رحيل برلسكوني سيغير ملامح إمبراطوريتي الإعلام والسياسة

العائلة تتخذ موقفاً موحداً.. والخلافات الداخلية تحتدم داخل الحزب

سيلفيو برلسكوني، رئيس حزب "فورزا إيطاليا" وجورجا ميلوني، رئيسة حزب "إخوان إيطاليا"
سيلفيو برلسكوني، رئيس حزب "فورزا إيطاليا" وجورجا ميلوني، رئيسة حزب "إخوان إيطاليا" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يؤدي رحيل سيلفيو برلسكوني إلى إعادة تشكيل واسعة النطاق لإمبراطورية أعماله، كما سيفتح جبهة جديدة لتوحيد القوة السياسية في إيطاليا.

يتوقع المستثمرون أن تبشر نهاية الحقبة التي امتدت لنحو 30 عاماً، والتي هيمن عليها برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا 4 مرات وقطب الإعلام السابق، بسلسلة من صفقات الشركات، عندما تقرر عائلته مصير المجموعة الكبيرة من الشركات التي راكم ثروته من خلالها.

كما إن رحيله، سيهيئ الفرصة لرئيسة الوزراء، جورجا ميلوني، التي عملت فيما سبق تحت إدارة برلسكوني، إذ ستتمكن من ترسيخ مكانتها السياسية على رأس أحد أكبر اقتصادات منطقة اليورو، والذي ما زال ضعف النمو المزمن الذي تميز به عهد برلسكوني ينهكه، ولم يتمكن أي من خلفائه من النجاة منه.

إمبراطورية ممتدة

سينصب معظم التركيز المباشر على إرثه المؤسسي، وهو ظهر من خلال ارتفاع أسهم شركة "ميديا فور يوروب" (MediaForEurope) %11 يوم الإثنين، في ظل توقعات السوق بموجة مبيعات كثيفة من ورثته، الذين يتخذون حالياً موقفاً موحداً.

هذه الشركة هي الأصل الأهم في إمبراطورية وُلدت خلال انتعاش العقارات في ميلانو بعد الحرب، لكنها الآن تشمل مجموعة كبيرة من الشركات تمتد من الإعلام إلى كرة القدم، بما فيها أكبر شركات البث التجاري في إيطاليا، وأكبر دور النشر فيها، "أرنولدو موندادوري إديتوري" (Arnoldo Mondadori Editore SpA)، وحصة أقلية في مصرف "بانكا مديولانوم" (Banca Mediolanum SpA).

إيطاليا تؤسس صندوقاً سيادياً لدعم قطاعات اقتصادية استراتيجية

السؤال الأساسي الذي يهم المستثمرين هو ما إذا كان يمكن تقسيم ميراثه ودياً بين أولاده الخمسة، الذين أنجبهم من زيجتين، وتجنّب حصول نزاع على الإدارة، يشبه النزاع على خلافته.

فابيو كالداتو، شريك في شركة "أولمبيا ويلث مانجمنت" (Olympia Wealth Management)، قال: "كان لدى السيد برلسكوني رؤية لشركاته، وقد لا تكون عائلته ملتزمة بتلك الرؤية بقدر التزامه. السوق تراهن على هيكل جديد للمساهمين لشركة (ميديا فور يوروب)، ونتفق معها في ذلك التوقع".

عمل برلسكوني سابقاً مغنياً على باخرة سياحية، وارتقى ليصبح أطول رؤساء وزراء إيطاليا شغلاً للمنصب بعد الحرب، وتوفي عن عمر 86 عاماً. وستقام جنازته يوم الأربعاء في كاتدرائية ميلانو، في مركز المدينة التي شهدت تنامي شهرته بصفته قطباً للبناء، وكرة القدم، ثم قطباً في مجال الإعلام.

ميلوني تُطيح بقادة اقتصاد إيطاليا خلال تجديد القيادة

بخلاف ذلك، لم تتضح الخطط الجاري تنفيذها، لا سيما بخصوص الخطوة المقبلة لإمبراطورية الشركات التي بفضلها بلغت ثروته الصافية نحو 7.6 مليار دولار، ولا ما سيحدث لـ"فورزا إيطاليا" (Forza Italia)، الحزب السياسي الذي أسسه وقاده.

خيارات مطروحة

التلميح الرئيسي عن الأعمال حتى الآن هو بيان إعلان عن النوايا صدر من الشركة القابضة التي تملكها عائلته، "فن إنفست" (Fininvest SpA)، والتي أعلنت عن صافي أصول بقيمة تقارب 5 مليارات يورو في 2021، ودفعت توزيعات أرباح بنحو 150 مليون يورو في العام الماضي.

جاء في البيان: "قوته الإبداعية، وعبقريته الريادية، وحسن سلوكه الدائم المستمر، وإنسانيته الاستثنائية، كانت دوماً الإرث الثابت للشركة. سيظل هذا الإرث أساس أعمالنا، والتي ستواصل السير على طريق الاستمرار المطلق في كل الأوجه".

كان الأصل الأساسي لبرلسكوني هو شركة "ميديا فور يوروب"، التي عُرفت سابقاً باسم "ميدياست" (Mediaset)، حيث كانت أول قناة تلفزيونية خاصة حقيقية في إيطاليا، والتي أدى نجاحها إلى شهرته باعتباره أول قطب حديث للإعلام في البلد.

"رغم أن بصمة برلسكوني على ابتكارات شركاته قد تراجعت في السنوات الأخيرة، إلا أن إرثه السياسي الذي يصعب حمله ما زال يخيّم عليها"، وفقاً لما قاله كارلو ألبرتو كارنيفالي مافي، أستاذ استراتيجية الأعمال بجامعة بوكوني في ميلانو، في حوار عبر الهاتف.

