كيف أعاد "كورونا" رسم خريطة التغييرات المناخية في 2020؟

لا بد من إبقاء محطة "ثري مايل آيلاند" (Three Mile Island) لإنتاج الطاقة النووية مفتوحة لحماية المناخ.
لا بد من إبقاء محطة "ثري مايل آيلاند" (Three Mile Island) لإنتاج الطاقة النووية مفتوحة لحماية المناخ. المصور: Jeff Fusco/ Getty Images
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان عام 2020 عاماً تاريخياً بما تضمَّنه من أخبار، من بينها الأخبار المرتبطة بالمناخ، وفي الوقت الذي كان العالم فيه يترنَّح من تداعيات وباء فيروس كورونا، والتوتر العرقي، والانهيار الاقتصادي، كان يواجه أيضاً حرارةً قاتلة، وحرائق هائلة، وموسم أعاصير كان الأكثر نشاطاً في تاريخ المحيط الأطلسي.

في المقابل، فنحن قد نتذكر 2020 أيضاً على أنَّه العام الذي بدأ فيه العالم العمل على تعويض قرون من الضرر بالمناخ. فقبل بداية العام المنقضي مباشرةً، أعلنت رئيسة اللجنة الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن اتفاق أخضر جديد، تَحوَّل فيما بعد إلى محور خطة التعافي الاقتصادي الخاصة بالاتحاد الأوروبي.

تعهدات بخفض انبعاثاتها الكربونية

وتَعهَّد عديد من الاقتصادات الكبرى في العالم، ومن ضمنها الصين التي تُعَدُّ مسؤولة عن أكبر نسبة من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالدول الأخرى، بخفض انبعاثاتها الكربونية إلى صافي صفر.

ومع انخفاض أسعار النفط والغاز بسبب الوباء، تفوَّقت شركة "نكست إيرا إنرجي"، وهي أكبر مزوّد لطاقة الرياح في العالم، على شركة "إكسون موبيل"، وشركة "شيفرون"، لتصبح بذلك شركة الطاقة الأكثر قيمة في العالم دون استثناء. وفي نوفمبر، صوَّتت الولايات المتحدة لجعل جو بايدن، الذي كان تغيُّر المناخ إحدى المسائل التي اشتهرت بها حملته، رئيسها الجديد.

ومع نهاية العام الماضي، قررنا في "بلومبرغ غرين" أن نستغرق بعض الوقت لاستعراض واستيعاب القصص المناخية الأكثر أهمية في هذه السنة التاريخية المجنونة والهائلة والمريرة، التي نستعرضها في السطور التالية.

الكوارث تزداد سوءاً

لقد كانت الحرائق بشكل خاص سيئة للغاية في2020 ، لا سيَّما في شمال كاليفورنيا في الولايات المتحدة. لكنَّنا شهدنا أيضاً موسماً غير متوقَّع من الأعاصير في المحيط الأطلسي، وكانت الحرارة مرتفعة بشكلٍ لا مثيل له في بعض الأماكن. وسجَّلت فينيكس درجة حرارة قياسية مكوَّنة من ثلاثة أرقام (فهرنهايت)، في حين وصلت الحرارة في سيبيريا إلى نحو 37 درجة مئوية. وكان هناك عدد قياسي من الكوارث المناخية التي كلَّفتنا مليارات الدولارات. وبدأت الهجرة بسبب المناخ تحدث بالفعل، كما أنَّ الناس بدؤوا يتساءلون أكثر من أي وقت مضى: هل حان الوقت للانتقال؟

انتقادات متزايدة لشركات النفط والغاز بسبب الانبعاثات

في أغسطس الماضي اختفت شركة "إكسون موبيل" من قائمة مؤشر داو جونز الصناعي. وقد كانت الشركة مدرَجة على قائمة المؤشر منذ كانت تُدعى "ستاندر أويل أوف نيو جيرسي" في عام 1928. وفي الشهر نفسه تقلَّصت شركات الطاقة (أي شركات النفط والغاز) لتصبح المكوِّن الأقل ثقلاً في مؤشر "إس آند بي 500"، بعد أن كانت عام 2008 ثاني أكبر قطاع للمؤشر، مباشرةً بعد تكنولوجيا المعلومات.

