شي وبوتين: مبادرة الحزام والطريق بديل لنظام عالمي تقوده أميركا

الرئيس الصيني يؤكد رفض بلاده الضغوط الاقتصادية وهيمنة بعض الدول على الاقتصاد العالمي

الرئيسي الصيني شي جين بينغ يتحدث أثناء الحفل الافتتاحي لمنتدى "مبادرة الحزام والطريق" في بكين، يوم 18 أكتوبر 2023
الرئيسي الصيني شي جين بينغ يتحدث أثناء الحفل الافتتاحي لمنتدى "مبادرة الحزام والطريق" في بكين، يوم 18 أكتوبر 2023 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام والطريق التي يتبناها بأنها بديل شامل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وهي رؤية لتعاون اقتصادي عالمي يدعمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً.

في خطاب ألقاه اليوم في بكين بمناسبة الذكرى العاشرة لمبادرة الصين العالمية في مجال البنية التحتية، انتقد شي نهج العقوبات أحادية الجانب، والتنافس الجيوسياسي، وسياسات التكتلات. وعلى الرغم من أنه لم يحدّد أي دولة بعينها، فإن هذه التصريحات أشارت بطريقة واضحة إلى السياسة الأميركية تجاه الصين خلال الأعوام الأخيرة، والتي اعتبرتها واشنطن وسيلة للحدّ من المخاطر. غير أن بكين تنظر إليها على أنها تستهدف تثبيط قوتها الصاعدة.

قال شي: "كما يقول المثل، عندما تعطي الورود للآخرين، يبقى العطر على يدك، أو بكلمات أخرى، إن مساعدة الآخرين تعني مساعدة الذات أيضاً. والنظر إلى الآخرين على أنهم تهديد أو النظر إلى الترابط الاقتصادي باعتباره مخاطرة، لن يجعل حياة المرء أفضل أو يسرّع تطوّره".

تأييد روسي

بوتين الذي تحدّث مباشرة بعد كلمة شي، أشاد بالمبادرة على أنها متزامنة مع هدف روسيا في جعل العالم يتمتع ببنية تحتية مترابطة، يمكن من خلالها ضمان حرية التجارة والاستثمار والعمل بصورة كاملة.

"مشروع القرن" الصيني البالغ تريليون دولار أمام اختبار حقيقي

قال الرئيس الروسي: "تشترك روسيا والصين، على غرار غالبية بلدان العالم، في التطلع إلى تعاون متساوٍ ومفيد للجميع لتحقيق تقدم اقتصادي عالمي مستدام وطويل الأمد ورفاهية اجتماعية، مع احترام تنوّع الحضارات وحق كل دولة في وضع نموذجها الخاص للتنمية".

أضاف: "إن الفكرة الصينية لمبادرة الحزام والطريق، تنسجم منطقياً مع الجهود متعددة الأطراف لتعزيز التفاعل الخلاق والبناء".

هذه التصريحات التي شهدها حفل افتتاح منتدى الحزام والطريق، جاءت بمثابة دفعة أكثر إيجابية من قبل الصين وروسيا لجذب الاقتصادات الناشئة في ما يُعرف بنصف الكرة الجنوبي، والتي تمتد على نطاق واسع عبر أميركا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون أيضاً استقطاب تلك الدول لدعم نظام قائم على قواعد تجعلهم متحالفين فيما بينهم في قضايا، على غرار دعم جهود أوكرانيا لمقاومة غزو بوتين.

بؤرة توتر

باتت "مبادرة الحزام والطريق" بؤرة توتر بين الصين والغرب، إذ أشارت إيطاليا -البلد الوحيد بين أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى الذي وقَّع اتفاق تعاون رسمي مع بكين- إلى عزمها الانسحاب من المبادرة بحلول نهاية العام الجاري. ومع ذلك، لا يزال شي يعتقد بأن المبادرة جاذبة لبلدان العالم النامي التي يمكنها استخدام أموال الصين، من دون أن تجد نفسها مضطرة لتبني موقف ما إزاء قضايا، على غرار حقوق الإنسان والسيادة الإقليمية.