إيطاليا تطلق صندوقاً سيادياً لسلاسل التوريد الأساسية بمليار يورو

الخيارات التي قد تطرح بعد وفاته تتراوح ما بين الاستحواذ على شركة "برو زيبين سات 1 ميديا" (ProSiebenSat.1 Media SE) الإعلامية الألمانية، حيث تعد "ميديا فور يورب" المساهم الأكبر، وبين دور في صفقة البيع المعقدة لشبكة "تليكوم إيطاليا" (Telecom Italia SpA)، حيث يمكن لأشقاء برلسكوني أداء دور في تسريع وتيرة التغيير في وحدة خدمة شبكة الاتصالات، سواء اتفقت أو اختلفت مع أكبر منافسيها، مجموعة شركات "فيفندي" (Vivendi SE) الإعلامية التي يملكها فنسنت بولور.

استحواذ يُقابل بالاعتراض

تملك "فيفندي" أكثر من 18% في "ميدياست" عبر صندوق استثماري وحصة 4% أخرى ملكية مباشرة، وهي حيازات توضح تعقيد إمبراطورية أعمال برلسكوني، وسمة مشتركة لمشهد الشركات العائلية في إيطاليا.

بعد محاولة "فيفندي" الفاشلة للاستحواذ عليها في أواخر 2016، تحولت "ميدياست" إلى استراتيجية تهدف إلى تأسيس تحالف تلفزيوني أوروبي شامل لتعزيز عملها خارج السوق المحلية.

صادرات إيطاليا إلى الصين تتضاعف 3 مرات في عام لأسباب غامضة

كما تملك "ميديا فور يوروب" حصة 40% في شركة "إل تاورز" (El Towers SpA) لشبكة أبراج البث، والتي انتشر الحديث عن دمجها مع نظيرتها التي تمولها الدولة، "راي واي" (Rai Way SpA)، في دوائر الأعمال الإيطالية لما يقارب 10 سنوات، حيث بدأ الحديث عن هذا الدمج عندما كان برلسكوني يسيطر كلياً على "إل تاورز".

لكن في 2015، استخدم رئيس الوزراء حينها، ماتيو رينزي، حقه في الاعتراض لرفض عرض "إل تاورز" للاستحواذ على "راي واي"، مشيراً إلى أن الحكومة تعتبر قطاع أبراج البث له قيمة استراتيجية وطنية.

فراغ سياسي ومشكلة اقتصادية

كما ستخلق وفاة برلسكوني فراغاً في جناح يمين الوسط في المشهد السياسي في إيطاليا، وأصبحت ميلوني حالياً المرشحة الأبرز لملء هذا الفراغ.

قد يتراجع دور "فورزا إيطاليا"، الحزب الذي أسسه في 1994، بسبب الصراع الداخلي بين وزير الخارجية أنطونيو تاجاني، الذي كان الرجل الثاني رسمياً في الحزب لسنوات، ومجموعة تقودها النائبة مارتا فاسينا، زوجة رئيس الوزراء الأسبق، البالغة من العمر 33 عاماً.

استمرار ذلك الخلاف قد يتيح لميلوني فرصة الحصول على حصة 8% من الأصوات الانتخابية التي حصدتها في الانتخابات العامة في 2022. فالحصول على تلك القاعدة قد يسمح لها بالحد من الحاجة إلى تقديم تنازلات لشريكها السياسي الآخر، حزب الرابطة الذي يقوده ماتيو سالفيني.

هل يمكن أن تتعلم ميلوني من إخفاقات برلسكوني؟

سيتوجب على المنتصر في هذا النزاع، أياً كان، أن يواجه إرثاً من التراجع الاقتصادي الذي رسخ نفسه خلال عهد برلسكوني، وأثبت استحالة عكس تأثيره حتى الآن.

وصل رئيس الوزراء الأسبق إلى السلطة بناءً على مزاعم بشأن فطنة من الطراز العالمي في مجال الأعمال، ستؤدي إلى ثورة في السوق الحرة وازدهار إيطاليا.

لكن، رغم أن ولاية برلسكوني الأولى كانت في التسعينيات، في وقت كان الاقتصاد فيه لا يزال في وضع قادر على منافسة نظرائه من مجموعة الدول السبع، بريطانيا وفرنسا، والتفوق عليهما من حيث الحجم، فإن تلك الميزة التنافسية سرعان ما تلاشت.

سعي إيطاليا لإحياء اقتصادها يهيمن على فعاليات منتدى ميلانو

ففي عهد رئاسة برلسكوني للوزارة، تراجع النمو المتوقع في إيطاليا، وفقد المستثمرون الثقة في الموازنات التي فشلت في تحقيق النمو وشجعت على التهرب الضريبي.

دون ذكر اسم برلسكوني، لخص محافظ "بنك إيطاليا المركزي"، إغنازيو فيسكو، معظم إرثه في أعوامه الأخيرة في المنصب في خطاب مؤخراً في روما، فقال: "مع ذلك، تعتمد النظرة المستقبلية لنمو إيطاليا الاقتصادي بدرجة كبيرة على قدرتها على العودة إلى مستويات إنتاجية العمالة التي تزيد بوتيرة أسرع كثيراً عن الوتيرة المسجلة على مدى الأعوام الخمسة والعشرين الماضية"، مشيراً إلى زيادة الناتج 0.3% سنوياً خلال تلك الفترة.