أكبر تحديات رئيسة "تويتر" التنفيذية الجديدة هو المالك ماسك

تعيين خبيرة الإعلانات المخضرمة ليندا ياكرينو قد ينقذ "تويتر" إذا بقي ماسك راضياً عنها

رئيسة "تويتر" التنفيذية ليندا ياكرينو
رئيسة "تويتر" التنفيذية ليندا ياكرينو المصدر: يو بي آي/ الامي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أعلن إيلون ماسك مازحاً في ديسمبر إنه سيتنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لـ"تويتر" ما أن يجد شخصاً "مجنوناً بما يكفي" ليحلّ مكانه. السؤال الذي يطرح نفسه بعدما عثر على من يحلّ مكانه، هو ما إذا كان سيتيح لها المجال لتعمل فعلاً، أم أنه سيشعرها بأنها مجنونة لأنها قبلت هذه الوظيفة.

بشكل عام، يبدو أن اختيار ماسك لرئيسة قسم الإعلانات السابقة في "أن بي سي يونيفيرسال" ليندا ياكرينو مثالياً، فهي تملك علاقات متينة في مجال الإعلانات، ما يمنح "تويتر" فرصة لتحسين علاقتها مع المعلنين الذين أخذوا ينسحبون من شبكة التواصل الاجتماعي بعدما استحوذ ماسك عليها في أكتوبر. بعد الإعلان عن تعيين ياكرينو، تراجعت مجموعة "غروب أم" (GroupM) الإعلانية التي تضمّ زبائن من وزن "كوكا كولا" وشركة "ألفابيت" الأم لـ"غوغل" عن تصنيفها لـ"تويتر" على أنه "عالي الخطورة" بعد أن كانت قد صنّفته كذلك إبان استحواذ ماسك على الشركة.

إيلون ماسك يعلن ترك منصبه كرئيس تنفيذي لـ"تويتر"

إنقاذ علاقة "تويتر" مع المعلنين

تستعدّ ياكرينو لخوض تحدّ فريد من نوعه يجمع بين الاستمرار بالعمل على تحسين علاقات الشركة مع المعلنين والسعي لأن يبقى ماسك راضياً عنها.

لطالما اعتمدت "تويتر" على الإعلانات لتحقيق معظم أرباحها، إلا أن أقلّ ما يقال عن العلاقة بين الشركة والمعلنين هو أنها تضعضعت عقب استحواذ ماسك على "تويتر"، فقد أقال معظم المكلفين بإبقاء الموقع نظيفاً بما يكفي لترغب العلامات التجارية بأن تربط صورتها به، فيما تفاعل شخصياً، لا بل رحّب في بعض الأحيان، بمغرّدين سوّقوا لنظريات المؤامرة أو نشروا أفكاراً معادية للسامية أو هاجموا مستخدمين آخرين.

كما التزم ماسك طرفاً في الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة، معززاً علاقاته مع الجمهوريين، فيما حثّ الملايين من متابعيه على التصويت للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام الماضي. حتى أن حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس أعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024 في بثّ مباشر عبر منصة "تويتر" مع ماسك.

صرّحت ياكرينو حين كانت تعمل في "أن بي سي يونيفيرسال" أن المعلنين يرغبون بتقديم إعلاناتهم عبر منصّات لا تضطرّهم للقلق حيال المحتوى السام، وهو ما يميّز الترويج الإعلاني بالطريقة التقليدية عبر التلفاز بدل وسائل التواصل الاجتماعي.

إلا أن ماسك لا يبدو مهتماً جداً بالإعلانات، حيث حاول نقل نموذج العمل الذي تعتمده الشركة إلى اشتراك شهري بقيمة 8 دولارات لتوثيق الحساب بالعلامة الزرقاء، لكن مبادرته هذه لم تستقطب حتى الآن إلا أقل من 1% من المستخدمين، كما تسببت بنفور الكثير من كبار مستخدمي الموقع.

بحسب ماسك، تراجعت إيرادات "تويتر" من الإعلانات بنسبة 50% منذ أكتوبر.

