يقدمها ماسك.. جائزة الـ100 مليون دولار لتكنولوجيا يحتاجها العالم بشدة

إيلون ماسك، مؤسس ورئيس شركة تسلا
إيلون ماسك، مؤسس ورئيس شركة تسلا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ينوي إيلون ماسك، وهو أغنى رجل في العالم، التبرع بمبلغ 100 مليون دولار سيمنحها لجائزة "أفضل تقنية التقاط للكربون".

وتقنية التقاط الكربون في الحقيقة، عبارة تشمل مزيجاً واسعاً من التقنيات تتشارك جميعها في الهدف نفسه، الذي يتمثَّل بتجميع ثاني أكسيد الكربون حتى لا يتسرَّب إلى الغلاف الجوي، ويساهم في الاحتباس الحراري. ويمكن التقاط غازات الاحتباس الحراري من محطات الطاقة والمصانع، أو مباشرة من الهواء أيضاً.

تنقية الهواء من الكربون

وقال ماسك، الذي يترأس شركتي "تسلا"، و "سبيس إكس"، إنَّه سيكشف عن تفاصيل الجائزة قريباً. إلا أنَّ تصريحاته السابقة تشير إلى أنَّ أحد أهدافه الرئيسية هو خفض تكلفة التقاط الكربون مباشرة من الهواء، إذ يصبح من الممكن استخدامه بشكل عملي لصنع وقود الصواريخ الاصطناعية، ليحل محل الوقود الأحفوري المستخدم الآن.

وكان ماسك قد قال في عام 2017: "لا توجد طريقة لصنع صاروخ كهربائي. أتمنى لو كان هذا ممكناً. ولكن يمكننا على المدى البعيد استخدام الطاقة الشمسية لاستخراج ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ودمجه مع الماء لإنتاج الوقود والأكسجين للصواريخ". وهي الفكرة نفسها التي أعاد طرحها في عام 2019 في رد على سؤال طرح عليه عبر "تويتر"، وكان حول استخدام تقنية التقاط الكربون لصنع وقود الصواريخ. وقال حينها: "رحلات الصواريخ ستكون خالية من الكربون على المدى الطويل".

وما يصفه ماسك ليس خيالاً علمياً، فهناك ما لا يقل عن ثلاث شركات ناشئة قامت ببناء محطات تجريبية عاملة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء. وهذه الشركات هي "كاربون انجنيرنغ" الكندية، و"كلايم وركس" السويسرية، و"غلوبال ثيرموستات" الأمريكية. كما أنَّ شركة "كاربون انجنيرنغ" نجحت في صنع كمية قليلة من الوقود الاصطناعي من ثاني أكسيد الكربون.

ولا يعدُّ هذا الفرع من العلوم بالجديد؛ فقد تمكَّن الباحثون من استخدام التفاعلات الكيميائية لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود هيدروكربوني منذ قرن تقريباً، إلا أنَّ صعوبة تطبيق هذه الأفكار تكمن في خفض تكلفة العملية، ومعرفة كيفية تزويدها بالطاقة النظيفة.

ونظراً إلى أنَّ ثاني أكسيد الكربون هو المنتج النهائي من حرق الوقود الأحفوري، فإنَّ عكس العملية يتطلَّب مدخلات ضخمة من الطاقة.

وعلى الرغم من أنَّ التقاط ثاني أكسيد الكربون من المنشآت التي تحرق الوقود الأحفوري ليس بالأمر الهين، إلا أنَّ محاولة امتصاصه من الهواء، إذ تكون تركيزات الغاز منخفضة جداً تتطلَّب تصفية كميات كبيرة من الغاز للحصول على كمية ضئيلة من ثاني أكسيد الكربون.

وكانت الشركات الثلاث التي لديها محطات تجريبية قد أنفقت عشرات الملايين من الدولارات للوصول إلى هذه المرحلة، ولا يزال أمامها شوط طويل لتقطعه. ويذكر أنَّه يمكن أن تصل تكلفة التقاط طن واحد من الكربون من الهواء إلى 600 دولار، أي نحو 15 ضعفَ سعر الكربون المتداول في السوق الأوروبية.

تحدي خفض التكلفة

وهناك طريقتان يمكن اتباعهما لخفض تكلفة العملية. تتمثَّل الأولى بالتوسُّع في بناء المحطات الكبيرة ذات التكلفة التي تصل لمئات الملايين من الدولارات، وإعطاء المهندسين فرصة تحسين العملية عن طريق التجربة والخطأ.

