"إكسون" تراهن على الكيماويات في الصين رغم التوترات الأميركية

مشروع جديد يحمي الشركة من التقلبات الجيوسياسية وما تنطوي عليه من رسوم جمركية وعقوبات ورسوم تصدير

شعار "إكسون موبيل" في محطة تزود بالوقود
شعار "إكسون موبيل" في محطة تزود بالوقود المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمضي شركة "إكسون موبيل" قدماً في إنشاء مجمع بتروكيماويات بمليارات الدولارات في الصين، والذي يشكل ركيزة استراتيجية في خطة نموها، رغم اضطرار شركات أخرى لإعادة النظر في استثماراتها بالدولة في ظل التوترات السياسية.

تعددت رحلات المسؤولين التنفيذيين في "إكسون" خلال العام الحالي للصين للتحقق من تقدم المشروع المقام بمدينة هويزو، بحسب أشخاص على دراية بالموضوع طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم أثناء مناقشة شؤون داخلية.

ووفقاً لبيانات صادرة عن مؤسسة "ستاندرد أند بورز غلوبال" تُعد هذه المنشأة الأكبر حجماً وسط عشرة مشروعات أو أكثر بالبلاد تتولاها شركات تستهدف إنتاج الإيثيلين، وهو مادة بلاستيكية وسيطة. كما صُمم المجمع بحيث يسمح بالتوسع لاحقاً فيه إلى ما بعد مرحلة البناء الأولي، بحسب 6 أشخاص عملوا بالمشروع.

حصة كبرى في سوق رئيسية

المكافأة التي تنتظرها "إكسون" من ذلك هي الحصول على حصة كبرى بأكبر سوق نمو لصناعة البتروكيماويات، التي تنتج البلاستيك والراتنجات والألياف المستخدمة بالصناعات التحويلية في الصين لتصنيع المنتجات الاستهلاكية اليومية التي تصل في نهاية الأمر للمنازل حول العالم. لكن توتر العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين بسبب الصداقة مع روسيا، ومزاعم التجسس، والسياسة تجاه تايوان فاقم المخاطر الاستراتيجية.

أميركا والصين تتعهدان بتحسين التواصل تجنّباً لتفاقم التوترات

يتناقض إقبال "إكسون" على افتتاح مشروع جديد في الصين مع نفور بعض الشركات الأخرى، إذ تعمل مؤسسات مثل "أبل" و"نايكي" و"أديداس" علاوة على شركات تصنيع قطع غيار السيارات، على تقليل تعرضها لسلاسل التوريد الصينية عن طريق الاستثمار لدى جيرانها الآسيويين مثل فيتنام وتايلاند.

كما يتفاقم شعور مديرين تنفيذيين كثيرين بالتشاؤم إزاء العلاقة بين واشنطن وبكين، بحسب استطلاع رأي أجرته غرفة التجارة الأميركية بالصين ونشرت نتائجه أبريل الماضي.

دوافع قوية لمواصلة التواجد بالصين

قال نيخيل سيلي، أستاذ الأعمال الدولية بجامعة "هيوستن": "ساءت ثقة الأعمال التجارية قطعاً في الصين بعدما أصبحت العلاقة أكثر عدائية، بينما في السابق كانت كل الشركات تقريباً تؤكد أن الصين مكاناً رائعاً للاستثمار، لكنها حالياً ستلزم الحيطة والحذر بقدر أكبر، لا سيما فيما يتصل بالاستثمارات المستقبلية".

