هل يمثل العلاج المناعي بصيص الأمل للقضاء على السرطان؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يحصد مرض السرطان أكثر من 8 ملايين حالة وفاة بين البشر سنويًا، ومن المُتوقع أن يرتفع عدد الإصابات الجديدة بهذا المرض إلى 22 مليون بحلول عام 2030، ما يجعل العلماء يعلّقون آمالهم على العلاجات المناعية الجديدة التي توظّف النظام الدفاعي في الجسم للقضاء على الخلايا السرطانية، ورغم أن هذه العلاجات تستخدم منذ عقود، إلّا أنها أثبتت نجاحها ضد أنواع قليلة من الأورام الخبيثة.

ويمكن للعلاجات المناعية الجديدة استهداف نطاق أوسع من السرطانات، بما فيها أورام الرئة والكلى وأنواع عدة من سرطانات الدم، حيث تتمثل وظيفة بعض هذه العلاجات والأدوية في تدريب الجهاز المناعي بالجسم على كيفية الكشف عن الخلايا السرطانية ومهاجمتها، بينما تُركز أنواع أخرى على تعطيل الآليات الدفاعية التي تستخدمها الخلايا السرطانية للمقاومة.

والفرصة المتاحة هنا، هي تطوير علاجات طويلة الأمد للسرطانات المستعصية تعزز من مفعول العلاجات المتبعة حاليًا. ومن جهة أخرى، يُتوقع أن تصل قيمة سوق العلاجات المناعية للسرطان إلى 35 مليار دولار أمريكي سنويًا.

الوضع الراهن

اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (U.S. Food and Drug Administration) عددًا من العلاجات المناعية، منها الفئة التي تُعرف باسم "مثبطات نقاط التفتيش" (checkpoint blockers) والتي تدفع الجهاز المناعي في الجسم إلى إطلاق "الخلايا تي" ( (T-cellالقاتلة من أجل ملاحقة الخلايا السرطانية والقضاء عليها.

كما أقرت عقار "كيترودا" (Keytruda) الذي تُصنّعه شركة الأدوية ميرك آند كو (Merck & Co) لعلاج سرطان الجلد المُتقدم، وهو نوع مستعصٍ من سرطان الجلد، إلى جانب أنواع أخرى من الأورام الخبيثة. ويُعد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر (Jimmy Carter) واحدًا من أهم الشخصيات التي خضعت للعلاج بواسطة هذا العقار.

ورغم مساهمة "مثبطات نقاط التفتيش" في تعزيز فرص النجاة لدى بعض المرضى المُصابين بحالات متقدمة من السرطان، إلّا أن عددًا قليلًا جدًا منهم يعيش لأكثر من 5 سنوات، ولا يزال الباحثون يواجهون صعوبات في فهم السبب.

وصدمت شركة "أسترا زينيكا العامة المحدودة" (AstraZeneca Plc.) مستثمريها، في شهر يوليو 2018، بسبب فشل دوائها المُصنّع من خليط من "مثبطات نقاط التفتيش" وصنف آخر من أدوية العلاج المناعي في إبطاء تقدّم المرض لدى مرضى سرطان الرئة، إذ تبيّن أن أداءه لم يتفوق أبدًا على أداء العلاج الكيميائي.

ومن العلاجات المناعية الأخرى المُستخدمة "كار- تي" (CAR-T) الذي يعمل على إعادة برمجة "الخلايا تي" ( (T-cell لدى المريض لتعزيز قدرتها على مكافحة المرض. وفي شهر أغسطس، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للمرة الأولى على علاج من هذا النوع، وكان العلاج من إنتاج شركة "نوفارتيس إيه جي" (Novartis AG)، ومن المحتمل أن يتبعه علاج آخر تنتجه "كايت فارما إنك" (Kite Pharma Inc.).

ويتوقع أن يتجاوز الطلب الأوّلي على هذه العلاجات الكميات المعروضة، ما يعني أن الأطباء سيُضطرون لاختيار بعض المرضى لتلقّي العلاج دون غيرهم، وهو قرار صعب بلا شكّ. ورغم تحقيق التجارب التي أُجريت على هذه العلاجات نتائج مُبهرة، إلّا أنها قد تُسبّب آثارًا جانبية خطيرة على المرضى.