"تويتر" تجبر الشركات على الدفع مقابل التوثيق للإعلان

"الجرف الزجاجي"

تعليقاً على ذلك، قالت كريستي برويت-هاينز، المديرة الدولية لإدارة المواهب والأداء في معهد "نيورو ليدرشيب" (NeuroLeadership) وهي شركة استشارية متخصصة بالموارد البشرية إن "ماسك معتاد على أن يقوم بالأمور على طريقته الخاصة وأن يخالف نصيحة المحيطين به حين تتعارض نصائحهم مع أمنياته وخططه... تنتظر ياكرينو معركة صعبة بسبب هذه الآلية".

كان ماسك قد قال إن ياكرينو "ستركز على العمليات المتعلقة بالأعمال"، إلا أن هذه المهام تبدو أشبه بتلك الموكلة إلى مديرة عمليات بدل رئيسة تنفيذية. إذ بات جلياً أن "تويتر" ستبقى ملعباً لماسك.

مع ذلك فإن النموذج الذي سيُتبّع قد يشبه دور شيريل ساندبرغ بالنسبة لمؤسس "فيسبوك" مارك زوكربرغ، التي كانت الصوت الناضج في الشركة، أو دور صفرا كاتس في "أوراكل"، حيث بقي مؤسس الشركة لاري أليسون في منصب الرئيس وكبير المسؤولين التقنيين.

دفع تعيين امرأة في منصب تنفيذي تُسلّط عليه الأضواء ولكن بدون أن تمتلك ما يكفي من الصلاحيات في شركة تواجه أزمة إلى التساؤل ما إذا ستكون نموذجاً آخر عن "الجرف الزجاجي".

لقد بدأ استخدام هذا المصطلح في 2005 للإشارة إلى رجوح تعيين امرأة في منصب قيادي حين تكون الشركة مأزومة، ما يعرّض المرأة أكثر للفشل. قال أحد الموظفين السابقين طلب عدم كشف اسمه لأنه يتطرق إلي صاحب عمله السابق إن ياكرينو قيادية مقبولة أكثر من العلامات التجارية مقارنةً بماسك، ويمكنها في نهاية المطاف تحمّل مسؤولية أفكاره السيئة.

تدخلات ماسك تهدد الشركة

يعود قبول ياكرينو بالوظيفة بجزء منه لطموحها وسعيها لرفع مكانتها، كما بيّن أشخاص مطّلعون على المسألة طلبوا عدم كشف هوياتهم بما أنهم يتناولون محادثات خاصة. لقد انتظرت ياكرينكو ترقيتها إلى مناصب أعلى عدّة مرّات في "أن بي سي يونيفيرسال" لكن ذلك لم يحدث، حسب أحد أولئك الأشخاص.

بين المناصب التي كانت تطمح لها، منصب الرئيسة التنفيذية لشركة "أن بي سي يونيفيرسال"، ومنصب رئيسة خدمة البثّ "بيكوك" (Peacock) التابعة للشركة والمدعومة بالإعلانات، ومنصب مديرة الإعلانات على امتداد الشركات الثلاث التابعة لتكتل "كومكاست" (Comcast) وتضمّ شركة الكيبل التي تحمل الاسم نفسه و"أن بي سي يونيفرسال" و"سكاي".

لم تستجب "تويتر" لطلب تعليق أو إجراء مقابلة مع ياكرينو، كما لم يستجب ماسك وياكرينو إلى طلبيّ تعليق منفصلين.

تنضم ياكرينو إلى شركة فقدت حوالي ثلاثة أرباع منسوبيها فصلاً أو استقالةً، ومنهم معظم من كانوا يتولّون إدارة العلاقات مع المعلنين وصنّاع السياسات والمورّدين، فقد انخفض عدد موظفيها إلى ألف. إلا أن استمرار ماسك بالتدخل في أعمال الشركة قد يعقّد عملية إعادة بناء الثقة.

