تراجعات الدولار الحالية ليست مجرد بداية

حبيبات من الذهب مُجَمَّعة على هيئة علامة الدولار الأمريكي
حبيبات من الذهب مُجَمَّعة على هيئة علامة الدولار الأمريكي المصدر: بلومبرغ
Stephen Roach
Stephen Roach

Stephen Roach, a faculty member at Yale University and former chairman of Morgan Stanley Asia, is the author of "Unbalanced: The Codependency of America and China."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهد الدولار موجة من التراجعات المستمرة منذ أن انتشرت جائحة كورونا في الولايات المتحدة في مارس الماضي، وذلك بعد ارتفاعات طفيفة في بادئ الأمر. حيث تراجع سعر صرف الدولار أمام عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة بما يتراوح بين 10-12% خلال تلك الفترة ليسجل أدنى مستوياته منذ مطلع العام 2018، بحسب العديد من المؤشرات المعيارية لقياس قوة الدولار. ويبدو أن هناك المزيد من التراجع في الطريق.

بناءً على توقعاتي والتي قد لا تحظى بشعبية واسعة والتي أعلنتها في يونيو الماضي بانخفاض الدولار بنسبة 35% بنهاية العام 2021، فإننا الآن في الشوط الثالث من مباراة بيسبول تمتد لتسعة أشواط. وفي حالة تحققت توقعاتي ستكون هناك معضلة كبيرة أمام الرئيس الأمريكي السادس والأربعين جو بايدن في السنة الرئاسية الأولى.

هناك ثلاثة أسباب لتوقعاتي بتراجع الدولار:

1-زيادة عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة بشكل حاد.

2-ارتفاع اليورو.

3-ضعف استجابة الاحتياطي الفيدرالي لضعف الدولار.

ومع تجمع كل تلك الأسباب أصبحت لدي قناعة اليوم أكبر من قبل ستة أشهر إذا أخذنا في الاعتبار ما يلي:

الحساب الجاري

جاءت بيانات الحساب الجاري كما هو متوقع، حيث شهد مزيداً من التدهور (يعد أفضل مقياس للتجارة لأنه يشمل الاستثمارات) بعدما اتسع العجز بنحو 1.2% ليصل إلى 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام 2020 وليواصل العجز تفاقمه ويزداد 0.1% إضافية في الربع الثالث ليصل إلى 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد ازداد العجز بشكل كبير في الربع الثاني ليصل إلى مستواه الحالي مسجلاً أسوأ عجز للحساب الجاري للولايات المتحدة منذ نهاية العام 2008.

وعلى صعيد الاقتصاد المحلي، هناك تدهور في حجم المدخرات المحلية بسبب الزيادة الكبيرة في عجز الميزانية الفيدرالية نتيجة تداعيات جائحة كورونا.

أمة بدون مدخرات

عندما تفتقر الأمة إلى الادخار الكافي للاستثمار وتحقيق النمو يكون لزاماً عليها أن تلجأ لتعويض ذلك النقص في الادخار بالاستيراد من الخارج لتحقيق ذلك التوازن ليستمر العجز في الحساب الجاري نتيجة الحاجة لجذب رأس مال أجنبي من الخارج.

ليس غريباً أن ينخفض معدل صافي الادخار المحلي (الادخار المعدل حسب استهلاك الشركات، والأفراد، والقطاع الحكومي، مجتمعين) ليصل إلى أقل من الصفر في الربعين الثاني والثالث للمرة الأولى منذ عقد. وقد بلغ التراجع 3.8 نقطة مئوية في الربع الثاني ليصل إلى –0.9% منخفضاً من معدل 2.9% في الربع الأول مسجلاً أكبر معدل انخفاض فصلي خلال ثلاثة أشهر على الإطلاق.

ويرجع السبب الرئيسي وراء انخفاض المدخرات المحلية خلال الربع الثاني إلى حزمة التحفيز بقيمة 2.2 تريليون دولار والتي استهدفت الحد من تداعيات جائحة كورونا أثناء الإغلاق.

ومع استمرار انتشار الوباء وتزايد تداعياته يتم الإعداد لإعانة مالية جديدة بقيمة 2.8 تريليون دولار وقد تم إقرار صرف 900 مليار دولار في ديسمبر الماضي على أن يتم صرف المتبقي البالغ 1.9 تريليون التي اقترحها بايدن.

ويبلغ إجمالي حزم الإغاثة بسبب جائحة كورونا مجتمعة نحو 5 تريليون دولار ما يعادل 24% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020.

وفي الوقت الذي لا يمكننا أن نطلق على تلك الحزم حوافز بالمعنى التقليدي ولكنها تفوق كافة البيانات الحديثة المتعلقة بالحوافز الحكومية بفارق كبير. ولذلك كان ضرورياً أن ينخفض معدل الادخار المحلي لأقل من الصفر، وهو ما يزيد الضغوط على عجز الحساب الجاري خلال الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من عجز ميزان التجارة الخارجية إلا أنه قد لا يتخطى أسوأ مستوياته التي سجلها في 2005 عندما وصل إلى 6.3% من الناتج المحلي كما توقعت في يونيو الماضي، ولكنه في الغالب سيكون بالقرب من ذلك المعدل.