ولعل ما يوضح ذلك، هو قرار شركة "جونو ثيرابيوتكس إنك" (Juno Therapeutics Inc.) بإيقاف إحدى تجاربها بعد أن تُوفّي عددٌ من المرضى نتيجة إصابتهم بورم في الدماغ. وحتى الآن، ما زال هذا الأسلوب العلاجي مقتصرًا على علاج سرطانات الدم، إذ لا يزال تطبيقه على الأورام الصلبة يواجه عقبات كثيرة.

خلفية الموضوع

اكتشف العلم الدفاعات الطبيعية في الجسم البشري ضد الخلايا السرطانية في القرن التاسع عشر، وذلك بعد أن لاحظ الأطباء أن الأورام السرطانية تنكمش وتتقلّص بعد إصابة المرضى بالالتهابات، لكن التجارب التي أُجريت من أجل تحفيز الأجسام المضادة على مكافحة السرطان لم تكن واعدة، لهذا أصبح العلاج بالأشعة والعلاج الكيميائي من بعده الطرق المفضلة للمواجهة بالرغم من الآثار الجانبية القوية المسببة لأمراض.

وفي عام 1992 حصل دواء "إنترلوكين-2" (Interleukin-2) على الاعتماد، وهو أحد أدوية العلاج المناعي التي تعمل على إبطاء نمو سرطان الجلد، إلّا أن الدواء كان يسبب الآلام والغثيان والإسهال، بالإضافة إلى النوبات القلبية والسكتات الدماغية ما يُجبر المرضى على المكوث في المستشفى طوال فترة تلقيهم لهذا العلاج.

وأصبح بالإمكان تطوير أدوية قادرة على استهداف أجزاء معينة من الجسم دون الإضرار بالأجزاء الأخرى، وذلك بفضل اكتساب العلماء فهمًا متزايدًا حول الجينوم البشري، وبدأ الاستحسان الحالي للعلاجات المناعية عام 2012، بعد أن عرضت شركة بريستول-مايرز سكويب كو (Bristol-Myers Squibb Co.) بيانات إيجابية حول الدواء "أوبديفو" (

الجدل القائم

تعتبر هذه العلاجات حديثة جداً، وبالتالي لا يُمكن لأحد تحديد مدى فاعليتها في الوقاية من انتكاسات المرض، كما أنها لا تكون فعالة في علاج جميع المرضى، فقد أثبتت حتى الآن نجاحها في علاج الأنواع المُتقدمة من السرطان فقط، لذا من المُحتمل أنها لن تكون ناجحة في المراحل المُبكرة من المرض.

ومن ناحية أخرى، قد يكون الثمن الباهظ لهذه الأدوية عائقًا أمام استخدامها على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة دواء "يرفوي" (Yervoy) من شركة بيرستول-مايرز (Bristol-Mayers)، الذي تم اعتماده في عام 2011 كأحد أدوية العلاج المناعي، حوالي 30 ألف دولار أمريكي للجرعة الواحدة في الولايات المتحدة، وتصل تكلفة العلاج الكامل بواسطة هذا الدواء قُرابة 120 ألف دولار أمريكي، دون أن ننسى الآثار الجانبية الخطيرة التي يُسبّبها.

ويصعب تحديد تكلفة علاج "كار- تي" لأنه يُستخدم لمرة واحدة فقط، ما يعني فرصة واحدة للشركات المُصنّعة للحصول على مقابل مادي. أما شركات التأمين، خاصةً بالولايات المتحدة، فقد تكون غير مستعدة لتسديد دفعة واحدة كبيرة مقابل هذا العلاج. بينما سعّرت شركة "نوفارتيس" (Novartis) علاجها بـ475 ألف دولار للحُقنة الواحدة، ووقّعت صفقة تسدد بموجبها برامج الرعاية الصحية الحكومية الأمريكية تكلفة العلاج للشركة فقط في حال استجابة المرضى للدواء مع نهاية الشهر الأول من العلاج.

وفي الماضي، توقع الكثيرون اكتشاف علاج نهائي للسرطان، ليصابوا بعدها بخيبة الأمل، ومن أبرز الأمثلة على هذه العلاجات، مثبّطات تولّد الأوعية الدموية (angiogenesis drugs) التي ظهرت في أواخر التسعينيات والتي توقّع بعض الخبراء بأنها ستقضي على السرطان في غضون عامين فقط. ولا تزال بعض هذه الأدوية، التي تعمل على تقييد عملية تدفق الدم إلى الأورام، مُستخدمةً حتى اليوم، بينما يبقى العلاج النهائي السرطان بعيد المنال.