وتعمل شركة "كاربون انجنيرنغ" حالياً مع شركة "أوكسيدانتال بيتروليوم" في مشروع بناء محطة لالتقاط مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

أما الطريقة الثانية، وربما الأكثر فعالية من ناحية التكلفة، فهي زيادة وتيرة الابتكار. ويمكن للحكومات زيادة تمويل قطاعي البحث والتطوير. كما يمكن لأصحاب المليارات الذهبية إطلاق مسابقات تجذب الانتباه. ويقول تريس دايسون، المدير الإداري لمؤسسة "نيستا شالينجيز"، وهي منظمة غير ربحية تركّز على الابتكار في المملكة المتحدة: "أنت تحفِّز النشاط من خلال وجود فرصة للحصول على جائزة".

وهذه استراتيجية كانت موجودة منذ قرون، وقد حقَّقت نجاحاً في الماضي. وكانت "لونغيتود ريواردز" (Longitude Rewards) عبارة عن سلسلة من الجوائز التي أطلقتها حكومة المملكة المتحدة في عام 1714 للمساعدة في تطوير أساليب تحديد خط الطول الذي تقع عليه السفن في البحر بدقة. وقد جذبت المكافأة المبتكرين، الذين كانوا ينفقون غالباً أكثر من قيمة الجائزة نفسها لتطوير التكنولوجيا.

وقال دايسون، إنَّ هذا الأسلوب يستغل على نحو ما السلوكيات غير العقلانية لتحقيق نتيجة إيجابية. وقال: "هذه طبيعة روَّاد الأعمال والمبتكرين. إنَّهم مخلوقات متفائلة للغاية".

ومن المرجَّح أن تؤدي جائزة ماسك التي تبلغ 100 مليون دولار إلى استثمارات بمبالغ أكبر عدَّة مرات من هذه القيمة لتطوير تقنية التقاط الكربون. وهو أمر يحتاجه قطاع الفضاء بشدة. وتُظهر النماذج المناخية أنَّ بعض أشكال تكنولوجيا الانبعاثات السلبية مطلوبة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، كما يوجد حدٌّ لعدد الغابات التي يمكن زراعتها لامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو بشكل طبيعي.

رواد الأعمال والمبتكرين.. مخلوقات متفائلة للغاية

ويقول ستيوارت هاسزلدين، وهو أستاذ التقاط الكربون وتخزينه في جامعة إدنبرة: "الهواء عملياً هو خزان لا ينضب من ثاني أكسيد الكربون". وإذا كانت هناك تقنية لالتقاط الكربون تستحق مثل هذه الجائزة، فيعتقد هاسزلدين أنَّ تقنية التقاط الهواء المباشرة هي الخيار الصحيح.

ولا يعدُّ ماسك الملياردير الأول الذي يقترح جائزة تقدر بملايين الدولارات لالتقاط الكربون. فقد كان ريتشارد برانسون قد أطلق تحدياً عُرف بـ"فيرجن إيرث" في عام 2007، مقدِّماً جائزة تبلغ 25 مليون دولار للآلات التي يمكن تسويقها تجارياً، وتعمل على إزالة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الهواء، على أن تتمكَّن من العمل على مدى 10 سنوات على الأقل. وفي عام 2011، تمَّ الإعلان عن المتأهلين للتصفيات النهائية، إلا أنَّ أيَّاً منهم لم يستوفِ المعايير.

أما مشروع "كاربون إكس برايز"، فقد بدأ في عام 2015، ويضمُّ حالياً 10 متسابقين، وهم يتنافسون حالياً في المرحلة النهائية على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات يمكن تسويقها. ومن المتوقَّع أن يتمَّ الإعلان عن الفائز في عام 2021.

ويمكن للمنافسات السابقة أن تساعد ماسك على تحقيق هدفه، وربما العمل على تصميمه بنفسه. وقال دايسون من تحدي "نيستا شالينجيز"، إنَّ فريقه يجب أن يبذل جهداً كبيراً لرسم خريطة المشهد التكنولوجي، والمسارات المستقبلية لاستخدامها قبل إطلاق المسابقة، مما سيساعد في وضع معايير واضحة وطموحة، ولكنَّها ليست مستحيلة. كما يجب أن تظل القوانين متسقة.

ويمكن أن تساعد المكافآت المالية الصغيرة التي تخصص لتحقيق الإنجازات الصغيرة على إبقاء الفرق متحمسة. ويقول دايسون، الذي كان يسعى للحصول على جائزة التقاط الكربون من الهواء مباشرة، إنَّه يود العمل مع ماسك على جائزته، والسبب في الغالب يكمن في نجوميته.

وأضاف دايسون: "سيرغب الناس بالفوز بالجائزة لمجرد أن تربطهم علاقة بإيلون ماسك". وقد تستفيد تقنية التقاط الكربون، التي تقتصر في معظمها حالياً على عالم علماء المناخ، من هذا النوع من الدعاية الترويجية.