لكن "إكسون" على وجه التحديد لديها دوافع قوية لمواصلة الاستثمار هناك، إذ تتوقع الشركة دوام نمو الطلب على البتروكيماويات خاصة المشتقة من الوقود الأحفوري، وسيستمر ذلك حسب توقعاتها لوقت أطول من نمو النفط بكثير، الذي ترى أن الطلب عليه سيكون ثابتاً عملياً حتى 2050. وتعود وجهة النظر تلك إلى صعوبة استبدال المواد الكيميائية على غرار الإيثيلين والبولي بروبيلين -وهي المكونات الأساسية لصنع الزجاجات البلاستيكية وتعبئة المواد الغذائية والأدوات الطبية- ببدائل منخفضة الكربون. كما تتوقع "إكسون" تنامي الطلب العالمي على المواد الكيميائية 42% خلال الفترة من 2017 إلى 2030، بالمقارنة مع 5% فقط للبنزين.

قادة جنوب شرق آسيا يحذرون من خطورة الصراع الأميركي الصيني

تلعب الصين دوراً محورياً في هذا النمو الضخم. فرغم التعافي البطيء من تداعيات السياسات الصارمة لاحتواء وباء كوفيد-19، يُتوقع أن يحقق اقتصادها نمواً أسرع من الولايات المتحدة أو أوروبا على المدى البعيد، ما يعزز الطلب على المواد البلاستيكية في بلد ينمو بسرعة مع تعداد سكان يبلغ 1.4 مليار نسمة. تشكل الصين أيضاً ثلث أنشطة التصنيع تقريباً على مستوى العالم.

"تشاينا 1" أكثر من مجرد مصنع

يقع مجمع هويزو، الذي يسمى "تشاينا 1"، في مقاطعة غوانغدونغ ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج بحلول 2025. شرعت "إكسون" أيضاً في تأسيس مركز للبحث والتطوير بالموقع، وهو الأول لها داخل مصانع تجريبية خارج منطقة أميركا الشمالية، كما أنها تستطلع إمكانية احتجاز الكربون هناك.

138 مليار دولار تكاليف استثمارية إضافية تكبدتها "إكسون" وشركاؤها في 20 عاماً

أعلنت "إكسون" عن قرار بناء منشأة "تشاينا 1" أواخر 2021 أي قبل مدة طويلة من تدهور العلاقات الأميركية الصينية العام الحالي، ولكن في أعقاب نشوب حرب تجارية متبادلة إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للبلاد. في ذلك الحين، وصفتها رئيسة وحدة الكيماويات، كارين ماكي، بأنها "منصة نمو تنافسية".

في إطار متصل، أشار مسؤولون صينيون إلى أن المشروع سيتكلف 10 مليارات دولار أميركي. مثلما هو الحال مع أي مشروع كبير مرتبط بسلعة أساسية، بمجرد صدور قرار استثماري نهائي واعتماد الأموال، من النادر حدوث أي تراجع عنه. رغم ذلك، لا يبدو أن التطورات الأخيرة قد أضعفت رغبة "إكسون" بالتواجد في سوق البتروكيماويات الصينية.

وبعد أيام من إسقاط طائرات مقاتلة أميركية لمنطاد تجسس صيني يُزعم أنه اخترق المجال الجوي الأميركي، صرح فرناندو فالينا، رئيس قسم الصين في "إكسون"، لوسائل الإعلام الحكومية خلال فبراير الماضي: "نشعر بطموح وتفاؤل كبيرين إزاء خططنا في الصين، ونموذجنا لا يقوم على تشييد مصنع واحد فقط، بل تدشين مجمع صناعي بالبداية ثم مواصلة إضافة المراحل تباعاً، والاستمرار في ضخ الاستثمارات لأعوام عديدة".

شركات أخرى تمد يدها للصين

تعتبر "إكسون" استثماراتها في الصين مختلفة عن تلك الخاصة بالشركات الأميركية الأخرى التي تعتمد على الدولة كجزء حيوي من سلاسل توريدها، إذ إن عملاقة النفط، الواقع مقرها بولاية "تكساس"، ستنتج مواد كيماوية وسيطة تستهدف فقط شركات التصنيع المحلية.

