ألمانيا تأمل في انتعاش الاقتصاد بدعم المساعدات الحكومية

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يخطو الاقتصاد الألماني خطوات متذبذبة نحو عام 2021، الذي يدخله متأثراً بالضربات التي كالتها له الجائحة والتي خلفته معتمداً وبشدة، على المساعدات الحكومية. ذلك بالرغم من كونه في وضع أفضل من معظم منطقة اليورو.

ومن المرجح أن تعلن ألمانيا عن تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% العام الماضي، وقد تشير إلى أن الاقتصاد بالرغم من ذلك قد شهد نمواً فعلياً في الربع الأخير من العام الماضي.

ويقدر علماء الاقتصاد أن انخفاضات العام الماضي، كانت بنحو نسبة 9% بالنسبة للاقتصادين الفرنسي والإيطالي، وأكثر من 11% بالنسبة لإسبانيا.

مؤشرات ركود مزدوج في أوروبا مع استمرار عمليات الإغلاق

وصحيح أن الربع الأول من هذا العام بدأ بشكل سيئ، خاصة مع تمديد عمليات الإغلاق، واتجاه منطقة اليورو ككل إلى ركود مزدوج، إلا أن البنك الألماني المركزي لا يزال متفائلاً بأن التعافي المطرد سيبدأ مع زيادة أخذ اللقاحات.

ويعود سبب نجاة أكبر اقتصاد في أوروبا حتى الآن من ضربات الوباء الشديدة، إلى عمل شركات مثل شركة "دكتور ساسي" (Dr. Sasse AG)، التي تقع في ميونيخ، وتوظّف ما يقرب من 7 آلاف عامل، يقدمون خدمات إدارة للمرافق، وخدمات التنظيف في أربعة بلدان.

وبالرغم من انخفاض معدل مبيعاتها بنسبة 10% في العام الماضي، وتخفيض عقود عدد كبير من القوى العاملة لديها، إلا أن مؤسس الشركة، إيبرهارد ساسي يقول: إنهم استطاعوا النجاة وهم يحملون بعض "الرضوض والكدمات" على حد تعبيره.

ميركل تحذر: ألمانيا قد تحتاج إلى قيود صارمة لمدة 10 أسابيع أخرى


من جانبه يقول إيبرهارد ساسي، وهو أيضاً رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة في بافاريا الألمانية، في مقابلة له: "ستكون السنوات القليلة القادمة صعبة للغاية أيضاً. لن يكون عام 2021 عام أزمات، ولكن سيكون عاماً نضطر فيه إلى إحداث تغييرات كثيرة".

وعندما تعهدت المستشارة أنغيلا ميركل في شهر مارس الماضي بفعل "كل ما تحتاجه ألمانيا" لتجاوز جائحة فيروس كورونا، سجل ساسي رسالة فيديو مع زوجته وابنتيه، يخبر فيه موظفي الشركة المملوكة للعائلة أنه سيحشد جميع الموارد المالية المتاحة لضمان البقاء، وما عناه في ذلك، هو الاعتماد الكبير على الدعم الحكومي لدفع الأجور، وإعادة تركيز العمليات لتحقيق الإيرادات متى أمكن ذلك.

ويعد أبرز ما ساعد الشركات الألمانية على البقاء خلال الأزمة، هو إطلاق الحكومة لإحدى أكثر الحزم المالية سخاءً في المنطقة، والتي وصفها وزير المالية أولاف شولتز، بأنها "تتمتع بالجاذبية".

وأنفق برنامج "كورازاربايت" ما يعادل 22.1 مليار يورو (27 مليار دولار) العام الماضي، وذلك لدعم الأجور في الشركات التي لا تحقق ما يكفي من الإيرادات.

ولابد لمثل هذا الدعم أن يستمر. فالمطاعم والفنادق والمتاجر غير الأساسية، سوف تستمر بالإغلاق حتى نهاية شهر يناير على الأقل، وسيبقى الأشخاص في بؤر الفيروس محصورين في دائرة نصف قطرها 15 كيلومتراً حول منازلهم. وذلك بحسب قوانين الإغلاق الصارمة التي تتبعها ألمانيا.

تعزيز الإنتاج

وكانت ميركل قد حذرت مؤخراً من ضرورة الاغلاق لمدة 10 أسابيع أخرى على الأقل، وذلك للحدّ من الشكل المتحور لفيروس كورونا، والذي يعدّ سبب ارتفاع أعداد الإصابات حالياً.

