بلومبرغ
تتعرض بورصات العملات المشفرة التي تربط المشترين والبائعين مباشرة - بلا وساطة من مؤسسات ثالثة كبنوك "وول ستريت"- لضغوط تحسين خدماتها، بعد انخفاض حصتها في السوق.
هذه البورصات التي يطلق عليها اسم "المنصات اللامركزية" تسهّل التداول عبر برامج حسابية تستند إلى تقنية "بلوكتشين" وتُعرف بالعقود الذكية، التي تسمح للمستخدمين بالاحتفاظ بالرموز بدلاً من إيداعها في مؤسسة وسيطة.
تَوقَّع مناصرو العملات المشفرة فترة ذهبية لمنصات التداول المباشر -من نظير إلى آخر- مثل "يوني سواب" (Uniswap) و"دي واي دي إكس" (dYdX)، وذلك بعد انهيار بورصة "إف تي إكس" (FTX) في نوفمبر الماضي، والذي هزّ الثقة بالمنصات المركزية التي تسيطر على الرموز المميزة.
معوقات استخدام المنصات اللامركزية
لكن هذا لم يتحقق، بل تراجعت أحجام التداول الفوري الشهرية في البورصات اللامركزية إلى 21 مليار دولار في يونيو المنصرم بانخفاض نسبته 76% عما كانت عليه يناير 2022، متجاوزة بذلك الانخفاض الذي سجله المنافسون المركزيون والبالغة نسبته 69% إلى 429 مليار دولار، وفقاً لبيانات "كايكو" (Kaiko).
كما انخفضت الحصة السوقية لمنصات التداول المباشر للأصول الرقمية إلى 5% من ذروة 2023 المسجلة في مارس، والبالغة 7%، وفقاً للبيانات.
تجذب المنصات اللامركزية هواة التشفير الذين لا يحبون نموذج الوساطة في مجال التمويل التقليدي. لكن غالباً ما تعوقها واجهات المستخدم الأكثر تعقيداً والسرعة الأبطأ في معالجة المعاملات والسيولة الأقل مقارنة بالمنصات المركزية الرئيسية مثل تلك التي تقدّمها "بينانس هولدينغز" و"كوين بيس غلوبال".
يقول ريتشارد غالفين، المؤسس المشترك في "ديجيتال أسيت كابيتال مانجمنت" (Digital Asset Capital Management)، إن معظم المستثمرين المؤسَّسيين يجدون صعوبة أو استحالة في التداول على البورصات بلا وسيط، رغم أن "تصميماتها تتحسن باستمرار، كما أن هذه المنصات عموماً لا تتجاوز أعمارها 3 سنوات".
أسعار أرخص وسرعات أعلى
أحد نماذج جهود التحسين هو بروتوكول جديد حديث من "يوني سواب"، أكبر منصة تداول لامركزي، الذي يسعى إلى تحسين الأسعار للعملاء من خلال تجميع مصادر سيولة الأصول الرقمية المختلفة.
في وقت سابق من العام الجاري، أطلقت شركة "فيرتكس" (Vertex) القائمة على تقنية "بلوكتشين"، بورصة لامركزية قالت إنها توفّر سرعات مماثلة لنظيراتها المركزية.
أشار مسح أجرته شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" لصناديق التحوط المشفرة، إلى أن البورصات اللامركزية تفرض تحديات مرتبطة بالامتثال لأنها غير منظمة.
في هذا الصدد، قال تاونسند لانسينغ، رئيس المنتجات في شركة إدارة الأصول المشفرة "كوين شيرز إنترناشونال" (CoinShares International): "العبء التنظيمي هو بالتأكيد عقبة أمام تلك البروتوكولات".
مستثمرون يفضلون المنتجات التقليدية
من جانبه أوضح فينس تيركوت، مدير الأصول الرقمية في شركة أبحاث السوق "إيفينتوس" (Eventus)، أن "المستثمرين الذين هم أكثر تحفظاً وليسوا مناصرين للعملات المشفرة المتطورة، سيتجنّبون على الأرجح البورصات اللامركزية، ويفضّلون المنتجات المالية التقليدية المنظمة المستقرة".
ورغم أن البورصات اللامركزية تكافح لزيادة الأحجام، فإن عدد المستخدمين النشطين زاد شهرياً باطّراد منذ عام 2020 وتجاوز المليون خلال معظم العام الجاري، وفقاً لبيانات "توكن تيرمينال" (Token Terminal)، وربما يعكس ذلك عدم الارتياح حيال مستقبل المنصات المركزية بعد إفلاس "إف تي إكس"، وسط مزاعم الاحتيال واسع النطاق، ما أثار تدقيقاً أكبر من قبل المسؤولين.
ارتفاع الطلب على العملات المشفرة
يتساءل مزيد من المستثمرين عن كيفية مواجهة مخاطر الحفظ والطرف المقابل، مما يقودهم نحو طرق لامركزية، وفقاً لكاران أمبواني، رئيس وحدة الهند لدى "دي واي دي إكس".
مع ذلك، فإن اتساع قاعدة المستخدمين قد يزداد صعوبة بسبب الدلائل الأحدث على أن الشركات المالية التقليدية ترى فرصاً في قطاع التشفير مع تعافي السوق من خسارته 1.5 تريليون دولار في عام 2022.
على سبيل المثال، انطلقت منصة تبادل العملات المشفرة الخاصة بالمؤسسات فقط "إي دي إكس ماركتس" (EDX Markets)، الشهر الماضي. المنصة تدعمها شركات مثل "سيتادل سيكيوريتيز" و"فيديليتي ديجيتال أسيتس" و"تشارلز شواب كورب".
يرجّح إيفز لونغشامب، مدير الأبحاث في "سيبا بنك" (Seba Bank)، أن يجلب دخول اللاعبين التقليديين الكبار من مجال التمويل التقليدي، سيولة أكبر إلى نظام الأصول الرقمية.
وفسّر أن ذلك "سيفيد أحجام البورصات المركزية في البداية، لكنه قد يقود لاحقاً إلى زيادة في الأحجام عبر البورصات اللامركزية نتيجة ارتفاع الطلب على العملات المشفرة عموماً".