أكدت الشركة في بيان: "منتجاتنا المصنعة هناك مخصصة إلى حد كبير للاستخدام المحلي، ما يعني أنه لا يوجد وجه شبه مع نقل شركات أميركية عمليات تصنيعها من الصين لتأمين سلاسل توريدها". يُستعمل الإيثيلين ومشتقاته في الأنشطة الصناعية الأساسية ولا يخضع لأي قيود حكومية أميركية متعلقة بإمداد الصين بمعدات متطورة تكنولوجياً أو عسكرياً.

محاولات استبدال سلاسل الإمداد الصينية محكوم عليها بالفشل

و"إكسون" ليست الشركة الوحيدة التي تسعى إلى تعزيز بصمتها في الصين، حيث ارتبطت شركتا "إيرباص" و"فورد موتور" بعلاقات تجارية وثيقة أكثر مع الصين خلال الأسابيع الأخيرة، في حين تعهدت شركات تصنيع ألمانية عملاقة من بينها "مرسيدس بنز" و"سيمنز" و"باسف" (BASF) بالإبقاء على روابط مع ثاني أكبر اقتصاد حول العالم. تشيد "باسف"، أكبر شركة تصنيع كيماويات حول العالم، مجمعاً صناعياً في جنوب شرق الصين مماثل لمجمع "إكسون".

شجع السفير الأميركي في الصين، نيكولاس بيرنز، مؤخراً العلاقات التجارية باعتبارها جزءاً من سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن للحفاظ على الروابط الاقتصادية، بشرط ألا يكون ذلك على حساب حماية الأمن القومي. أعرب بايدن الشهر المنصرم عن تفاؤله بأن العلاقات "ستبدأ في التحسن بوقت قريب للغاية".

خطط التوسع في الصين

يبذل المسؤولون الصينيون قصارى جهدهم لصرف شعور التوتر عن الشركات الأميركية، وطُرح ذلك الموضوع للنقاش في اجتماع عُقد مايو الماضي مع الرئيس التنفيذي لمصرف "جيه بي مورغان تشيس أند كو"، جيمي ديمون، والرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إيلون ماسك.

على الأرجح لن يكون هناك أي توسعات مستقبلية لمجمع "إكسون" في هويزو قبل عقد من الزمان ويعتمد ذلك على عدة عوامل تتضمن حجم طلب السوق والعوائد المالية علاوة على المخاطر السياسية، بحسب شخص على دراية باستراتيجية الشركة.

كيف تحاول الصين التحرر من "قيود" الولايات المتحدة؟

كما أن قرار تشييد مصنع البتروكيماويات في الصين قد يحمي "إكسون" من التقلبات الجيوسياسية لأن إنتاجها سيكون محصناً ضد الرسوم الجمركية أو العقوبات أو رسوم التصدير. سيساعدها هذا الأمر في تفادي مواقف على غرار ما حدث خلال 2018 عندما كانت واردات البوتيل -المطاط التركيبي- عالقة وسط تدابير مكافحة الإغراق الصينية بوقت فرض تعريفات جمركية انتقامية من قبل إدارة ترمب. كما أنكرت "إكسون" من قبل ممارساتها للإغراق التجاري لأي منتج، بما في ذلك البوتيل.

يمنح حضور "إكسون" عالمياً وأهميتها لأسواق الطاقة لها نفوذاً دبلوماسياً هائلاً مستقلاً عن الحكومة الأميركية، بطريقة لا يضاهيها سوى عدد محدود من الشركات الأخرى. عملت الشركة لعقود في بلدان تحكمها أنظمة سلطوية وكشفت عن قدرتها على التحول السريع عندما يتطلب الأمر، مثلما خرجت من روسيا السنة الماضية.

صرح فالينا خلال فبراير الماضي: "نعمل في الصين منذ 1892، ما يعني مرور ما يزيد عن 130 سنة من العمل فيها حتى الآن، ونعتزم البقاء هنا لـ130 سنة أخرى على أقل تقدير".