وقد قام قطاع التصنيع في ألمانيا، والذي يشكّل نحو خمس الاقتصاد، بتعزيز الإنتاج، في حين كان قطاع الخدمات في البلاد يواجه عوائق كبيرة. وقد لعب هذا الأمر دوراً مهماً في تخفيف الضربة التي سببتها الجائحة، كما أنه من المتوقع أن يساعد في دفع عملية الانتعاش عندما يتعافى الطلب العالمي.

وأظهرت الاستطلاعات التي أجرتها شركة "آي أتش أس ماركت" (IHS Markit) تفاؤلاً بارتفاعات غير مسبوقة بشأن إنتاج المصانع في العام الحالي.

ويقول رئيس البنك المركزي الألماني ينس ويدمان: إنه لا يوجد سبب حتى الآن للتخلي عن التوقعات التي تقول بأن الاقتصاد سوف ينمو بنسبة 3% هذا العام، كما تشير أحدث توقعات القطاع الخاص احتمالية حدوث انتعاش أقوى.

وواجه رئيس شركة "دكتور.ساسي" اختلافات متباينة في أداء أقسام ووحدات الشركة المختلفة. فعلى سبيل المثال، عانت الوحدة التي تخدم المطارات بما في ذلك فرانكفورت وميونيخ وأدنبرة بشدة، في ظل توقف الرحلات الجوية بسبب الجائحة والتعافي البطيء جداً في الحركة.

وكان ما يقرب من نصف الموظفين البالغ عددهم 900 موظف تقريباً، والذين يعملون عادة عند بوابات المغادرة أو في دعم التخليص الجمركي يعملون لساعات أقصر في ذروة الأزمة، وتم استيعاب معظم الأضرار وليس جميعها، وذلك من خلال دعم برنامج "كورزاربايت" الحكومي.

وقامت الشركة أيضاً بإيقاف أجور ساعات العمل الإضافي، وطلبت من العمال أخذ إجازات خلال أسوأ فترات الإغلاق، بينما أعادت تعيين الموظفين في مواقع أخرى في الشركة.

فرص جديدة أو خيبات أمل اقتصادية

هذه المعاناة التي تسبب بها الوباء لبعض وحدات شركة "دكتور.ساسي" كانت تعني أنه يتوجب على إدارتها تركيز كل الجهود على شركة التنظيف، التي كانت قد أنشأتها في عام 1976. حيث برزت احتياجات دور العجزة والمتقاعدين والمستشفيات والمدارس والمكاتب والحافلات والقطارات بشكل مفاجئ إلى بروتوكولات جديدة للنظافة والتعقيم المتكرر.

ولايزال الخوف من أن يكون الانتعاش المتوقع في عام 2021 مخيباً للآمال، يكتنف أجزاءً من ألمانيا. وقد حذّر بعض علماء الاقتصاد من أن عام 2021، قد يتحول إلى "عام خيبات الأمل".

وكتب مارسيل فراتزشر، وهو رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، في مدونة نشرت في 4 يناير: "لقد أدرك الناس أنه لن يتم التغلب على الأزمة الاقتصادية في أي وقت قريب، بسبب الموجة الثانية من العدوى".

إن "حلقة مفرغة" من فشل الشركات وارتفاع معدلات البطالة وضعف الطلب يمكن "أن يتحول إلى حقيقة، وبسهولة كبيرة، أكثر مما يدركه الكثيرون".

وأظهر استطلاع أجرته جمعية الصناعة "HDE"، أن ثلث بائعي التجزئة داخل المدن الألمانية يرون وجود خطر بالفشل، وقال ثلاثة من أصل أربعة: إن المساعدات الحكومية ليست كافية لتجنب الإفلاس.

وأشار الاستطلاع إلى أنه في حين خسر القطاع 36 مليار يورو من المبيعات العام الماضي، لم يتم دفع سوى 90 مليون يورو من المساعدات المباشرة.

ويكمن الخطر في وصول الضعف هذا مقترناً بارتفاع معدل البطالة إلى قطاع التصنيع، مما يقلل من قدرة القطاع على تشغيل بقية الاقتصاد.

وأضاف ساسي، أن الشركات في منطقته تأمل في أن يساعد التصنيع في انتعاش الاقتصاد. أما بالنسبة لشركته الخاصة، فهو سيكون سعيداً طالما ظلت المبيعات ثابتة، مما يسمح له بمواصلة مشاريع الرقمنة لجعل أعماله التجارية جاهزة للمستقبل.

ويقول أخيراً: "إن جائحة فيروس كورونا هي حافز كبير للتغيير. وكما باقي قطاعات الاقتصاد الألماني، لا يمكننا ببساطة الجلوس والانتظار حتى تنتهي الأزمة".