إيطاليا تعتزم الخروج من "الحزام والطريق" الصينية وسط توتر العلاقات

قال دونغشو ليو، الأستاذ المساعد المتخصص بالسياسة الصينية في جامعة "سيتي يونيفيرسيتي أوف هونغ كونغ": "تحاول الصين وشي جين بينغ نفسه خلق ظروف متنوعة لاستكشاف الفرص المتاحة خارج الدول الغربية. ولأن مبادرة الحزام والطريق تعتبر إلى حدٍ كبير منتدى اقتصادياً، فربما تكون أكثر جاذبية بالنسبة إلى العديد من الدول. يتميز المنتدى بأنه فعال في جعل دولة أخرى تشارك في شيء ترغب الصين في تعزيزه".

علاقات صينية روسية وثيقة

تعد هذه رحلة خارجية نادرة بالنسبة إلى بوتين بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه في مارس الماضي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وتأتي زيارته إلى الصين لإبراز الدعم لـ"مبادرة الحزام والطريق"، وتأكيداً على علاقات موسكو الوثيقة مع بكين، والتي تنظر إليها واشنطن وبروكسل بحذر.

قدَّمت بكين دعماً دبلوماسياً واقتصادياً لروسيا منذ أن أمر بوتين بغزو أوكرانيا في 2022، ساعد على تخفيف أثر العقوبات الغربية على موسكو. آخر مرة زار فيها بوتين الصين كانت لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية خلال فبراير من ذلك العام، قبل أسابيع قليلة من غزو أوكرانيا. وفي ذلك الاجتماع، اتفق الزعيمان على صداقة "بلا حدود"، ووقّعا سلسلة اتفاقات طويلة الأجل لتوفير إمدادات الطاقة.

الجميع فائزون

وصف شي "مبادرة الحزام والطريق" بأنها حلّ مربح للجميع، سواء للصين أو الدول المشاركة فيها. وأضاف أن أكثر من 150 دولة، وما يفوق 30 منظمة دولية، وقعت مذكرات تعاون. ستخصص بكين 80 مليار يوان (10 مليارات دولار) لـ"صندوق طريق الحرير"، فيما سينشئ كل من بنك التنمية الصيني وبنك الصادرات والواردات الصيني، أداة تمويل بقيمة 350 مليار يوان.

في وثيقة رسمية صادرة في وقت سابق من الشهر الجاري، وصفت بكين المبادرة بأنها بديل للنموذج الاقتصادي العالمي السائد الذي "تهيمن عليه بضع دول"، إذ تعتبر نفسها مدافعة عن الدول النامية.

مع ذلك، كان عدد الزعماء الأجانب الذين حضروا المنتدى أقل مما كان عليه في القمتين السابقتين، خلال 2017 و2019، الأمر الذي يشير إلى تراجع الاهتمام بالمبادرة. من بين المشاركين الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، والرئيس الكيني وليام روتو، والرئيس التشيلي غابرييل بوريك.

قمة ثنائية

عقد شي وبوتين محادثات على هامش المنتدى اليوم. ذكر الزعيم الصيني أن الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين تتزايد وتتعمّق أكثر، وأن حجم التجارة الثنائية بلغ رقماً قياسياً، وفق ما ذكره التلفزيون الحكومي الصيني المركزي.

قال شي إنه "خلال الأعوام الـ10 الماضية منذ 2013، التقيت أنا والسيد الرئيس (بوتين) 42 مرة، وأقمنا علاقة عمل جيدة وصداقة عميقة.. الصين مستعدة للعمل مع روسيا لحماية المساواة والعدالة الدوليتين، والمساهمة في التنمية المشتركة للعالم".

جاء اللقاء في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط اضطرابات بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل في وقت سابق من الشهر الجاري، الأمر الذي أدى إلى شن غارات إسرائيلية على قطاع غزة، مع توقعات بشن غزو بري على القطاع. وقد تجنبت الصين وروسيا إدانة حماس التي تصنفها أوروبا والولايات المتحدة منظمة إرهابية. ولم يأتِ شي وبوتين على ذكر لهذه الأزمة اليوم الأربعاء.