ومن الواضح أنَّ هذا هو القاع بالنسبة إلى النفط والغاز. كما أنَّ أكثر ما يهمُّ حالياً هو كيف سيبدو مساره من القاع إلى القمة؟، إن وُجدت. فبالنسبة إلى الشركات الأوروبية الكبيرة، ينعكس هذا المسار للصعود على التزامات تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة بشكلٍ كبير أو كامل، مع تقبُّل مستقبل ينخفض فيه الطلب على النفط.

أما في الشركات النفطية الكبيرة في الولايات المتحدة، فلا يتجلى هذا المسار بوضوح، إلا أنَّ رأس المال يلعب دوراً. وتواجه "إكسون" الآن، التي رفضت مراراً استراتيجيات تخفيف الانبعاثات المحددة وتغيُّر المناخ عموماً، حملتيْن من الناشطين تدعوان، من بين أمورٍ أخرى، إلى تقدير ما يراه المستثمرون على أنَّه مسار انبعاثات غير مستدام. ويبدو أنَّ الشركة تستمع، إذ أعلنت أواخر العام الماضي عن خطط لخفض الانبعاثات الكثيفة.

أوهام الطاقة النظيفة تقترب من الواقع

إنَّ القول بأنَّ أميركا يمكنها أن تجعل، أو ستجعل، شبكاتها الكهربائية خالية من الانبعاثات الكربونية كان أمراً صعب المنال قبل العام 2020، لكنَّ الأمر تحوَّل بعد ذلك إلى نوع من المطالبة الوطنية. ولم يتَّخذ المرشح الرئاسي، الذي أصبح رئيساً اليوم، جو بايدن الخطوة غير المسبوقة بجعل تغيُّر المناخ محور حملته فحسب، بل اقترح جعل الشبكات الكهربائية في البلاد صديقة للبيئة بشكل أكبر بحلول 2035، متفوقاً على أهداف كاليفورنيا والولايات الأخرى المتقدمة. ولن يكون أي من هذه الأمور سهلاً. في حين أنَّ عديداً من المرافق الأمريكية قد تعهَّد بخفض نسبة الانبعاثات إلى صافي صفر في العقود الثلاثة المقبلة، ويقول بعضهم، إنَّّ التكنولوجيا اللازمة لتحقيق هدف بايدن غير موجودة حتى الآن.

التصويت لصالح المناخ

إن دلَّت الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020 على شيء، فيكمن في أنَّّ الناخبين مهتمون بتغيُّر المناخ. فقد كانت السياسات الصديقة للبيئة محور حملة الرئيس جو بايدن، بما في ذلك الأسابيع النهائية الحساسة في العملية الانتخابية، في الوقت الذي كان فيه الناخبون اليافعون الذين سينتخبون للمرة الأولى يتوسلون العالم ليأخذ الأزمة المناخية على محمل الجد.

وبعد أن تسلَّم بايدن منصبه، سيتعيَّن عليه أن يواجه مخلَّفات الإدارة السابقة، التي ألغت عدداً كبيراً من الأنظمة البيئية التي وُضعت خلال إدارة أوباما، عندما كان بايدن نائب الرئيس. [وسيكون الوفاء بهذه الوعود صعباً بشكلٍ خاصن إذا تمكَّن الجمهوريون من المحافظة على سيطرتهم على مجلس الشيوخ. ولكن في الحالتيْن، فقد قال الناخبون كلمتهم].

الصين تدعم الأهداف المناخية العالمية

لا شكَّ أنَّ أهم قصة لهذا العام، هي التزام الصين خفض نسبة انبعاثاتها إلى صافي صفر بحلول 2060. أمورٌ كثيرة لا نعرفها عن خطة الصين، وتماماً كأي دولة أخرى، سيتعيَّن على الحكومة المركزية محاربة أصحاب المصالح المكتسبة، كقطاع الفحم، من أجل تحقيق ذلك. ولكن يمكن للحزب الشيوعي الحاكم في الصين أن يصنع المعجزات عندما يريد ذلك حقاً.

