"كورونا" يحدث ثورة في التجارة الإلكترونية بالدول المتأخرة تكنولوجياً

سيدة تتصفح موقع "فوريفر 21" الإلكتروني
سيدة تتصفح موقع "فوريفر 21" الإلكتروني المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد سنوات من الآن، عندما يتمُّ تحليل تأثير الوباء على الأعمال التجارية العالمية، غالباً سيكون أكبر تغيير مربح، هو كيف دفع هذا الوباء - أو حتى أقحم - أسواقاً ضخمة في عصر التجارة الإلكترونية الحديثة؟.

ولم يكن التسوق عبر الإنترنت في العديد من البلدان، سهلاً بسبب البنية التحتية المتخلفة، وإحجام المستهلكين أو عدم قدرتهم على استخدام البنوك، والدفع الإلكتروني. مما أدَّى إلى توقُّف النمو في كثير من أنحاء العالم، لكنَّ اضطرابات كوفيد-19 فرضت حدوث تغيير سريع.

انعدام الثقة في النظام المالي

خذ دولة مثل المكسيك، على سبيل المثال، كانت لدى أقل من نصف البالغين في هذا البلد حسابات مصرفية، وأقل من 5% من مبيعات التجزئة كانت عبر الإنترنت قبل الوباء – أي ما يعادل ثلث المتوسط العالمي.

وأدَّى الافتقار إلى الوصول إلى الخدمات المصرفية، وانعدام الثقة في النظام المالي إلى تركه خارج نطاق الطفرة الحاصلة عبر الإنترنت، والجارية في كلٍّ من أوروبا، والصين، والولايات المتحدة، ولكن عندما تمَّ إغلاق المتاجر لإبطاء إنتشار كوفيد-19، انتقل الملايين من الناس الذين كانوا من الرافضين إلى شبكة الإنترنت.

واستجابت الشركات المكسيكية سريعاً - مما أدى إلى قفزة بنسبة 54% في المبيعات عبر الإنترنت – مما سرَّع بسنوات نمو منظومة الإنترنت. وحدثت أيضاً ثورة من هذا النوع في الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الهند، وروسيا، والبرازيل، التي كانت بطيئة من ناحية التجارة الإلكترونية.

ومن بين هؤلاء المتسوِّقين الجدد عبر الإنترنت "ميريام سوتا"، البالغة من العمر 39 عاماً من مدينة مكسيكو سيتي. التي كانت أكثر حرصاً على بياناتها الشخصية بعد أن سرقت تفاصيل بطاقتها الائتمانية، وتمَّ استخدامها لدفع فاتورة باهظة.

ودفع خوف سوتا من تسليم تفاصيلها المالية بعيداً عن شبكة الإنترنت إلى أن ضرب كوفيد- .19، وكان ذلك عندما احتاجت إلى مصفاة لثلاجتها، وكحلٍّ أخير، انتقلت إلى الإنترنت، إذ وجدت واحداً على "أمازون"، وفي هذه اللحظة تحوَّلت "سوتا"، وهي الآن تشتري حاجياتها من البقالة عبر الإنترنت.

ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الخدمات الجديدة التي تتيح الدفع النقدي لطلبات المشتريات عبر الإنترنت. وفي هذا السياق توضح "سوتا" شعورها قائلةً: "لم أشتري أي شيء عبر الإنترنت قبل انتشار الوباء، لطالما كنت مرتابةً للغاية من فعل ذلك."

عادات جديدة في التسوق

وسرَّع كوفيد-19 التحول نحو التجارة الإلكترونية في كل مكان، ولكن من المحتمل أن يكون هذا التحوُّل أكثر ربحاً في البلدان التي يطوِّر فيها العديد من الناس عاداتهم الجديدة على الإنترنت لأوَّل مرة في حياتهم.

وعلى سبيل المثال، في الهند، شكَّلت التجارة الإلكترونية خلال العام الماضي 6.5% فقط من السوق، أي أقل من ربع معدَّل الصين. وبعض هذه الأسواق مجزأة بشكل أكبر، وهي متاحة كي يتمَّ الإستيلاء عليها نظراً لوجود عدد أقل من الشركات المهيمنة.

ولمواكبة ذلك، يحاول تجار التجزئة في هذه الأسواق الوصول إلى مستوى نظرائهم العالميين، من خلال إنشاء أنظمة دفع أكثر أماناً، وتوسيع عمليات التوزيع لتسريع التسليم، بالإضافة إلى توسيع خدمة العملاء لتشمل منصات، مثل "فيسبوك" و "واتساب".

ومن جهتها، كانت "ميركادو ليبر" (MercadoLibre)، وهي أكبر شركة لتجارة التجزئة الإلكترونية في أمريكا اللاتينية، قد ذهبت إلى حدِّ استخدام طائراتها الخاصة لتقليل أوقات الشحن في ظلِّ ارتفاع المبيعات عبر الإنترنت في جميع أنحاء تلك المنطقة.

