكون مقامرة.