وإذا تمكَّنت الصين من تحقيق هدفها بالفعل، فقد نتمكَّن من استيعاب هذه الأزمة. وتركِّز تغطية "بلومبرغ غرين" على البيانات الصادمة وراء تغيُّر المناخ، مثل نسبة أجزاء ثاني أكسيد الكربون، كم غيغا من الطاقة، وتكلفة الطاقة من الدولارات لكل كيلووات/ساعة، وغيرها. ولكن، تذكِّرنا كتابة كاثرين رونديل المتقنة عن الحرائق لصالح مجلة "London Review of Books" أنَّ مستقبل البشرية، ليس هو فقط الذي يقف على المحك الآن، بل الطبيعة بأكملها. وتُعَدُّ المقالة التي كتبتها تحت عنوان "Consider the Hedgehog" (لنفكِّر في القنفذ)، التي تنتهي بوصف يفطر القلب لواقع الاحتباس الحراري، وتأثيره الكارثي في أحد ألطف مخلوقات الطبيعة، مثالاً واحداً فقط عن القوة الهادئة الناجمة عن كتابة رونديل.

الشركات تفصح عن المخاطر المناخية

بغضِّ النظر عن الاضطراب الإداري الذي أحدثه وباء فيروس كورونا، فإنَّ الشركات باتت تفصح أكثر من أي وقت مضى عن تأثيرها في المناخ والمخاطر التي تُلحِقها به. وقد أظهر التقرير السنوي لمجموعة عمل الإفصاح المالي المرتبط بالمناخ (التي يرأسها مايكل بلومبرغ، وهو مؤسس ومالك معظم أسهم Bloomberg LP، وهي الشركة الأم لبلومبرغ نيوز) زيادةً سنوية بنسبة 85% في الممارسات الشفافة التي تتماشى مع توصياتها. وهو ارتفاعٌ بنسبة 14% على العام السابق. وتعدُّ هذه الممارسات ضرورية لتقييم تأثير الشركات في تغيُّر المناخ ووضع أهداف مفيدة. وفي الوقت ذاته أفصح نحو 10,000 شركة عن مخاطرها المناخية لمنصة "CDP"، المعروفة سابقاً بمشروع الإفصاح المناخي.

وبالرغم من ذلك يبقى من غير المتوقَّع أن تكون هذه الممارسات طوعية للشركات لوقت طويل، وخلال 2020 أصبحت نيوزيلندا والمملكة المتحدة أوَّل بلدين يطلبان من الشركات الإفصاح عن المخاطر التي تُلحِقها بالمناخ.

العالم يسير باتجاه صديق للبيئة

كان تغيير المناخ موضوعاً مهماً، ولكن 2020 كانت السنة الأولى التي يُتحدث فيها عنه بهذه الطريقة، بحسب ما نتذكر على الأقل. فبدايةً، جرت محادثات في الجزء الأول من العام حول القدرة التحويلية للمال التحفيزي على تخضير الاقتصاد العالمي. وبعد ذلك تجاوبت الولايات المتحدة مع مقتل بريونا تايلر، وجورج فلويدن وأحمد أربري وغيرهم، وهو اعتراف، وإن جاء متأخراً؛ فإنَّه أكَّد أنَّ البيئة تشكِّل مسألة حقوق مدنية.

وأخيراً في نهاية 2020، ومع الاحتفال بالعام الخامس على اتفاق باريس للمناخ، أوضحت القمة العالمية التي عقدتها المملكة المتحدة أنَّ العالم قد توصَّل إلى اتفاق بشأن المناخ باعتباره أولوية قصوى. وسواء كنا متشائمين أو لا، فنحن نعتقد أنَّ العالم يتجه إلى الحفاظ على البيئة، ولا مجال للتراجع عن ذلك.