جذب عملاء جدد عبر الإنترنت

وداخل شركة "ولمارت" (Walmart)، وهو أكبر متاجر التجزئة في العالم، ضاعفت أقسام الشركة في المكسيك إيراداتها بمقدار ثلاثة أضعاف من المشتريات عبر الإنترنت خلال الربع الثالث، مما أدَّى إلى تقزيم المكاسب الحاصلة في القسم الأمريكي، والبالغة 79%.

وفي "هوم ديبوت ميكسيكو" ( Home Depot Mexico )، تفوَّق نمو التجارة الإلكترونية على الشركة الأم الأمريكية. فقد تضاعف عدد زيارات الموقع الإلكتروني، ليصبح 70% من العملاء على الإنترنت، هم من العملاء الجدد.

ومن جهتها، قالت "إريكا دياز"، وهي نائب رئيس خدمات التسويق عبر الإنترنت والخدمات الخاصة لقسم المكسيك في "هوم ديبوت": "لقد رأيت تطوراً" فقد وضع الناس مخاوفهم جانباً بشأن التجارة الإلكترونية.

مضاعفة موظفي خدمة العملاء

ولتسهيل هذا الانتقال، تسمح الشركة الآن للعملاء بشراء البضائع عبر الإنترنت، ثم دفع ثمنها في المتجر، بما يشمل أيضاً الدفع نقداً. ولقد ضاعفت الشركة عدد ممثِّلي خدمة العملاء عبر الإنترنت، وقامت بتوسيع ميزات الدردشة بين ممثليها والعملاء هناك. إذ توضِّح "دياز" قائلةً: "لقد قمنا بتكييف أعمالنا مع الوضع الطبيعي الجديد."

وأما روسيا، فكانت أرضاً خصبة لازدهار التجارة الإلكترونية لسنوات عدَّة، مع ما يقرب من عدد مستخدمي الإنترنت، بما يعادل عدد المستخدمين في كلٍّ من المملكة المتحدة وألمانيا مجتمعين، وفقاً لـ"يورومونيتور انترناشيونال" (Euromonitor International). كما أنَّ لدى كل من هذين البلدين (المملكة المتحدة وألمانيا) أسواقاً على شبكة الإنترنت أكبر بمرتين بسبب تفضيل النقد، بالإضافة إلى شبكة التوزيع المتخلفة، كما هو الحال في المكسيك، مما أعاق النمو.

"كوفيد19" غيَّر روسيا بسرعة

تقوم الشركات القائمة، مثل "وايلد باريز" (Wildberries)، و" ياندكس" Yandex NV)، والشركات الناشئة بإغراق السوق بالاستثمارات، إذ جلب الوباء ما يقدَّر بنحو 10 ملايين مستهلك روسي لأوَّل مرة إلى شبكة الإنترنت، وفقاً لـ"داتا إنسايت" (Data Insight).

وزادت الشركات من عروضها، مثل سلع البقالة المتوفِّرة على شبكة الإنترنت، وسرَّعت أيضاً من أوقات تسليم هذه المشتريات.

وساعد كلُّ ذلك في تعزيز المبيعات عبر الإنترنت بنسبة 45% خلال العام الماضي، عندما تقلَّص سوق التجزئة الإجمالي، وفقاً لـ "يورومونيتور"، والدليل على هذا الهوس، كان طرح مشغل التجارة الإلكترونية "أوزون القابضة" (Ozon Holding (PLC للاكتتاب العام في أواخر نوفمبر، وعندها ارتفع سهمها بالفعل بأكثر من 40%.

وقالت "ماريا ميلاسيفيتش"، وهي المستشارة في "يورومونيتور": "يعدُّ الوباء نقطة تحوُّل في تطوير التجارة الإلكترونية"، إذ تقدِّم الشركات الروسية أنظمة دفع أكثر أماناً، بالإضافة إلى توفيرها أداءً سريعاً. وتضيف "ميلاسيفيتش" موضحةً أنَّه "لا تزال لدى روسيا إمكانات نمو هائلة".

كيف كان رد فعل تجار التجزئة التقليديون؟

وبالانتقال إلى البرازيل، فقد ارتفعت المبيعات 66% عبر الإنترنت في هذا البلد خلال عام 2020 - أي أكثر من ضعف المعدَّل في الولايات المتحدة، وفقاً لشركة "يورومونيتور".

ورداً على ذلك، يستخدم تجار التجزئة التقليديون، مثل "فيفا فاريو"(Via Varejo)، و"ماغازين لويزا" (Magazine Luiza)، منصات المراسلة، مثل "واتساب" لتقديم العروض الترويجية، وإنهاء المعاملات، وذلك وفقاً لبحث أجراه "غولدمان ساكس".