كانت "تويتر" قد توقفت عن تسديد الدفعات لبعض الموردين، حسب سلسلة دعاوى قضائية مرفوعة ضدّها. جاء في دعوى قضائية جماعية مقدّمة من موظفين مفصولين أو مستقيلين من "تويتر"، أن الفريق الانتقالي في الشركة أبلغ الموظفين أن "كون (تويتر) ملزمة قانونياً أو تعاقدياً بدفع مبلغ معيّن لا ربط بينه وبين قرارها بالدفع لدى استحقاق المبلغ".

بحسب الدعوى القضائية، عوقب عديد من موظفي "تويتر" الذين حاولوا تنفيذ تعهدات مالية تعاقدية على الشركة بالطرد، بينهم مسؤول مالي رفيع المستوى قرر مخالفة رغبة ماسك وإعطاء الموظفين حصصهم المستحقة.

كما فضّل آخرون مغادرة الشركة على أن يستمروا في وظائفهم وأن يقوموا بما شعروا أنه مخالف للقانون، بما في ذلك الكذب على السلطات أو شركاء العمل.

يقول ما يشاء

يقول منتقدو ماسك إنه لا يكتفي بالسماح بالتغريدات المسيئة أو المغلوطة، وهو أمر يثير قلق المعلنين منذ ما قبل استحواذه على الشركة، بل أيّد أيضاً عديداً من تلك التغريدات وأجاب على بعض منها، وكلّ ذلك باسم حرية التعبير.

قال مات نافارا، الاستشاري المستقل المتخصص بوسائل التواصل الاجتماعي والمحلل في القطاع إن ماسك "أوضح منذ البداية أنه مهما يحدث وإن كان ذلك سيكلّفه المال، فهو سيقول ما يريد متى يريد".

حين يقع ماسك على شخص يحبّ العمل معه في أي من شركاته الخمس، فهو غالباً ما يكون مخلصاً لهذا الشخص ولكن متطلباً أيضاً. إلا أن اهتمام ماسك هو سيف ذو حدّين، ومواقفه قد تنقلب بسرعة. مثلاً حين استقالت مسؤولة الإعلانات في "تويتر" روبين ويلر بعد أيام من استحواذ ماسك على الشركة، أقنعها بالبقاء ليعود ويطردها في الأسبوع التالي، حسب ما قال شخص مطّلع في ذلك الوقت.

كما أن الاستقالة من واحدة من شركات ماسك لا تضع بالضرورة حدّاً لمحنة الموظف المعني. مثلاً، بعد استقالة الرئيس السابق لشؤون الثقة والسلامة في "تويتر" يوئيل روث في نوفمبر، نشر ماسك تغريدات تتضمّن نظريات مؤامرة ضدّه، تبعها موجة تهديدات عبر الإنترنت وجهّها له مستخدمون آخرون لـ"تويتر"، وكانت جدية بما يكفي لدرجة أن روث اضطرّ للفرار من منزله في الشهر التالي.

لم تتضح بعد الحدود التي سترسمها ياكرينو لعلاقتها مع ماسك، فالمعروف عنها أنها مفاوضة شرسة ولكن ودودة، حسب نظرائها في القطاع. حين أجرت مقابلة مع ماسك على المسرح في مؤتمر إعلاني في أبريل، وصفته بـ"الصديق" و"الصاحب"، ونصحته بلطف ألا ينشر تغريدات بعد الثالثة فجراً على سبيل المثال. كما سألته إذا كان يشعر أنه قام بما يكفي ليضمن ألا ينتهي أمر الإعلانات إلى جانب محتوى خطاب الكراهية.

من جهته، رأى ماسك أن "تويتر" تبلي حسناً على صعيد المعلنين، وإلا "لكانت (ديزني) سحبت إعلاناتها منذ وقت طويل، وهي لم تفعل". سألته ياكرينو ما إذا كان مستعداً لإجراء تعديلات في "تويتر" أو تغيير في سلوكه الشخصي لتحسين تجربة المعلنين، فأجاب نافياً ذلك بحزم، وقال: "إذا قلت نعم يمكنكم أن تؤثروا بي، سيكون هذا خطأً... خطأً كبيراً".