الدول النامية تتلقى توصيات خرقاء للتعامل مع تغير المناخ

صندوق النقد يوصي الدول الأفقر بمكافحة آثار الاحتباس عبر رفع الضرائب وتجنب الدين فيما أخفقت الغنية بتقديم مساعدات

متظاهرون يطالبون الدول الغنية بأن تفي بوعودها بتقديم المساعدة لمكافحة تغير المناخ
متظاهرون يطالبون الدول الغنية بأن تفي بوعودها بتقديم المساعدة لمكافحة تغير المناخ المصدر: أ.ف.ب/غيتي إيمجز
Mark Gongloff
Mark Gongloff

Mark Gongloff is an editor with Bloomberg Opinion. He previously was a managing editor of Fortune.com, ran the Huffington Post's business and technology coverage, and was a columnist, reporter and editor for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إن عينت مستشاراً مالياً وبادرك بنصيحة مفادها أن عليك أن تتوقف عن كونك فقيراً. لو فعل ذلك فلربما تطرده، زد على ذلك أن أسرته تدين لك بمبلغ يعتبر ثروةً حين أتاك بتلك الدرة؟ يشبه هذا حال الدول النامية مع صندوق النقد الدولي في الوقت الراهن.

سيعقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اجتماعاتهما السنوية هذا الأسبوع في مراكش. وقد أصدر وثيقة حاجج فيها الدول بأن توازن بين تجنب الاقتراض وبين مكافحة تغير المناخ - وهو مسعى مكلف جداً على الأقل من حيث ظاهره. ربما ليست هذه النصيحة سيئة، لكنها تتجاهل تعقيدات واقعية.

أحد العناصر الرئيسية في وصفة صندوق النقد الدولي السرية للتغلب على تغير المناخ والديون هو زيادة الضرائب بشكل أساسي. يقترح صندوق النقد الدولي أن تضع الحكومات سعراً مرتفعاً على انبعاثات الكربون لزيادة الإيرادات التي تحتاجها لمعالجة تغير المناخ دون أن تُستنزف مالياً. يقول صندوق النقد الدولي إن رفع تعرفة الكربون، إلى جانب التحفيز وما سواه من تشجيع تنظيمي، سيجذب تمويلاً من القطاع الخاص ويحض الشركات على أن تستثمر في الحد من انبعاثاتها، فيوفر ذلك على الحكومات معظم تكلفة التحول إلأخضر.

كوارث المناخ تغذي قطاعاً متنامياً من الاقتصاد الأميركي

المشكلة الكبيرة الواضحة التي تشوب هذه الحيلة هي أن رفع أسعار الكربون، رغم كونه التصرف الصحيح الذي ينبغي التزامه، غالباً ما يكون سلبياً من ناحية سياسية. ويصدق هذا بشكل خاص في الولايات المتحدة، التي تخلت عن 754 مليار دولار هي عائدات متوقعة من ضريبة الوقود الأحفوري العام الماضي، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. هذا دعم ضخم لهذه الصناعة، حيث يصل إلى أكثر من 10% من إجمالي دعم الوقود الأحفوري على مستوى العالم والذي يبلغ 7 تريليونات دولار.

الحفاظ على الإيرادات

إن قطع هذه المزايا الضخمة وغير الضرورية من شأنه أن يحفظ كثيراً من الإيرادات التي يمكن أن تدعم بقوة مساعي مكافحة تغير المناخ وتجنب الديون. لكن إن رفض الاقتصاد الرائد على مستوى العالم ذلك، فإلى أي مدى ينبغي للاقتصادات الفقيرة أن تُقبل على هذه التضحية؟ وما مقدار الإيرادات التي يمكنها جمعها إن فعلت؟