أكثر من بديل للدولار

تركزت الانتقادات حول توقعاتي السابقة لضعف الدولار حول نظرية عدم وجود بديل للدولار. وفي تعليق سابق عارضت تلك النظرية في ظل قدرة الرنيمينبي (اليوان) الصيني واليورو، وبعض المعادن الثمينة، بل وكذلك العملات الرقمية المشفرة على تقديم ذلك البديل.

على الرغم من ارتفاع اليوان الصيني بنحو 4% منذ يونيو الماضي مع توقعات باستمرار الارتفاع في ظل صدارة الصين لتعافي الاقتصاد العالمي من الجائحة، إلا أنه في المقابل لم يتحرك اليورو إلا قليلاً خلال نفس الفترة بعدما ارتفع بنسبة 7% في الفترة من فبراير إلى مايو 2020.

وبصفتي أحد المشككين في قوة اليورو أجد صعوبة في توقع أي شي إيجابي لعملة الاتحاد الأوروبي بسبب وجود عيب خطير بها. ففي حين توجد عملة موحدة وبنك مركزي واحد، إلا أن السياسات المالية للدول الاعضاء ليست واحدة.

اليورو أصبح له سياسة مالية موحدة

كانت المفاجأة بشأن السياسية المالية الموحدة للدول الأعضاء في شهر يوليو، عندما اتفقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن حزمة إغاثة تضمنت تقديم دعم مالي لدول الاتحاد يتم تمويلها من صندوق الاتحاد الأوروبي للأجيال المقبلة بقيمة 750 مليار يورو (908 مليار دولار) مع إمكانية استكمال قيمة الدعم من خلال إصدار سندات سيادية.

وبذلك يكون الجزء المفقود المرتبط بالسياسات المالية الخاصة باليورو قد اكتملت، مما يوفر على الأرجح "لحظة هاملتونية" -نسبة إلى ألكسندر هاملتون أحد الآباء المؤسسين ومؤسس النظام المالي الأمريكي- لليورو الذي يتم تداوله بأقل من قيمته الحقيقية.

الذهب والبتكوين

في نفس الوقت، ارتفعت أسعار الذهب خلال شهري يونيو ويوليو ولكنها قلصت تلك المكاسب بعد ذلك على مدار باقي العام. لكن العملات المشفرة قدمت قصة مختلفة، لم أكن أتوقع أو أعلم كثيراً عما يمكن أن يحدث للبيتكوين، التي ارتفعت أربعة أضعاف منذ يونيو الماضي، أو مرتين ونصف منذ أواخر العام 2017 والتي وصفها الكثيرون في ذلك الوقت بأنها إحدى أكبر فقاعات المضاربة في التاريخ.

الفيدرالي غائب

مع تزايد عجز الحساب الجاري يمكن أن يكون للبنك المركزي دور بالتدخل لإنقاذ الموقف من خلال تشديد السياسة النقدية. لكن هذا ليس بالتأكيد موقف الاحتياطي الفيدرالي الآن. وبحسب ما أعلنه الفيدرالي في أغسطس الماضي بشأن استهدافه لمتوسط التضخم أرسل الفيدرالي إشارة قوية للسوق أنه لن يكون هناك تحرك في القريب العاجل لاحتواء اي ارتفاع في معدلات التضخم إنما قد يكون هناك تحرك لاحقاً فيما بعد.

ولا يمكن لما يطلق عليه النظرية النقدية الحديثة أن تنقذ بفرضياتها الدولار من التراجع. قد لا تكون المشكلة في تراجع التضخم في ظل بيئة أسعار فائدة منخفضة –بالكاد اختراق واضح للنظرية- لكن الادخار، الذي انعدم تماماً يبقى هو العامل الأهم.

ومع زيادة اعتماد الولايات المتحدة على رأس المال الأجنبي لتعويض النقص المتزايد في المدخرات المحلية، وهو ما تزامن مع تيسير السياسة النقدية باستخدام الاحتياطي الفيدرالي أدوات السياسة النقدية الكمية المفتوحة والتي خلقت فائضاً كبيراً بمستويات السيولة في الاقتصاد- أكون الآن أكثر قناعة من قبل باستمرار حالة ضعف الدولار.

ومع الموجة الثانية من انتشار جائحة كورونا -التي تزامنت مع قرب دخول الاقتصاد لشفا ركود- لن يكون هناك أمام إدارة بايدن خيارات سوى اللجوء لجولة أخرى من الإعانات المالية الضخمة. وهو ما سيكون له تبعات وخيمة على أي اقتصاد وخاصة في حالة الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من انعدام الادخار وهو ما يعني أن الدولار سيعاني أكثر من الضعف خلال الفترة المقبلة.