"كوفيد-19" كان جرس الإنذار

الجانب المشرق لـ"كوفيد-19" هو أنَّ مزيداً من الناس الآن باتوا مدركين الرابط الموجود بين الصحة العالمية والبيئة. فمع ارتفاع حرارة الغلاف الجوي للكوكب، ستُجبَر أعدادٌ متزايدة من الكائنات الحية على مغادرة مستوطناتها التاريخية بحثاً عن بيئات ملائمة أكثر من الممكن أن تكون بالقرب من مستوطنات البشر، مما يعني أنَّ احتمال انتقال الأمراض من الحيوان إلى الإنسان سيزيد. وبين كورونا وتغيُّر المناخ أيضاً روابط ذات نطاق أوسع، فقد ساعدت الأزمة أكثر من أيِّ وقت مضى على إظهار أنَّه على الرغم من مدى سوء الوباء، سيكون تغيُّر المناخ الخارج عن السيطرة أكثر تدميراً، فهو ليس قادراً على التسبُّب في الموت، والصعوبات الاقتصادية، والتغييرات الجذرية في المجتمع فحسب، بل أيضاً على المساهمة في ظهور أوبئة أخرى مدمِّرة في المستقبل.

المستثمرون أصبحوا أكثر مسؤولية

لقد أصبح الاستثمار المستدام ينمو لبعض الوقت الآن. والواقع أنَّ الاستثمارات في الحوكمة البيئية والاجتماعية، وحوكمة الشركات، أو ما يعرف اختصاراً بـ"ESG"، تضاعفت تقريباً خلال السنوات الأربع الماضية عالمياً لتشمل أصولاً بقيمة تتخطى 40 تريليون دولار.

مع ذلك، تشكِّل 2020 لحظة محورية لقوة الاستثمار الأخضر، فقد بدأت بضجةٍ كبيرة في يناير عندما انضمت شركة "بلاك روك" البالغة قيمة أصولها 7 تريليونات دولار إلى "the Climate Action 100+"، وهو تحالف بين المستثمرين يدفع الشركات إلى تقليل غازاتها الدفيئة. وقد زاد "كوفيد-19" سرعة وتيرة التوجُّه نحو الاستثمار الأخضر. ففي حين دخلت الأسواق في غيبوبة خلال الأيام الأولى من الجائحة، استيقظت الأموال النشطة الموجهة نحو الاستثمار الأخضر "ESG"، وربحت داعمين جدداً. وفي حين أنَّ المستثمرين لا يمكنهم أن يحلُّوا مكان الأنظمة الحكومية، وفي حين أنَّه ليس كل استثمار في هذا النوع من الشركات يهدف إلى خفض انبعاثات الكربون، فإن السوق تبرهن قدرتها على إجبار الشركات على الإفصاح عن انبعاثاتها الكربونية ووضع خططٍ لتخفيفها. ويبدو أنَّ هذه النزعة ستستمر، إذ يتوقَّع بعضهم أن تستحوذ استثمارات "ESG" على 60% من السوق بحلول 2025.

التناقضات تظهر إلى العلن

مع انتقال الاستثمار في الشركات التي تراعي البيئة، والقضايا الاجتماعية، والحوكمة "ESG" من هوامش التمويل إلى مركزه، بدأ يظهر مزيد من تضارب المصالح إلى العلن، مما يصعِّب على الأسماء الكبرى في "وول ستريت" أن تستمر في الحديث عن إنقاذ الكوكب دون اتخاذ تدابير جدية لتحقيق ذلك.

لنأخذ سيناريو شركات إدارة المحافظ الاستثمارية الثلاث التي تساوي مليارات الدولارات، التي ركبت موجة الاستثمارات النظيفة هذه السنة، التي دعم بعض كبار مديريها مجموعات مشككة في الأزمة المناخية.

ولم يكن المستثمرون في هذه الشركات مسرورين دائماً حيال هذه التوجُّهات الجديدة، إذ اضطُرت إحدى الشركات التي تدير الأصول إلى إحداث تغييرات للتأكُّد من أنَّ أنشطتها تتماشى مع الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، ومن ضمنها استثمارات في صناديق التقاعد. وأصبحت هذه الشركات تعمل على التوفيق بين استثماراتها وأهداف اتفاق باريس.