وتجرَّب سلاسل المتاجر هذه أيضاً البث المباشر لبيع السلع، في حين بدأ آخرون بممارسة عمليات شحن الطلبات من المتاجر عبر الإنترنت - وهي ممارسة شائعة في الأسواق الأخرى.

وكانت للهند غنيمة أكبر، لأنَّ لديها أكثر من مليار شخص، وتشكِّل ثالث أكبر سوق للبيع بالتجزئة في العالم – وهي تأتي فقط بعد الولايات المتحدة والصين.

ولكن العقبات هناك أكبر من ذلك، إذ إنَّ حوالي نصف الأسر الهندية فقط، لديها اتصال بالإنترنت.

نمو ضخم لسوق الإنترنت في الهند

ومن المتوقَّع الآن أن يتضاعف سوق الإنترنت في البلاد ثلاث مرات تقريباً إلى حوالي 100 مليار دولار بحلول عام 2024، مدفوعاً بطلبات سلع البقالة، ومدفوعاً أيضاً من قبل العملاق الصناعي "ريلاينت إنداستريز" (Reliant Industries Ltd)- وهي أكبر شركة في البلاد - نحو التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية، وفقاً "لغولدمان ساكس".

وفي المكسيك، كانت الحكومة تضع الأساس للتحول بعيداً عن النقد من خلال بناء بنية تحتية لأنظمة الدفع الإلكترونية. وغالباً، كان ذلك مفيداً عندما أغلقت المتاجر أبوابها. وذلك مما سهَّل استخدام النقود عبر الإنترنت. لأنَّ تجار التجزئة مثل "أمازون" يبيعون الآن بطاقات الدفع المسبق في المتاجر التي يمكن استخدامها لاحقاً للتسوُّق عبر شبكة الإنترنت.

الهجرة إلى الإنترنت في زمن "كورونا"

وفي هذا الصدد قالت "دانييلا أوروزكو"، التي ترأس قسم الأبحاث في الجمعية المكسيكية للمبيعات عبر الإنترنت (AMVO): كان هذا عائقاً مهماً بوجه التجارة الإلكترونية في المكسيك، فقبل عامين تقريباً، كان بإمكانك إجراء عملية شراء عبر الإنترنت فقط باستخدام بطاقة ائتمان."

ومن جهتها قالت "باتريشيا كانافان"، وهي نائب الرئيس الأول للعمليات الدولية وعمليات البيع بالتجزئة في مجموعة "أوثنتيك براندز غروب" (Authentic Brands Group)، التي اشترت العلامة التجارية "فوريفر 21" (Forever 21) في العام الماضي، التي لديها متاجر في المكسيك: "إنَّ الهجرة إلى الإنترنت في عصر كوفيد حملت "نتائج إيجابية".

وتتمثَّل إحدى الخطوات التي تمَّ اتخاذها في العمل مع الشركاء المحليين لتسريع عملية التسليم عن طريق استخدام المستودعات القريبة من المناطق المكتظة بالسكان.

الضغط على هامش ربح

ويمكن أن يؤدي نمو التجارة الإلكترونية أيضاً إلى تضييق هوامش الربح، لأنَّه يعني

أنَّ تجار التجزئة بحاجة إلى إنفاق المزيد على الشحن، وبناء شبكات التوزيع. وقد أثبت المتسوقون أنَّهم يقومون بعمليات الشراء (الغريزية) بشكل أقل عبر الإنترنت مقارنة مما يفعلونه في المتاجر التقليدية، مما يعني خسارة بعض المبيعات.

ولكن في ظل استمرار انتشار فيروس كوفيد-19، لم يعد أمام الشركات إلا خيار الانضمام إلى طفرة الإنترنت لمساعدة هذه الصناعة على تحقيق مكاسب تاريخية. ففي المكسيك، ضاعفت "إل بويرتو دي ليفربول"(El Puerto de Liverpool)، التي تدير متاجر متعددة الأقسام وسلسلة ملابس، التجارة الإلكترونية أربع مرات تقريباً خلال الربع الثالث.

وسجَّلت مجموعة "غروبو سانبورنز" ( Grupo Sanborns)، وهي مجموعة التجزئة المملوكة من قبل الملياردير "كارلوس سليم"، طفرة مماثلة. وعزَّزت "ميركادو ليبر" إيرادتها بـ 85% في تلك الفترة نفسها، وذلك بفضل قسمها المكسيكي الذي حقَّق أكثر من ضعف المبيعات.

وحول هذا الموضوع، يشير "بيدرو أرنت"، وهو المدير المالي لشركة "ميركادو ليبر"، خلال مكالمة حول أرباح شهر نوفمبر، قائلاً: "لقد كان نمو أعمالنا المكسيكية ملحوظاً، ولا تزال هناك فرصة كبيرة أمامنا".