مع ذكر الديون، فإن البلدان النامية تعاني راهناً من قدر أكبر مما ينبغي من الديون، وغالباً بأسعار فائدة باهظة. لقد ارتفعت مدفوعات خدمة الديون المستحقة على المجموعة التي تضم أفقر دول العالم وحدها إلى 70 مليار دولار العام الماضي، وفقا لتقديرات حديثة لمعهد بروكينغز. للنظر إلى هذا الرقم من منظور سليم علينا أن نتذكر أن الدول المتقدمة وعدت بمنح هذه الدول 100 مليار دولار سنوياً لكي نكافح تغير المناخ. فيما تنفق البلدان النامية 70% من هذا المبلغ على أقساط الفائدة وحدها. وربما تجد هذه العمولات طريقها إلى مصارف مكافحة تغير المناخ في نهاية المطاف، لكن لا بد من أن هنالك طريقة أفضل.

في الواقع هناك سبيل أحسن: يمكن للاقتصادات المتقدمة وللصين، التي تستمر بوصف نفسها دولةً ناميةً لتكون بالتالي معفاة من مسؤوليات الدول المتقدمة، أن تساعد من خلال شطب هذه الديون أو إعادة هيكلتها. وإن امتنع الدائنون عن ذلك، فيتعين عليهم على الأقل أن يجربوا بدائل مثل مبادلة الديون مقابل الطبيعة، حيث تُشطب القروض إن سُخرت المنفعة الناجمة عن ذلك نحو الجهود البيئية.

إخلال بالوعود

إن كان الإعفاء من الديون غير وارد، فهذا يعني أن الاقتصادات المتقدمة قادرة على الأقل على الإيفاء بوعودها بمساعدة العالم النامي على تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه. حتى الآن لم تفِ بوعد المساعدة السنوية وقدرها 100 مليار دولار الذي تعهدت به في باريس عام 2015.

في اجتماع عقد في بون بألمانيا الأسبوع الماضي، تمكنت الدول المتقدمة من جمع 9 مليارات دولار فقط لدعم صندوق المناخ الأخضر، وهو مبادرة من الأمم المتحدة، ولم تسهم الولايات المتحدة بسنت واحد من ذلك. مقرف أن نسمع حراس الاقتصاد العالمي يتذمرون من المسؤولية المالية في حين أن دول النخبة التي تمولهم لا ترتقي إلى مستوى مسؤولياتها.

فيتنام تطلب من مزارعي الأرز الغرس المبكر خوفاً من الجفاف

في الوقت نفسه، فإن الممولين من القطاع الخاص، الذين يقول صندوق النقد الدولي إنهم مهمون جداً للدول المتقدمة، كانوا أشد تخييباً. لقد أخفقت الحكومات وبنوك التنمية باستمرار في استجرار أموال القطاع الخاص بمعدل يداني ما كانت تأمل به فيما مضى. جاء في تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن المقرضين من القطاع الخاص يميلون للتشبث "بالدول متوسطة الدخل التي تتمتع ببيئات تمكينية مواتية نسبياً وإنخفاض المخاطر“.

في حين أن الدول المتقدمة مسؤولة عن الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون التي تؤدي إلى احترار الكوكب حتى الآن، فإن الدول النامية تتحمل وطأة الكوارث الناجمة عن ذلك. تسبب تغير المناخ بنحو 143 مليار دولار من الأضرار المرتبطة بالطقس في جميع أنحاء العالم كل عام، وفقاً لدراسة حديثة نشرتها مجلة ”نيتشر كوميونكيشنز“ (Nature Communications). يبلغ متوسط تكاليف مثل هذه الكوارث نحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بالنسبة للدول الفقيرة، مقارنة بنحو 0.2% لدى الدول الغنية.

للناس في البلدان النامية الحق في الأمان وارتفاع مستويات المعيشة كما لأبناء البلدان المتقدمة. وتدّعي الدول الغنية أنها تريد طاقةً نظيفةً لدفع هذا التطور. لكن هذا يعني أنه سيتعين عليها قبول مزيد من العبء المالي لإزالة ما أحدثته من فوضى. مهما بدا هذا مكلفاً على المدى القصير، فإن تكاليف التقاعس على المدى الطويل ستتجه صعوداً فقط.