وينطبق هذا الأمر على مجموعة الاستدامة الأكبر في العالم، التي طلبت من أعضائها الـ3,500 التي تدير أصولاً تصل قيمتها إلى 100 تريليون دولار، مشاركة المعلومات المتعلِّقة بتفاعلاتها مع واضعي السياسات، ومدى تطابقها مع الأهداف البيئية والاجتماعية.

سقوط الحواجز ضد العمل المناخي

لقد أثبتت تدابير النمو الاقتصادي التقليدية أنَّها تستجيب للأوبئة، وتغيُّر المناخ بشكلٍ سيىءٍ جداً. فقد فشلت العديد من البلدان الغنية في حماية سكانها من (كوفيد-19). إذ تشجِّع النماذج الاقتصادية الأكثر شيوعاً لمحاربة تغيُّر المناخ على خفض الانبعاثات ببطء، حتى إن كانت التأثيرات والنتائج الكارثية الناتجة عن ذلك تتسارع أمام الجميع.

وفيما كان الناتج المحلي القومي يعدُّ بمثابة تدبير مهيمن للنجاح الاقتصادي الكلي بشكل لا يمكن تخطيه، إلا أنَّ 2020 شهد اقتراحات لجهات عادة ما تكون تقليدية، والتي دعت لاستبدال هذا المؤشر بتدابير مفصلة وأكثر شمولاً. وكان من ضمن هؤلاء الداعين المنتدى الاقتصادي العالمي.

وبناءً على تدابير النمو التقليدية، وجد صندوق النقد الدولي أنَّ التكلفة المنخفضة لمصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى توفير فهم جيد للأضرار المرتبطة بالمناخ، تعني أنَّ التدابير الصديقة للبيئة باتت تشكِّل خيارات ممتازة لدعم الاقتصادات التي دمَّرها الوباء. وفي حين أنَّ المعلومات وحدها لا تضمن اتخاذ تدابير خاصة بتغيُّر المناخ، يبقى من الجيد رؤية أنَّ "التكاليف المرتفعة للسياسات البيئية" لم تعد موجودة على قائمة الأعذار.

"وول ستريت" تدرك قيمة التنوع البيولوجي

بدأ الدمار السريع لتنوع الكوكب البيولوجي يحظى باهتمام مديري التمويل. فبعد سنوات من محاولة احتساب مساهماتهم في تغيُّر المناخ، وآثار المحفظة المالية المترتبة على كوكب يزداد حرارة. تعهَّدت عدَّة شركات في مجال إدارة المحافظ المالية في 2020 ببذل جهود مماثلة للحفاظ على التنوع البيولوجي. وفي الوقت الذي بدا فيه انهيار مخزون الأسماك، وانخفاض أعداد النحل بشكل سريع بمثابة مشاكل بعيدة كل البعد عن عالم المموِّلين من قبل، أدرك العديد منهم الآن أنَّها تشكِّل تهديداً اقتصادياً كبيراً. وأنَّ أكثر من نصف مجموع الناتج المحلي القومي العالمي يرتكز بشكل متوسط أو كبير على الطبيعة، إذ يعتمد البشر على موارد الكوكب الطبيعية في كل شيء من الطعام إلى الدواء.

كل شيء حدث في القطب الشمالي

إنَّ كل السيناريوهات المحتملة التي تتناول تغيُّر المناخ قد حدثت في القطب الشمالي في مرحلة ما من 2020، مثل ذوبان الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر، والحرائق، ودرجات الحرارة المرتفعة بشكل كبير، وذوبان الأراضي المتجمِّدة، وانهيار البنى التحتية، وانقراض الكائنات، وانبعاثات الكربون والميثان غير المسيطر عليها. وذلك لأنَّ الاحتباس الحراري في القطب الشمالي يحدث بشكل سريع لدرجة أنَّ المنطقة تحوَّلت من كونها خير مثال على ما سيحدث في بقية العالم، إذا لم نخفف من انبعاثات الغازات الدفيئة قريباً، إلى كونها عاملاً مساهماً في تغيُّر المناخ.

