محققون يواجهون متاهة من الشركات الوهمية وصناديق الائتمان الصورية وعراقيل قانونية لتطبيق المصادرة
غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، وبعدها بأسابيع قليلة، استخدم وزير النقل البريطاني وقتها، غرانت شابس، منصة "تيك توك" ليتباهى بيخت "فاي" (Phi) الفاخر- أزرق اللون وطوله 58.5 متر (192 قدماً)- الذي يملكه أحد رجال الأعمال الروس الأثرياء، والذي تحفظت عليه الحكومة البريطانية بأحد مرافئ لندن.
كان ذلك عرضاً واضحاً للعقوبات الغربية المصممة للضغط على الاقتصاد الروسي وثروات المواطنين الروس. لكن شابس لم يتمكن من الصعود إلى اليخت، والسبب في ذلك، بموجب القانون، أن المملكة المتحدة لم تصادر اليخت، بل جمدت ملكيته فقط لتضمن عدم تمكن مالكه من استخدامه أيضاً.
يسري الوضع ذاته على ممتلكات روسية قيمتها مئات المليارات جُمدت وفُرضت عليها العقوبات، لكن إذا صادرتها الحكومات الغربية وباعتها فربما ستساعد على سداد تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا.
تجميد أصل يعني عدم التمكن من استخدامه أو نقله أو بيعه، مع عدم تغيير ملكيته القانونية. أما مصادرة أصل، سواء كان ذلك الأصل مركبة مرتبطة بتجارة المخدرات أو يختاً فاخراً يملكه أحد الأوليغارشية مفروضة عليه عقوبات، فتعني نقل ملكيته إلى الجهة المُصادِرة، وبالتالي تتمكن من استخدام الأصل أو بيعه.
بعد فترة قصيرة من غزو روسيا لأوكرانيا، جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يقارب 300 مليار دولار من أصول "بنك روسيا المركزي" المحتفظ بها في مؤسسات مالية غير روسية. كما أدت العقوبات المفروضة على الشخصيات الروسية البارزة إلى تجميد أصول أخرى بنحو 58 مليار دولار، ومنها منازل ويخوت وطائرات خاصة.
حجمها قليل نسبياً، حيث صادرت جهات إنفاذ القانون المحلية اليخوت المرتبطة بالمليارديرين الروسيين سليمان كريموف وفيكتور فكسلبرغ في فيجي وإسبانيا، بالترتيب في 2022، بناءً على طلب السلطات الأميركية. كما صنف "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" (OFAC) في الولايات المتحدة كريموف باعتباره عضواً من مجموعة أوليغارشية تربحت من فساد الحكومة الروسية. ورُبط يخت فكسلبرغ، وقيمته 99 مليون دولار، واسمه "تانغو" بالاشتباه في الاحتيال المصرفي وغسل الأموال وانتهاك العقوبات.
"المركزي" الروسي يحتفظ بـ8.3 مليار دولار في بنوك سويسرا
صادرت الولايات المتحدة أيضاً منازلَ يملكها كريموف، وفكسلبرغ، وملياردير روسي آخر هو أوليغ دريباسكا، ليبلغ إجمالي الأصول المصادرة نحو 365 مليون دولار، وفقاً لصحيفة "فوربس". لا تمثل تلك الأموال إلا جزءاً ضئيلاً من ثرواتهم. كمثال، بلغت ثروة فكسلبرغ الصافية 7.1 مليار دولار اعتباراً من 26 مايو، وفقاً لبيانات مؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
يعد احترام الملكية الخاصة ركيزة للقوانين التي تحكم المجتمعات الحديثة والعلاقات الدولية. وتسمح دول عديدة بمصادرة أصول ثبت أنها عائدات من جرائم، في ظل المعايير العالمية لإثبات ذلك أمام القضاء. غالباً ما يتوه المحققون المكلفون بجمع الأدلة في متاهة الشركات الوهمية وصناديق الائتمان الخارجية التي تستخدمها الأوليغارشية لإخفاء ملكيتها للأصول المتميزة.
موسكو تصادر مصانع فورتوم ويونيبر رداً على تجميد أصول روسية
فضلاً عن ذلك، يمثل استخدام العقوبات على أنها غطاء لمصادرة الأصول مشكلة، إذ إن العقوبات مصممة كإجراء مؤقت للإجبار على تحقيق نتيجة مرغوبة. بل إن الحكومات التي تجمد الأصول بسهولة قد تواجه تعقيدات قانونية. كمثال، قاضى مالك اليخت الروسي، الذي ظهر في مقطع "تيك توك" المصور الذي نشره وزير النقل البريطاني السابق، وزارة النقل البريطانية لاستخدامها اليخت أثناء التجميد وطالب بتعويض عن الأضرار.
يعود ذلك جزئياً إلى أن ذلك لا يمنع دوماً وصول المُلاك إلى أصولهم. فمثلاً، كشفت الحكومة البريطانية عن 230 انتهاكاً للعقوبات تتعلق باستمرار استخدام الأصول المجمدة أو نقلها، إلا أنها لم توجه أي اتهام لأي شخص بعد، ناهيك عن فرض غرامة مالية. كما قد ينتهي المطاف بتحمل الحكومات أعباء مالية مقابل الاحتفاظ بالأصول المجمدة، لا سيما اليخوت. على سبيل المثال، يسدد دافعو الضرائب البريطانيون تكاليف صيانة اليخت الراسي في لندن. كما أن نزع ملكية الأصول هي الطريقة الوحيدة التي ستمكن حلفاء أوكرانيا من بيعها للمساعدة على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في أوكرانيا، وهو مجهود يُتوقع أن يكلف مئات المليارات.
بعد غزو العراق في 2003 وإسقاط الرئيس صدام حسين، أمر الرئيس الأميركي حينها، جورج بوش، بمصادرة 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية المحتفظ بها في بنوك أميركية، وُجه بعض تلك الأموال لدفع رواتب موظفي الحكومة العراقية. وفي 1996، صادرت الولايات المتحدة أموالاً كوبية واستخدمتها فيما بعد للمساعدة في تعويض عائلات 3 أميركيين لقوا حتفهم بعدما أسقط الجيش الكوبي طائراتهم.