وفي العام الماضي، انطلق العلماء في أكبر رحلة استكشافية للقطب الشمالي في التاريخ لجمع البيانات وفهم المنطقة قبل أن تختفي. بينما في الوقت عينه، استفاد مصدِّرو الغاز الطبيعي من ترقق الجليد الذي سمح بأطول موسم ملاحة على الإطلاق على طول طريق البحر الشمالي الذي عادةً ما يشكِّل تحدياً لنقل بضائعهم.

الاقتصاد العالمي أصبح صديقاً للبيئة

وضعت ثمانية من أصل 10 أكبر اقتصادات في العالم، من ضمنها الصين واليابان، أول وخامس أكبر مصدر للانبعاثات في العالم، أهدافاً لخفض نسبة الانبعاثات إلى صافي صفر خلال عقود. وبعد أن تسلَّم جو بايدن منصبه كرئيس، تنضمُّ الولايات المتحدة القائمة إلى هذه القائمة. وإذا وفت هذه الدول بوعودها، سيقترب العالم من المحافظة على احترار أقل من درجتيْن مئويتيْن.

الحرائق بلغت مستويات خيالية

في حين يزداد تغيُّر المناخ سوءاً، قد يكون الخيال العلمي إطارنا المرجعي الوحيد له. ففي سبتمبر 2020، لونت حرائق كاليفورنيا الأكبر في التاريخ السماء بلون لم نشاهده من قبل إلا في فيلم "Blade Runner " الصادر عام 2017. وحبست السماء الحمراء مناطق بأكملها في الداخل، كل ذلك في ظل جائحة جعلت العالم الخارجي المكان الأكثر أماناً للوجود بين الآخرين.

وشهد 2020 حرائق تاريخية في أستراليا، وذلك لأنَّ درجات الحرارة المرتفعة والجفاف المستمر مهَّدا الطريق أمام حرائق هائلة. حتى أنَّ القطب الشمالي، الذي كان يعدُّه معظمنا بارداً ومتجمداً على الدوام، شهد حرائق غير عادية، من ضمنها "حرائق الزومبي" التي خمدت خلال الشتاء قبل أن تعود إلى الحياة من جديد. ولم تعدّ الحرائق التي تؤججها الحرارة المرتفعة أمراً من المستقبل، بل هي ظاهرة من الماضي القريب والحاضر، كما أنَّ الظروف التي تحفِّزها تتزايد بشكل كبير.

صندوق النقد الدولي ينضم إلى المعركة

إنَّ أوجه الشبه بين كوفيد والمناخ تتحدث عن نفسها. لعلَّ أبرزها هو أنَّ إيقاف انتشار (كوفيد-19) يعدُّ الحافز الاقتصادي الأفضل على الإطلاق للعالم حالياً. والأمر عينه ينطبق على تغيُّر المناخ. فقد احتج خبراء البيئة وبعض اقتصاديِّ المناخ كثيراً حول أنَّ معالجة تغيُّر المناخ تعود بالفائدة على المناخ والاقتصاد على حدٍّ سواء.

وفي خريف 2020، انضمَّ صندوق النقد الدولي إلى المعركة. ويعود السبب إلى أنَّ التوقُّف عن اعتماد الكربون في الاقتصاد هو تعهدٌ كبير يتطلَّب استثمارات ضخمة في التكنولوجيات الفعالة والنظيفة. وبالمختصر، ينطوي النجاح المناخي على المزيد من النشاط الاقتصادي وليس أقل. وهذا لا يعني أبداً أنَّ العملية الانتقالية ستكون رخيصة الثمن. فمثلما سيدفع تخليص العالم من الوباء بعض الشركات إلى زيادة استثماراتها، مثل أمازون، وزوم؛ ينطبق الأمر عينه على الدول في جهودها الرامية لخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر. كما أنَّ السماح بـ"مرحلة انتقالية فقط" هو المفتاح، وهو مصطلحٌ باتت تعتمده المؤسسات الاقتصادية الرزينة، مثل صندوق النقد الدولي، وهو يتكرَّر دائماً في الخطط المناخية-الاقتصادية الخاصة بالرئيس المنتخب جو بايدن.